الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك ضمن دروس الأكاديمية، وهو درس: شرح كتاب النكاح من كتاب عمدة الفقه، ومعنا في هذا الدرس المبارك شارحاً لهذا المتن صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب.
باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الدكتور عبد الله، فأهلاً ومرحباً بكم!
الشيخ: حياكم الله وبإخوتي الحضور والمستمعين والمستمعات.
المقدم: ترحيبنا موصول بكم، ونسعد كثيراً بتواصلكم مع حلقات هذا الدرس المبارك .. نسعد كثيراً باتصالاتكم الهاتفية على الأرقام التي تظهر أمامكم في الشاشة، وأيضاً نسعد بتواصلكم عبر إجابات أسئلة هذا الدرس عبر موقع الأكاديمية على الشبكة العنكبوتية، وأيضاً بأسئلتكم التي توجهونها لضيفنا.
هذا الدرس بإذن الله تعالى سنخصص جزءاً كبيراً منه للإجابة عن أسئلتكم سواءً الهاتفية أو عبر الإنترنت، فنرحب بكم جميعاً.
يا شيخ عبد الله !كما كانت عادة البرنامج ومستمر في هذه العادة بأن نستعرض إجابات الإخوة الواردة في الدرس الماضي، أستأذنكم في ذلك.
الشيخ: حسناً!
المقدم: كان السؤال المطروح: أيهما المعتبر في الرضاع المحرم أهو الفطام أم الحولين؟ مع ذكر الدليل والمناقشة؟
هناك مجموعة كبيرة من الإجابات الواردة، لعلنا نبدأ بأولى الإجابات، وهي التي وردت من الأخت: أم فجر من السعودية تقول:
أولاً: الأئمة رحمهم الله ذكروا أن العبرة بالحولين سواءً كان الفطام قبل الحولين أو بعده، فلا عبرة بالفطام لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، فهذا خبر بمعنى الأمر، أي: لا يرضع أكثر من ذلك، وهذا يسمى مفهوم الغاية، وهو حجة.
ثانياً: وذهب أبو العباس رحمه الله: إلى أن العبرة بالفطام، وعليه فلو فطم الطفل بعد مضي سنة وقبل إتمام الحولين فالرضاع بعده ليس ناشراً للحرمة، ولو استمر فالرضاع بعد الحولين فإنه لا يزال رضيعاً، فعلق ذلك بالفطام حتى لو كان بعد الحولين، أي: فما لم يفطم الطفل بعد الحولين فإن الرضاع، ينشر الحرمة، وهو قول قوي وله ما يعضده، وهو ما رواه الترمذي من حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحرم الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )، وهذا الحديث حسن صحيح.
وأكثر الأئمة أن العبرة بالحولين وقالوا: أما حديث أم سلمة فهو معلق بمدته لا بنفسه، لأن الغالب أن الفطام يكون في الحولين، فلو ارتضع طفل بعد السنة وقد فطم، فيرى ابن تيمية: أنه لا ينشر الحرمة، وعلى قول الجمهور ينشر الحرمة، والله تعالى أعلم.
الشيخ: الحمد لله، هذه إجابة وافية كافية إلا أنني قلت: وهذا القول قوي فيما إذا الفطام قبل الحولين، أما إن كان الفطام بعد الحولين فإنه لا ينشر الحرمة، وهذا هو قول الأوزاعي، فعلق الأوزاعي الفطام بما إذا كان في زمن مدة الحولين أما إذا كان الفطام بعد الحولين فالعبرة بالحولين، وقلت إن هذا قول قوي، وقول الجمهور له حظه من النظر، فهذا استدل بالحديث وهذا استدل بالآية، ويمكن الجمع بينهما كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية بقول الأوزاعي: أن يكون ذلك في مدة الحولين، فلو كان الفطام، قبل ذلك فالعبرة بوجود الفطام، فلو لم يفطم إلا بعد الحولين لكان الحولان كافيين في ذلك.
المقدم: نعم، أحسن الله إليك، نستعرض أسماء الإخوة الذين أجابوا معنا في هذا الدرس مشكورين:
الأخ: نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية أيضاً أجاب.
الأخت: خديجة من المغرب أجابت عن هذا السؤال.
الأخت: سماء الإسلام من مصر أيضاً لها إجابة.
الأخت: فوزية من الكويت أيضاً لها إجابة قريبة.
غادة من الولايات المتحدة، و طلحة من السعودية، وعزيزة باخلعة من السعودية كذلك، عبد الرحيم المغراوي من المغرب، والأخت: مريم من السعودية، وخلود من السعودية، وأسماء وهبون من المغرب، غزلان من المغرب، ونورة من السعودية؛ كل هؤلاء الإخوة والأخوات أرسلوا إلينا بالإجابات!
الشيخ: جزاهم الله خيراً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وذكرت أنه لا ينبغي له، وقلت: لا يجوز ولا ينبغي أن يصرح بالخطبة إلا إذا انتهت عدتها، أما من كانت في عدتها فإنه لا يصرح، بل يعرض إذا كان طلاقها بائناً، أما الرجعية فلا.
وهذا الذي جعلني أتوقف، وهو أنني ذكرت في الدرس قبل ثلاثة أسابيع مسألة الخطبة بالتصريح، وقلت: المعتدة من طلاق بائن مذهب الحنفية والحنابلة ورواية عن علي بن أبي طالب: أنه لا يجوز التصريح بخطبتها، بل يجوز التعريض.
وقلت أيضاً: إن المطلقة طلاقاً بائناً لا يجوز أن يتزوجها إلا بعد انتهاء العدة، فلو طلق رابعة فلا يجوز أن يتزوج خامسة حتى تنتهي العدة.
فعلى القول بالمنع لا يجوز التصريح.
أما على رأي الشافعي ومالك وابن المنذر فإنهم قالوا: إذا كان الطلاق بينونة صغرى فيجوز للإنسان أن يتزوج خامسة ولو كانت في عدتها، فهؤلاء على قولهم يجوز التصريح ويجوز التعريض، لأن كل من جاز إبرام العقد عليها جاز التصريح فيه والتعريض، لكن على مذهب الحنابلة وهذا الذي رجحناه لا يجوز، فكانت الإجابة كما هي؛ لكنني أنا توقفت أنظر هل للحنفية أو الحنابلة قول، فلم أجد بعد بحث، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
المقدم: آمين.. أحسن الله إليك يا شيخ.
الشيخ: الآن لعلنا نكمل القراءة ..
المقدم: لكن أريد أن أذكر الإخوة بأن ما تبقى من الشرح في هذا الباب المتعلق بالرضاع ستكون مدته محدودة بإذن الله تعالى في هذه الحلقة، ونسعد كثيراً بتواصلكم من خلال أسئلتكم حول باب الرضاع وما قبله من أبواب شرحت في هذا الدرس، نعرض أسألتكم الحية الهاتفية على فضيلة الشيخ، وكذلك الأسئلة التي ترد عبر البريد الإلكتروني وأسئلة الإخوة الحضور معنا في هذا الدرس، أستأذنكم يا شيخ في القراءة!
الشيخ: تفضل!
ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع، انفسخ نكاحها، ولها المهر إن كان دخل بها، ونصف المهر إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه، وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها، وإن كانت هي التي قالت: هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها، فهي امرأته في الحكم].
الشيخ: جزاك الله خيراً، قبل أن نبدأ لابد أن نذكر لأهل الفضل فضلهم، فبعض الإخوة جزاه الله خيراً يتصل بي ويناقشني في بعض المسائل ويستفسر ويزيد بعض الفوائد في هذا الدرس، فلهم منا جزيل الشكر وعظيم الدعاء، وأن يرزقنا وإياهم الفقه في الدين، وهذا من باب ذكر الفضل لأهل الفضل، وقد كان السلف رضي الله تعالى عنهم يذكرون ذلك لتلاميذهم فيقول: أفادنيها فلان.
وأنا أشكر الإخوة الذين يذكرون أو يستشكلون بعض المسائل أو يطلبون الاستفسار، وقد جاءتني رسالة بالكتابة تطلب مني أن أذكر بعض المسائل التي نجد الناس بحاجة إليها، فهذا أمر طيب شكر فاعله؛ لأن مثل ذلك يحصل فيه تفاعل واستثمار لأوقات الإخوة المستمعين حتى يعم النفع وتكثر الفائدة.
أما كتابنا فقد وصلنا فيه إلى قول المؤلف: (ولو دبت الصغرى إلى الكبرى).
صورة المسألة: رجل تزوج امرأتين: الكبيرة اسمها مريم، والصغيرة اسمها هند، فدبت الصغرى، ومعنى (دبت): سارت وحبت حتى التقمت ثدي الكبرى، وهذا اللبن الذي من الكبرى ليس هو من لبن الزوج إنما هو من لبن زوج آخر، فجاءت الصغرى فدبت حتى ارتضعت من الكبرى رضاعاً ينشر الحرمة، وإذا قلنا: (رضاعاً ينشر الحرمة) فمعناه أنه خمس رضعات مشبعات ويكون في الحولين أو قبل الفطام على الخلاف الذي سبق معنا.
فعلى هذا فلو دبت الصغرى وشربت خمس رضعات مشبعات، (وهي نائمة)، أي: الكبرى، يعني: لم تعلم الكبرى بذلك، والكبرى عاقلة والصغرى غير عاقلة.
يقول المؤلف: (حرمتها على الزوج)، أي: الصغرى تحرم الكبرى على الزوج؛ لأن الكبرى تصير أم الزوجة الصغرى، فينفسخ نكاح الكبرى، وهل ينفسخ نكاح الصغرى؟
نقول: إن كان قد دخل بالكبرى فسخ نكاح الصغرى، وإن كان لم يدخل بالكبرى فإن الصغرى ما زال نكاحها باقياً.
يقول المؤلف: (حرمتها على الزوج)، وهذا إذا لم يكن قد دخل بالكبرى، يقول: (ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى) أي: وللكبرى نصف مهرها؛ لأنها فسخ نكاحها قبل الدخول، وكل من فسخ نكاحها قبل الدخول، فلها نصف المهر.
أي: أن مهرها على الزوج، لكن الزوج حينئذٍ يرجع به على الصغرى.
ونلحظ أن الصغرى غير عاقلة، والله سبحانه وتعالى إنما وضع التكليف على العاقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن كـالنسائي من حديث عائشة : ( رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصبي حتى يبلغ )، وهذه في حكم الصبي، فلماذا جعل المهر على الصغيرة وقال: (يرجع به على الصغرى) وهي غير عاقلة، فكيف أرجع المؤلف المهر للزوج على الصغرى وهي غير عاقلة؟
مداخلة: يا شيخ! لأنها تسببت في فسخ النكاح.
الشيخ: أنت قلت: لأنها تسببت في فسخ النكاح، أي: صارت سبباً؟ وهذا يسميه العلماء خطاب وضعي، وهو خلاف خطاب التكليف المتعلق بذات العبد نفسه، وخطابات التكليف خمسة: الواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه، والمباح، أما خطاب الوضع فلا يتعلق بأفعال المكلفين، إنما هو متعلق بالسبب أو المانع أو الشرط أو العزيمة أو الرخصة.
وهنا في المسألة كانت الصغرى سبباً للنسخ.
فلا ينظر في خطاب الوضع إلى البلوغ والعقل، فحينئذٍ صار ذلك تعلقاً بلا نظر بين الفاعل هل هو مكلف أو غير مكلف، ولذا لو قتل الصبي خطأ وجبت عليه الدية؛ لأنه من باب خطاب الوضع الذي لا ينظر فيه إلى الفاعل، لكن متى ينظر فيه إلى الفاعل؟ من حيث الحرمة وعدمها، أي: هل هذا حرام عليه أو ليس بحرام.
فلما كانت الصغرى قد تسببت في فسخ نكاح الزوجة الكبرى ووجب للكبرى نصف المهر، فحينئذٍ نقول: يرجع به على الصغرى؛ لأنه ضمان، أي: لأن الصغرى ضامنة فسخ نكاح نكاح الكبرى.
وإذا كان الفسخ قبل الدخول فلها نصف المهر)، يقول المؤلف: (وإن كان بعده فلها) يعني: للزوجة الكبرى (المهر كاملاً)، أي: فللزوجة الكبرى المهر كاملاً؛ لأن كل من دخل بامرأة وخلا بها واستمتع بها كما يستمتع الرجل من امرأته فإن لها كامل المهر، سواء كان هذا النكاح شرعياً أو غير شرعي؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، مع أنه نكاح قال قبله عليه الصلاة والسلام: ( فنكاحها باطل باطل باطل ).
يقول المؤلف: (وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد) لماذا لا يرجع به على أحد؟
نقول: لأن المهر هنا لأجل الاستمتاع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، نقول: المهر ثبت لأجل استحلال البضع؛ ولهذا لا يرجع به على أحد.
يقول المؤلف: (ولا مهر للصغرى)، الآن الصغرى لم يدخل بها، فلا مهر لها كما يقول المؤلف، والمفترض أن يكون لها نصف المهر؛ لكن لا مهر لها لأنها تسببت في فسخ نكاحها بنفسها، والقاعدة: كل من تسبب في فسخ نكاح امرأة فإنه يعود الزوج عليه إما بالمهر كاملاً وإما نصفه.
يقول المؤلف: (ولها) أي: أخته من الرضاع، (لها المهر إن كان دخل بها)؛ لأنه بما استحل من فرجها كما قال صلى الله عليه وسلم.
ولها نصفه إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه، وإنما ثبت لها النصف؛ لأن الفسخ كان من قبل الزوج بإقراره، وليس ثمة تغرير من المرأة.
وقوله: (إن لم يدخل بها ولم تصدقه)، أي أن المؤلف فرق فقال: إن كان قبل الدخول نظرت: فإن صدقته على أنه أخوها من الرضاع فليس لها شيء؛ لأنها أقرت ببطلان العقد، فبإقرارها بطل عقدها؛ أي أنه لما عقد عليها وهي أخته كان العقد باطلاً، وبالتالي فالمهر باطل؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل، ولهذا قال: (ولم تصدقه)، يعني: فإن صدقته فلا مهر لها وإن لم تصدقه فلها المهر.
إذاً: لماذا جعل لها المهر إن لم تصدق وهو قد أقر بأنها أخته من الرضاع؟
نقول في الجواب: لأنه لا يقبل قوله فيها؛ لأنه تعلق به مال، والقاعدة: أن الإقرار حجة قاصرة، وبالتالي فإن لم تصدقه ثبت لها المهر، فإن كان قبل الدخول فلها نصفه.
المؤلف يقول: (وإن صدقته قبل الدخول) يعني: قال: هي أختي من الرضاع، وكان قوله هذا قبل أن يدخل بها، قال المؤلف: (فلا شيء لها) لماذا؟
الجواب: لأنها أقرت بالنكاح الباطل، فيكون هذا النكاح باطلاً وما ترتب عليه فهو باطل. فيكون في حكم الزنا والعياذ بالله؛ لأنها عالمة فسكتت، انتهينا من هذا.
الحال الأولى: إن كان قبل الدخول فسخ النكاح ولا مهر لها؛ لأنها هي التي تسببت، وهذا إذا أصدقها الزوج بأنها أخته من الرضاع.
وإن لم يقر بأن أنكر فهل لها المهر؟ فنقول: أيضاً ليس لها المهر؛ لأنها هي التي أقرت، هذا انتهينا منه، وهو في حال ما إذا كان ذلك قبل الدخول.
الحال الثانية: إن كان بعد الدخول، فهنا ينظر: فإن قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولها بينة فلا مهر لها.
أو دعنا نقسمها تقسيماً آخر فنقول:
(إن قالت: هو أخي من الرضاع فأكذبها) هذه هي المسألة، أي قالت الزوجة: هو أخي من الرضاع فأكذبها الزوج فما الحكم؟ نقول: هذا ينقسم أقساماً:
القسم الأول: أن يكون لها بينة بذلك، فإن كان لها بينة في ذلك فسخ العقد، ولا مهر لها إن كان ذلك قبل الدخول؛ لأنها أقرت وأثبتت أن النكاح باطل.
وإذا كان بعد الدخول فهل يكون زنا، أم يكون وطأ بشبهة؟
الجواب: إذا كان قبل الدخول فلا إشكال أنه لا مهر لها، وإن كان بعد الدخول فأقرت فنقول: هل كنتِ عالمة أم لست بعالمة؟ فإن كانت عالمة بذلك قبل العقد فلا مهر لها؛ لأنها أقرت على نفسها بأنها كانت مطاوعة زانية والعياذ بالله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ومهر البغي خبيث ).
وإن أنكرت وقالت: أنا ما علمت إلا بعد العقد وعندي بينة، فإنه والحالة هذه يثبت لها المهر؛ لأنه حينئذٍ وطء بشبهة.
فهذا إن كان لها بينة.
القسم الثاني: إن كان ليس لها بينة، فينظر: فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها.
وإن كان ليس لها بينة وأكذبها وقد دخل بها فنقول: إن كانت عالمة بأنها أخته فليس لها مهر، لأنها كانت عالمة بأنها أخته وسكتت حتى استمتع بها وهي مطاوعة بذلك، وهذا في حكم الزنا والعياذ بالله!
وإذا قالت: ما علمت إلا بعد الدخول، فلها المهر بما استحل من فرجها.
قال المؤلف: (وهي زوجته في الحكم) أي: هو أنكر وأكذبها فيما ادعت من الرضاع بينهما، فتبقى زوجته في الحكم، أما بينها وبين الله فلا، كيف ذلك؟
نقول: إن قالت: عندي بينة أنه أخي من الرضاع فلا إشكال، وإن لم يكن لها بينة، كأن قالت: هو أخي من الرضاع، وإن أمي التي ماتت أقرت لي بذلك، فقال: لا، بل هي زوجتي -وقد دخل بها- فنقول حينئذٍ: هي زوجته في الحكم ويلزمها ألا تمكنه من نفسها، لأنها بينها وبين الله ليست بزوجته، فلا تمكنه من نفسها ولا يحل لها أن تساكنه، ويجب عليها أن تخالعه، فإذا أبى وقال: هي زوجتي، وأنكر أن تكون أخته من الرضاع، فحينئذٍ يجب عليها أن تفتدي نفسها فتدفع هي الخلع الذي يسمونه بدل الخلع، وهو العوض، وحينئذٍ نكون قد انتهينا من كتاب الرضاع، والله أعلم.
الشيخ: سؤال الأخ واضح، حيث يقول: هل في نشر الحرمة في الرضاع أثر لقصد المرأة بأن ترضع أم لا؟
والجواب: أن قصد نشر الحرمة بأن تقول: سوف أرضعه لكن لا أريد أن ينشر الحرمة، بل أريد أن أعطيه قليلاً ثم أنزع الثدي منه، ولكنه شرب ولم أعلم، فهل ينشر الحرمة أو لا؟
والجواب: أن القصد لا أثر له في نشر الحرمة، والله أعلم.
مداخلة: سؤالي للشيخ جزاكم الله خيراً؛ عن من رضع من زوجتي وكان ابني من الرضاع، الآن هو كبر وتزوج، فزوجته هل أكون أنا محرماً لها أو لا؟
الشيخ: الجواب، جواب الأخ أحمد من الطائف نقول: مرت معنا هذه المسألة وقلنا: إن مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله على أن الرضاع ينشر الحرمة بالمصاهرة والنسب، فحينئذٍ تكون هذه الزوجة زوجة ابنه وهو محرم لها.
وأما على رأي أبي العباس بن تيمية فإن الرضاع لا ينشر الحرمة بالمصاهرة؛ لأن الله يقول: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، وأما الجمهور فقالوا: إن هذا خرج مخرج الغالب.
والراجح هو مذهب الأئمة الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث عائشة : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة )، فجعل الولادة شاملة للنسب والمصاهرة.
الشيخ: هذه مسألة وهي: أن يكون الرجل له زوجة ويعطيها مهراً؛ لكن اشترطوا عليه أنه إذا طلقها فلها كامل أو نصف ما يملك، فنقول:
ينظر: فإن كان ذلك قد جعل من ضمن المهر فهي مسألة خلافية، هل تجوز الجهالة في الصداق أم لا؟ كأن يقول: ادفع الآن مائة ألف والباقي مؤخر بتطليقك، وهو نصف ما تملك، فهذا مجهول، وهل يجوز؟ هذه محل نظر سوف نبحثها إن شاء الله في باب الصداق.
وإن كان النصف الثاني ليس من باب الصداق ولكنه من باب العقوبة أو النظام، فإنه حينئذٍ لا يحل لها ذلك، فلو ألزمها أو جوز لها النظام أن تأخذه فيجب عليها أن ترجعه، والله أعلم.
أما القول الثاني: فلم أفهم علته؛ إذ إن الصغيرتين صارتا أختين في نفس اللحظة، فمن أين فضلت المرتضعة الثانية على الأولى، أم أنهم اعتبروا أنه برضاعة الأولى انفسخ نكاحها هي؟
الشيخ: هي عندها إشكال في ماذا بالضبط؟
المقدم: تقول: في قضية الترتيب في الرضاع؟
الشيخ: جميل، الآن رجل تزوج كبرى وصغريين: هنداً وسمية، فجاءت الكبرى فأرضعت الصغرى، الآن من حين ارتضاع الكبرى الصغرى صارت الكبرى أماً للزوجة الصغرى، فينفسخ نكاح الكبرى إن كان قبل الدخول، وإما إن كان بعد الدخول فينفسخ نكاحهم جميعاً.
المقدم: يا شيخ فسخ نكاح الكبرى وتحرم عليه؟!
الشيخ: وتحرم عليه الصغرى أيضاً إن كان بعد الدخول، لكن لنفترض المسألة قبل الدخول:
جاءت الكبرى فأرضعت الصغرى، فإنه ينفسخ نكاح الكبرى، فجاءت الكبرى أيضاً فأرضعت الصغرى الثانية التي هي سمية، فمن حين إرضاعها للصغرى الثانية صارتا أختين، وحينئذٍ لا يجوز له الجمع بين الأختين؛ لأن الرضاع طارئ على العقد، فليست هذه بأولى، ولهذا جمع بينهما فأوجد العقد فحينئذٍ نقول: يفسخ، ثم له أن يتزوج من شاء منهما، هذه صورة المسألة.
الشيخ: جميل، هو حقيقة بعض الإخوة يشكل عليه يقول: ولو تزوجت المرأة صغيراً أو طفلاً كيف يكون هذا؟
أولاً: يا إخوان! نحب أن نبين أن الفقهاء رحمهم الله حينما يذكرون مثل هذه المسائل، إنما يذكرونها فرضاً فيما لو وقعت، ومثل هذه الأشياء ربما تقع نوادر من المليار واحد أو اثنين، لكن لابد أن يعلم حكم الله سبحانه وتعالى، هذا واحد.
الثاني: أن أهل العلم أحياناً يذكرون النوادر في مسائلهم لتحريك الذهن وتدريب الطالب على الفهم، هل تحقق فهمه أم لا؟
الثالث: أنه ربما يوجد مثال: أحياناً يوجد طفل ماتت أمه ومات أبوه وليس له عائل، فجاء أهل الحي في البادية فقالوا: من يأخذ هذا الطفل يربيه؟ فجاءت امرأة أرملة قالت: أنا آخذه لكن أريدكم أن تزوجوني حتى لو كبر ما أجد غضاضة وليس في صدري لبن، فأريد أن يكون زوجي حتى لو كبر أبقيه عندي، فتتزوجه حتى يكون محرماً لها لو كبر، لكن لو ربته وجلست معه فشب منذ الصغر وهي لم ترضعه وليس في صدرها لبن ربما يشق ذلك عليها فيما لو كبر هل يكشف لها أو لا يكشف لها؟ فلأجل هذا ربما تتزوجه ليس إلا.
مداخلة: السؤال طول الله عمرك، الذي يقول الزوجة الكبرى ترضع الزوجة الصغرى، كيف ترضعها وهم كبار؟
الشيخ: لا، نحن نقول يا أخت هند : هذا رجل تزوج أربع نساء: واحدة كبرى وثلاث أصاغر ما زلن في المهد، فجاءت الكبرى فأرضعت هؤلاء الثلاث الأصاغر.
مداخلة: يا شيخ جزاك الله خيراً، هل يجوز رسائل الجوال بين الفتى والفتاة قبل العقد إذا رضيت العائلتان: عائلة الفتاة والفتى؟
الشيخ: جميل، هذه تكلمنا عنها في مسألة التوسع في حديث الخاطب مع خطيبته، وقلنا: إذا كان الخاطب مع خطيبته لينظر صياغة عبارتها وبيان كلامها وينظر ما تهواه بحشمة وأدب وخلق إسلامي رصين فلا بأس، شريطة أن لا يدوم؛ لأنه أحياناً يكون الأمر مرة ثم مرة ثم نظرة ثم كما قال أحمد شوقي ..، فحينئذٍ نقول: لا يكثر من ذلك، وحينئذٍ كذلك لا يكثر من الرسائل، ولو كان يريد أن يحادثها فإنه يبرم العقد ولو لم يدخل بها إلا بعد زمن.
مداخلة: يا شيخ لديَّ ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: على قول ابن تيمية أن العبرة بالرضاع إذا كان قبل الفطام، هل يدخل في رأيه إذا كان الطفل لا يتشوف إلى لبن الأم قبل الفطام أنه لا ينشر المحرمية، وإذا كان ليس هذا رأي ابن تيمية فمن قاله؟
الشيخ: دعينا نجيب عن هذا، أما هذا فإن ابن تيمية يعلق بالفطام، ومسألة أن الطفل لا يحب الرضاع ليس هذا فطاماً؛ لأن بعض الأطفال أحياناً يكره لبن الأم ويرتضع من الحليب الصناعي، ويرتضع من الأم إذا أخرج لبن الطفل باسطوانة معينة فيوضع في أنبوبته، فحينئذٍ لا يكون هذا فطاماً؛ لكن الفطام هو أن يشتهي الأكل، ولا يتشوف إلى الطعام.
الشيخ: قلنا: إن العبرة بوجود اللبن، سواء كانت المرضعة حية أم ميتة.
مداخلة: لا، أنا أسأل عن نفس اللبن، يعني إذا كان له أكثر من سنتين؟
الشيخ: اللبن إذا كان جيداً فلا بأس، وأنتم تعلمون أنه أحياناً في بعض المستشفيات الأوروبية أو العربية أو الإسلامية يضعون ما يسمى ببنوك الحليب، فيأخذون هذا اللبن من صدور الأمهات فيبقونه في ثلاجة حتى إذا جاء وقت الحضانة يعطونه الأطفال، وصدرت الفتوى في تحريم بنوك الحليب؛ لأنه فيه اختلاط الأنساب، ومعلوم أن هذا الحليب يبقى زماناً طويلاً.
الشيخ: هذا يبنى على العادة، فإن كان من عادة الناس أنهم لا يرون اكتراثاً في أنه يسمي أمه من الرضاع: أم علي، أم عبد الله، أم محمد فلا حرج؛ لكنه من الكرم والأفضل والإخاء وإعطاء أهل الفضل فضلهم أنه يناديها بأمي.
الشيخ: سؤال جيد جداً، نقول: لا ينشر الحرمة بين الطفل وبين الرجل؛ لأن هذا اللبن لم يثب منه، ولم يكن لبنه، فحينئذٍ يكون هذا الطفل له أم من الرضاع وليس له أب من الرضاع على قول الجمهور، خلافاً للحنابلة.
ونرجو أن يوضح لنا فضيلة الشيخ هذه المسألة؛ لأنه لا يتصور أن تفعل المرأة الحرة العفيفة هذا الأمر؟
الشيخ: نحن نقول: إنه لو طلب الخاطب من خطيبته أو من ولي البنت التي بها عاهة في باطن جسدها وقال: أنا سأتزوجها لكن أريد أن أنظر هذا السواد الذي في الظهر أو هذا السواد الذي في الفخذ مثل شامة مثلاً، السؤال: هل للزوجة المخطوبة أن تكشف؟ نقول: نعم لها ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها ).
لكن مسألة أن المخطوبة ترفض فهذا من حقها، فإذا رفضت فلها ذلك، وللخاطب أن لا يتقدم أيضاً ولا يقدم على الزواج، وكون البنت أو العفيفة لا تفعل فهذا دليل على كرمها ومروءتها؛ لكن الجواز شيء والفعل شيء آخر، نحن نقول: هذا يجوز، فلو قالت امرأة: أنا ما جاءني أزواج، فيقال لهم: لو سترنا هذا العيب لكان هذا لا يجوز؛ ولو قلت: لا، لما جاءني بعض الأزواج، وأنا كبرت في السن، فهل لي أن أكشف هذا حتى يعلم الأزواج ذلك؟ نقول: لهم ذلك، فإذا جاز يا إخوان أن تكشف لأجل العلاج فلأن تكشف لأجل الزوج من باب أولى، ولا حرج في ذلك، وكون المرأة يستعصي إدراكها هذا لعفتها وحيائها، فهذا دليل على نبلها وفضلها ومروءتها، لكننا نقول: يجوز.
الشيخ: نقول: ذهب عامة الفقهاء إلى أن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة، سواء كان ذلك مما يحتاجه الزوج والزوجة، يعني: احتاجوا هذا الرجل الكبير، أو لم يحتاجوه، وقالوا: إن هذا إنما هو رخصة لـسالم مولى أبي حذيفة خاصة، تقول أم سلمة كما في الصحيح: ( وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد عليهن بتلك الرضعة، وقالوا لـ
وأما عامة أهل العلم فقالوا: لا رضاع ولا ينشر حرمة لكبير.
وذهب أبو العباس بن تيمية إلى أنه لا ينشر الحرمة في رضاع الكبير بعد الفطام إلا إذا كان وضعه كوضع سالم ، بأن يكون صبياً تربى عند قوم واحتاجوا إليه ويشق عليهم أن يتركوه فإن لهم أن يرضعوه، وقال ابن تيمية هنا: إن هذه الخصوصية خصوصية أوصاف وليست خصوصية أشخاص، فمن كان وصفه كوصف سالم و سهلة بنت سهيل مع زوجها فإنه يجوز له الرضاع، وإن لم يكن فلا، ولهذا قالت: ( وإن
فذهب أبو العباس إلى هذا، وأرى والله أعلم أن قول الجمهور أحوط وأظهر، ولكن إذا كان الإنسان يعيش في بلد ربما تكون شعائر الإسلام ليست ظاهرة قوية متينة بحيث تصان وتحفظ، بل تسيب المرأة وتكون أحكامها وأفعالها ليست بذاك، فأقول: حنانيك بعض الشر أهون من بعض! فلو أخذنا بقول أبي العباس هنا وليس من باب أنها أخته، ولكن من باب تخفيف الشر استثناءً بذلك، فأرى والله أعلم أنه لا حرج، وللعلماء كلام طويل في باب الأخذ بالقول الضعيف لمصلحة راجحة، والمالكية لهم قصب السبق فيما يأخذون فيه بالقول المرجوح لما جرى عليه العمل.
مداخلة: مسألة إرضاع الكبير هناك بعض المشايخ يجوزون هذا الأمر استناداً لحديث سالم مولى أبي حذيفة، ويقول: إن كان الأمر فيه حاجة، مثلاً كرجل ماتت أمه وأبوه وهو صغير، حتى تبعد المشقة، فما رأيكم؟ بعضهم يجوزون هذا الأمر وبعضهم يرون كما سمعنا من قول الشيخ عبد الله قبل هذه الحلقات تحريم هذه المسألة، فنحب الاستفاضة في هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: قبل أن تسألي أجبت بإجابة وافية في مثل هذا وقلت: إن أبا العباس بن تيمية رحمه الله يرى أن سالماً مولى أبي حذيفة إنما جوز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرتضع من سهلة بنت سهيل لأن فيه حاجة، وأن خصوصيته هنا إنما هي خصوصية أوصاف وليست خصوصية أشخاص، وقلنا: إن الراجح والله أعلم هو قول الجمهور خلافاً لـأبي العباس بن تيمية ، وقد قالت أم سلمة : ( وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة وقالوا: إنما هو لـ
مداخلة: هناك ناس قالوا وأسمع هذا القول لأحد المشايخ: هذا ليس خاصاً بهذا الرجل وبهذه المرأة؛ لأن أحكام الشريعة لا تختص بأناس معينين، إنما تكون لهذا الرجل ولمن كانت حاله مثل حاله.
الشيخ: نعم صحيح، هذا هو رأي ابن تيمية ، فإنه بجعله خصوصية أوصاف، ولكن الأقرب والله أعلم هو قول الجمهور؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وقد قال النبي: ( لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء )، والقاعدة الفقهية: أن النص الشرعي الظاهر أو الأصل الظاهر إذا خرج منه فعل فإنه يبقى على خصوصيته ولا يقاس عليه؛ لأن الرخص لا تقاس بغيرها.
الشيخ: نعم، سؤال هذه الحلقة وهو ما ذكرناه آخراً: لو قالت الزوجة لزوجها: هو أخي من الرضاع، فأكذبها الزوج، فما الحكم؟ اذكر الأحوال مع حكم كل قسم؟ والله أعلم.
المقدم: إذاً أيها الإخوة! هذا هو سؤال هذه الحلقة، ننتظر الإجابة عليه في الحلقة القادمة الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى.
حتى ذلكم الحين لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر الجزيل -بعد شكر الله عز وجل- لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب، على شرحه وبيانه وإجابته عن الأسئلة.
والشكر موصول لكم أنتم على طيب متابعتكم، حتى يجمعنا لقاء قادم بكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر