إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب النكاح [14]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع النكاح لحاجة المرء في الاستمتاع، ولضرورة حفظ النسل، فإذا كان يترتب عليه ضرر على أحد طرفي النكاح فقد أوجد الشارع المخرج من ذلك، فجعل لكل من الزوجين الخيار في فسخ النكاح إذا وجد في زوجه عيباً من العيوب المثبتة للخيار، واختلف العلماء في العيوب المثبتة للخيار والفسخ، وهل هي محصورة أم غير محصورة، وهل يثبت الفسخ تلقائياً أم يحتاج لحكم حاكم؟

    1.   

    إجابات أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها المشاهدون الكرام! متابعي قناة المجد العلمية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

    وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك ضمن دروس الأكاديمية نشرح من خلاله كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله، ومعنا في حلقات هذا الدرس المبارك صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية.

    باسمكم جميعاً نرحب بالدكتور عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم يا شيخ!

    الشيخ: حياكم الله، وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.

    المقدم: ترحيبنا موصول بكم وبالإخوة الحضور معنا، ونسعد كثيراً بتواصلكم من خلال اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر تباعاً أمامكم على الشاشة، وكذلك من خلال تواصلكم عبر موقع الأكاديمية بإرسال أسئلتكم للدرس والإجابات التي نود المشاركة بها إجابة عن السؤال الذي يطرحه الشيخ في نهاية كل درس.

    أهلاً ومرحباً بكم يا شيخ!

    الشيخ: حياكم الله.

    المقدم: كان سؤالنا في الحلقة الماضية: عن شروط نكاح المسيار؟

    وكما جرت العادة نستعرض مجموعة من الإجابات التي وردت عبر البريد الإلكتروني لموقع الأكاديمية!

    الحقيقة ورد مجموعة من الرسائل أستهل هذا اللقاء باستعراض مشاركة الأخ: عبد الرحيم المغراوي من المغرب.

    يقول فيها: أحسن الله إليكم يا شيخ! وبارك في علمكم، الجواب عن السؤال: ما شروط نكاح المسيار؟

    أولاً: البيتوتة والنفقة والسكنى حق للمرأة، ولها أن تسقطه إن شاءت وترجع عن إسقاطه متى شاءت، وإن كتب ذلك في العقد، وعلى الزوج أن لا يمتنع عن أدائه إن رجعت في اسقاطه قياساً على الحضانة.

    ثانياً: أن تكون القوامة للزوج وليست لها؛ كأن تحدد له موعداً للمجيء أو وقتاً للمكوث عندها، أو تخرج متى وكيف شاءت أو نحو ذلك.

    ثالثاً: أن لا يكونا قد اتفقا صراحة أو ضمناً على الطلاق، حتى لا يكون كنكاح المتعة المحرم.

    رابعاً: أن يكون هذا الأمر لمعالجة مشكلة في المجتمع، ولا ينبغي أن تكون هي الأصل في النكاح؛ لأن الأصل في النكاح كما قال جل وعلا: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

    الشيخ: جواب شاف واف، إلا أنا نريد أن نزيد في مسألة القوامة، بعض الإخوة يقولون: ما الدليل على ذلك؟

    نقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر : ( والرجل راع في بيت أهله ومسئول عن رعيته )، ولا يجوز للزوج أن يترك هذه المسئولية لأي أحد إلا بما يعود على أصل الأسرة بالفلاح والخيرية.

    المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، ومن الإجابات التي وردت: جاءت إجابات مشكورة من الإخوة والأخوات: الأخت: خديجة من المغرب، الأخت: غادة من الولايات المتحدة، جميلة من العراق، أم فجر من السعودية، وكذلك الأخ: عبد الرحيم واستعرضنا إجابته قبل قليل، الأخ: نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية.

    وأيضاً من الإجابات التي وردت كذلك إجابة الأخت: خلود من السعودية، وكذلك مريم من السعودية، و عزيزة باخلعة من السعودية، ومصعب من المغرب.

    وأيضاً : نبيلة حمود الصالح من السعودية، وغزلان من المغرب، هذه أبرز الإجابات التي وردت.

    الشيخ: جزاهم الله خيراً على اهتمامهم وحضورهم في مثل هذا المنتدى، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لهم في جهودهم، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه.

    والعبادة لا شك أنها ليست مقتصرة على العبادات المحضة، فإن التعلم والتفقه في الدين من أعظم العبادات، ولهذا قال أبو هريرة رضي الله عنه كما روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: (لأن أتعلم مسألة ربما احتاج الخلق إليها، خير لي من أن أصوم يوماً وأقومه).

    هذا يدل على فضل التعلم لمن صلحت نيته، قال الإمام أحمد : لا أعلم شيئاً أحسن من الفقه في الدين لمن صلحت نيته، وله كلام في مثل هذا في أشياء كثيرة.

    لعلك تقرأ يا شيخ! باب العيوب التي يفسخ بها النكاح.

    1.   

    العيوب التي يفسخ بها النكاح

    المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب العيوب التي يفسخ بها النكاح:

    متى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكاً، أو مجنوناً، أو مجذوماً، أو أبرص، أو وجدها الرجل رتقاء، أو وجدته مجبوباً، فله فسخ النكاح إن لم يكن علم ذلك قبل العقد، ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم.

    وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها، فاعترف أنه لم يصبها، أجل سنة منذ ترافعه، فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه، فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما، إلا أن تكون قد علمت عنته قبل نكاحها، أو قالت: رضيت به عنيناً في وقت، وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها.

    وإن قال: قد علمت عنتي، أو رضيت بي بعد علمها، فأنكرته، فالقول قولها، وإن أصابها مرة لم يكن عنيناً، وإن ادعى ذلك فأنكرته، فإن كانت عذراء أريت النساء الثقات، ورجع إلى قولهن، وإن كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه ].

    تعريف العيوب التي يفسخ بها النكاح

    الشيخ: جزاك الله خيراً، بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    هذا الباب هو باب العيوب في النكاح، والمراد بهذا الباب هو: حق أحد الزوجين في فسخ النكاح إذا وجد في صاحبه عيباً من العيوب.

    والعيوب: جمع عيب.

    والعيب هو: نقص بدني أو عقلي في أحد الزوجين يمنع من تحصيل مقاصد النكاح والتمتع بالحياة الزوجية.

    أقسام العيوب التي يفسخ بها النكاح

    الشيخ: والعيوب في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: قسم مشترك بين الذكر والأنثى، أي بين الزوج والزوجة، ومن أمثلة ذلك: ما ذكره المؤلف في الجنون، فالجنون عيب، ويحصل للزوج ويحصل للمرأة.

    وكذا الجذام، والجذام: مرض وعلة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر، أي: يتآكل ثم يتقطع ويتناثر، ويأتي في كل عضو من أعضاء البدن، إلا أن وصوله إلى الوجه أكثر كما ذكر ذلك علماء اللغة والطب.

    وكذلك البرص وهو: علة يبيض منها الجلد، والنفوس ربما تقززت من ذلك.

    والقسم الثاني: قسم مختص بالزوجة، وهو كل عيب يمنع استمتاع الزوج بزوجته ووطئه لها، وهذه معلومة عند الناس، فإذا لم يستطع الرجل أن يأتي أهله بسبب عيب فيها، فإن هذا من العيوب التي تختص بالمرأة.

    القسم الثالث: العيوب التي تختص بالزوج، وقد ذكره المؤلف، وهو العنة، والعنة: مرض لا يستطيع الرجل أن يأتي أهله.

    وكذلك المجبوب، وهو الذي قطعت آلته.

    فهذه الأنواع الثلاثة عيوب قسمناها للاستحضار والإدراك.

    1.   

    الأحكام الفقهية التي تترتب على عيوب النكاح

    الشيخ: وإذا ثبت العيب في حق أحد الزوجين، فإنه يترتب عليه أحكام، فالأحكام الفقهية التي تترتب عليها هي:

    أولاً: للمتضرر الخيار في فسخ النكاح، وهذا الحق يشمل الزوج والزوجة، فللزوجة أن تطلب فسخ النكاح، وللزوج أن يطلب فسخ النكاح.

    وعلى هذا فإذا طلب الزوج فسخ النكاح فإنه يعود على من غره بالمهر الذي بذله كما سوف يأتي تفصيل ذلك، فنقول: الحكم الأول: أنه يحق للمتضرر فسخ النكاح والخيار في ذلك.

    الثاني: أن هذا الخيار والفسخ على التراخي، وليس هو على الفور.

    ومعنى (على التراخي): أنه إذا ثبت العيب في حق أحد الزوجين، فللمتضرر الذي وجد العيب في صاحبه الخيار، ولا يسقط هذا الخيار إلا بالرضا الصريح، أو استمتاع الزوج بزوجته مع وجود العيب، وكذلك تمكين المرأة لزوجها بأن يأتيها وفيه عيب.

    فهنا ثلاثة أشياء:

    الأول: الرضا الصريح من أحد الزوجين أو من كليهما.

    الثاني: استمتاع الزوج بزوجته وفيها عيب.

    الثالث: تمكين المرأة لزوجها مع وجود العيب.

    وينبغي أن نقول: تمكين المرأة لزوجها مع وجود العيب، هل هو رضا صريح؟

    بعضهم يقول: إذا مكنت المرأة من نفسها فهو إسقاط لحقها، والأقرب أن نقول: إذا مكنته بما يفهم منه الرضا، فإن ادعت بعد ذلك أنها لم تعلم بالعيب، فقد قال بعض الفقهاء: يسقط حقها، والأقرب أنه لا يسقط، ولكنها تحلف، هل كانت تعلم بأن لها حقاً في الخيار أم لا؟ فإن حلفت فلها ذلك، وهذا أظهر خلافاً للمؤلف.

    فلو مكنت المرأة الزوج من نفسها، ثم طلبت بعد ذلك النسخ بالعيب، فقد قال المؤلف: إن حقها يسقط، والأقرب أن نقول: لا يسقط إذا حلفت أنها لم تعلم بأن لها الخيار، وكذلك يقال في الزوج.

    الأمر الثالث: أن هذا الفسخ لابد أن يكون بحكم حاكم، هذه ثلاثة أشياء، ولندخل في تفاصيل كل مسألة:

    الحكم الأول: ثبوت الخيار في النكاح بالعيب وأدلته

    الشيخ: الحكم الأول: ثبوت الخيار:

    اعلم وفقني الله وإياك، أن ثبوت الخيار في العيب لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء صراحة، إلا ما يفهم مما جاء في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ).

    فظاهره: أن هذا الشرط إذا انتفى، فإنه والحالة هذه يحق للمتضرر أن يفسخ، والأصل في عقد النكاح سلامة كل من الزوجين من أي عيب موجود، فكأن هذا الأمر صار عرفاً، فكأن كل واحد من الزوجين اشترط السلامة في العقد، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.

    وقد جاءت بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تفيد جواز الفسخ إذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيباً:

    الأثر الأول: ما جاء عند سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة و البيهقي وغيرهم، من طريق سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة فوجدها برصاء أو مجنونة أو مجذومة، فلها الصداق بمسيسه إياها، وهو على من غره منها.

    هذا الأثر هو من طريق سعيد بن المسيب عن عمر ، ومن المعلوم أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر على الراجح، ولكن أهل العلم قبلوه؛ لأن سعيداً لا يروي عن عمر إلا ما ثبت لديه عن الثقات الأثبات، حتى إنه سمي: راوية عمر ، وكان ابن عمر إذا أراد أن يعلم أو أن يستفسر عن أخبار عمر وأحكامه وفتاويه يسأل سعيد بن المسيب في ذلك، مما يدل على أن سعيداً قد حفظ مالم يحفظه الناس عن عمر .

    وعلى هذا قال أبو حاتم : سعيد عن عمر مرسل وإسناده صحيح! وهذا من فقهه في الحديث رضي الله عنه ورحمه، وقوله: (وإسناده صحيح)، بمعنى: أنه له حكم الاتصال.

    الأثر الثاني: ما جاء عند ابن أبي شيبة من طريق عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب : أيما رجل تزوج امرأة فوجد بها برصاً، أو وجد بها قرناً، فله الخيار، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.

    وهذا الأثر منقطع، إذ إن الشعبي لم يسمع من علي بن أبي طالب .

    الأثر الثالث: جاء عند ابن أبي شيبة في مسألة العنين عن ابن مسعود رضي الله عنه، وإسناده صحيح: أنه يؤجل سنة، فإن أتاها وإلا فرق بينهما.

    وكذلك روي عن المغيرة بن شعبة و ابن عباس رضي الله عنهم.

    فهؤلاء خمسة من الصحابة: عمر و علي و ابن مسعود و المغيرة و ابن عباس .

    وعلى هذا فإذا تزوج الرجل المرأة: فإن دخل بها فإنها لها المهر بما استحل من فرجها، وإن غر ولم يعلم بالعيب إلا بعد الدخول، فله الرجوع على من غره في هذا الأمر.

    وإن علم قبل الدخول فله أن يفسخ من غير مهر، ومعنى (من غير مهر): أن الأصل أنه يثبت المهر.

    إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول يثبت نصف المهر المسمى، أما إذا دخل بها فإن لها المهر بما استحل من فرجها، وله الرجوع على من غره، هذا الحكم الأول.

    الحكم الثاني: الخيار الثابت بعيوب النكاح ليس على الفور

    الشيخ: الحكم الثاني: أن هذا الخيار ليس هو على الفور مالم يدل عليه رضا صريح أو ضمني.

    والضمني هو: أن يستمتع الرجل بامرأته بعد علمه بالعيب، أو تمكن المرأة من نفسها لزوجها بعد علمها بالعيب، ونقول: شريطة أن تعلم أن لها الخيار، فإن بعض النساء لا تعلم أن لها حق الخيار في ذلك، فتظن أنها ضربة لازب لا ترجع إلى حقها، ولكن الأقرب ما ذكرنا.

    الحكم الثالث: الفسخ بعيوب النكاح يحتاج لحكم حاكم

    الشيخ: الحكم الثالث: أن هذا الحكم لابد أن يكون بحكم حاكم:

    وعليه: فلو أن امرأة وجدت في زوجها عيباً فذهبت إلى أهلها، فإنه لا يسمى طلاقاً، ولهذا ينبغي أن نبين هذا؛ لأن بعض الناس بسبب الجهل يجدون في الزوج عيباً، أو يجد الزوج في المرأة عيباً فيتركها، فتمضي سنون، فتظن المرأة أنه طلقها، فتتزوج فتكون قد تزوجت على زوج! وهذا قد يقع، وليس بأمر مستحيل!

    وعلى هذا فلا يسمى فسخاً إلا بحكم حاكم، إلا أن يطلق الرجل، وهذا الفسخ ثابت -كما قلنا- أنه قول الصحابة، وهو قول الجمهور، خلافاً لمن منع ذلك، بأن أثبت الفسخ للمرأة ولم يثبته للزوج، قال: إن الزوج إذا وجد بالمرأة عيباً فإنه يطلق!

    ولكن الراجح: أن له الفسخ، والفرق بينهما ثابت، بمعنى: أنه لو طلق ثبت المهر، أما إذا قلنا له: الفسخ، فإنه له الرجوع على من غره.

    هذه ثلاثة أحكام.

    1.   

    العيوب المثبتة للخيار في النكاح هل هي محصورة محددة

    الشيخ: ثم إن أهل العلم اختلفوا:

    هل العيوب في النكاح محصورة بالبرص، والجنون والجذام، والقرن، والعنة، كما هو قول.

    أو مع الرتق أيضاً كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم؟

    أم هي كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقاصد النكاح من الرحمة والشفقة والألفة والوئام؟

    قولان عند أهل العلم، والراجح أن العيوب ليست بمحصورة، فكل عيب يجده أحد الزوجين في الآخر عيباً تنفر الطباع السليمة منه، ولا يحصل به مقصود النكاح، فإنه يثبت للمتضرر الفسخ، وهذا هو مذهب أحمد رحمه الله في رواية، وهو اختيار ابن تيمية و ابن القيم و ابن رجب والشيخ عبد الرحمن بن سعدي وغيرهم من أئمة الإسلام وفقهاء الأنام.

    وعلى هذا فالعيب ليس بمحصور، بل إن بعض الفقهاء كالحنابلة أثبتوا أن الرجل الذي به مرض، مثل مرض الوسواس الذي أحياناً يعذب المرأة، بحيث يوسوس: هل طلقها أم لا؟ ثم يعذبها في هذا الأمر، فإن لها الفسخ إذا ثبت ثبوتاً قطعياً.

    وعلى هذا فالعيب ليس بمحصور، فكل عيب ينفر الزوج الآخر منه، وتنفر منه الطباع السليمة، ولا يحصل به مقصود النكاح، فإنه يثبت حق الفسخ.

    وعلى هذا فليس كل عيب يسميه الرجل عيباً يثبت له حق الفسخ، فلو لم يجد المرأة طباخة مثلاً فلا يقول: هذا عيب؛ لأن هذا نقص في كمالها وليس بعيب.

    كما أن الرجل لو وجدته المرأة فيه نوع من البخل، فهو ليس بعيب مطلق، وإن كان هو نقصاً في رجولته؛ لأن الأصل الكرم، وهو من شيم العرب، ومن مكارم الأخلاق التي حث عليها دين الإسلام، فلابد أن يكون هذا العيب تنفر الطباع السليمة منه، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتعايش مع صاحبه إلا بكلفة ومشقة وحرج.

    العيوب المعنوية كإدمان المخدرات وترك الصلاة

    المقدم: دكتور: عبد الله ! هل يلزم أن يكون العيب مادياً أم قد يكون العيب في الخلق، أو مثلاً قد يكون الزوج مدمن مخدرات أو متعاطياً لها؟

    الشيخ: إدمان المخدرات عيب بلا شك، وتنفر الطباع السليمة منه، بل إن عيب المخدرات أشد من عيب البرص؛ لأن الرجل ربما يضرب امرأته ويؤذي أولاده، ويتأذى أهله كلهم به، ولربما امتنع من بعض النفقات؛ لأنه يصرفها إلى شهواته ورغباته، نسأل الله العافية والسلامة، وعلى هذا فالمخدرات عيب بلا شك، لكن ينبغي للمرأة أن تثبت هذا، بل إن ترك الصلاة عيب يفسخ به النكاح؛ لكن ينبغي للمرأة أن تثبت هذا.

    ومن المأساة أن بعض النساء أحياناً إذا لم ترغب بالزوج، ادعت أنه لا يصلي، وهذا لا يسلم لها مطلقاً، أو ادعت أن فيه بعض العيوب الشرعية التي تنفر الطباع منه، مثل: الخمر، وإنه يأتي بزملائه، هذا لابد من ثبوته، وعلى هذا فالمرأة إذا أرادت أن تفسخ، فلابد أن تثبت هذا بوجود شهود يشهدون لها أن الزوج يأتي بمثل هذه.

    من العيوب المثبتة للخيار أن يجد أحد الزوجين الآخر مملوكاً

    المقدم: شيخ عبد الله! أيضاً ذكر المصنف ما إذا وجد أحد الزوجين الآخر مملوكاً؟

    الشيخ: نعم، الآن أنا ذكرت قواعد ثم نشرح، فالمملوك ذكره المؤلف هنا في العيوب، وسوف يأتي إن شاء الله في باب مستقل بعد هذا.

    فالمملوك هو الرقيق الذي ما زال على رقه، وليس الذي عتق، فإذا تزوجت المرأة الرجل على أنه حر، ثم استبان أنه رقيق، فلا شك أن لها الخيار؛ لأن هذا يسمى عند العلماء بالغرور والتغرير والخداع.

    ولو تزوجته على أنه حر فبان عبداً فلها الخيار، ولو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة فله الخيار، ويرجع على من غره بعد مسيسه إياها.

    1.   

    شرح كلام المؤلف في العيوب المثبتة للخيارة

    ثبوت الفسخ في النكاح لكل من الزوجين

    الشيخ: الآن ندخل في هذا الباب ونشرحه على عجل، ولا ندخل في التفاصيل!

    قال المؤلف: (أو وجدها الرجل رتقاء أو وجدته مجبوباً فله فسخ النكاح)، قوله: (فله)، يعني: يعني: فللرجل أو للمرأة، يعني من حصل له هذا العيب من ذكر أو أنثى فللآخر فسخ النكاح إن لم يكن علم ذلك قبل العقد. وهذا من الشروط التي ذكرناها.

    وقوله: (فسخ النكاح) هو أحد الأحكام المترتبة على عيوب النكاح، وهو ثبوت الفسخ والخيار لمن رغب في ذلك.

    يقول المؤلف: (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم)، هذا الحكم الثالث، والعلماء حينما نصوا على أنه لا يجوز إلا بفسخ حاكم، قالوا: لأن هذا العيب مما تختلف فيه أنظار الفقهاء، وهو أمر مجتهد فيه، فافتقر إلى حكم حاكم، كالفسخ بالإعسار في النفقة، وهذا قول قوي.

    حكم ما إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين

    الشيخ: يقول المؤلف: (وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها، فاعترف أنه لم يصبها، أُجل سنة).

    العلماء ذكروا أن الرجل إذا كان لا يأتي أهله، فإنه بعد ترافعها عند القاضي، فإن القاضي يؤجله سنة، والسنة هنا كما ذكر أبو العباس بن تيمية هي السنة الهلالية، وأخذوا بفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه و ابن مسعود ، حيث قالا: يؤجل العنين سنة، فإن أتى أهله وإلا فرق بينهما.

    وقالوا: إن (السنة) هنا لأجل أن تنتابه الفصول الأربعة: الصيف، والشتاء، والربيع، والخريف، بحيث ربما يكون فيه بعض الأمراض التي لا يمكن شفاؤها مع الصيف، فتشفى في الربيع، أو بعض الأمراض التي تكون في الربيع لا تشفى إلا في الشتاء، فيدرك الفصول الأربعة.

    وتأجيله لسنة هل هو مسألة اجتهادية، أم حكم شرعي لا يجوز تخطيه؟

    بعضهم قال: حكم شرعي لا يجوز تخطيه، وهو قول الصحابة.

    والقول الآخر: أنه حكم اجتهادي، فإذا ثبت في الطب أن مثل هذا الرجل لا يستطيع أن يأتي أهله، فإنه يكفي فيه أن تطلب المرأة الفسخ في الحال، وأرى أن هذا أظهر وأقوى، وأن فتوى الصحابة إنما هي مسألة اجتهاد مراعاة لواقعهم ومجتمعهم وزمانهم، فليست هي حكماً شرعياً لا يجوز التخلي عنه أو الخلف فيه.

    ولكن الراجح -كما قلت- أنه مسألة اجتهاد، وعلى هذا فإذا طلبت المرأة الفسخ، فإن القاضي يذهب بهذا الرجل إلى الطب، فإن أثبت الطب أنه فيه هذا المرض، وإلا فإن المرأة على نكاحها ولا يجوز فسخه.

    فإن اختارت؟ يقول المؤلف: (فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه، فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما، إلا أن تكون قد علمت عنته قبل نكاحها)، أي: إذا أراد أن يتزوجها فقال: إن فيَّ هذا المرض، فقبلت، فقال العلماء: إن كل من رضي بعيب صاحبه فليس له المطالبة بعد ذلك، كالمبيع المعيب إذا رضيه أحد المتعاقدين فليس له الرد بعد ذلك أو المطالبة بقيمة العيب.

    قال: (أو قالت: رضيت به عنيناً في وقت) ثم بعد العقد طالبت بالفسخ، فقال المؤلف: ليس لها ذلك.

    وينبغي أن نفرق بين المرأة البكر والمرأة الثيب، فالمرأة البكر لو قالت: قبلته عنيناً لا يقبل قولها، أما المرأة الثيب فإن لها ذلك؛ لأنها تدرك مالم تدركه البكر.

    ادعاء الزوج علم الزوجة بعنته أو رضاها بذلك

    الشيخ: يقول المؤلف: (وإن قال: قد علمت عنتي، أو رضيت بي بعد علمها، فأنكرته فالقول قولها).

    هذه المسائل في زمانهم، أما اليوم فيستطيع أن يذهب لأهل الخبرة الأطباء، فيأتي بإثبات طبيبين أنه سليم، وينبغي للقاضي أن يجعل اختيار المستشفى مثلاً إما من طريقه أو من طريق الزوجة، ولا يكون من طريق الزوج؛ لأنه ربما يحصل فيه تحايل وتلاعب.

    وهذه المسألة: (وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء.. إلخ)، هذا كله في وقتهم وزمانهم، وأما اليوم فإنه لا يلزم بأن تكشف المرأة عورتها أمام النساء، بل يكفي في ذلك إثبات الطب، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    الشيخ: لعلنا نستمع لمداخلات الإخوة.

    العيوب النفسية كالسحر وأثرها في إثبات حق الفسخ للنكاح

    المقدم: هناك أسئلة من الإخوة الحضور، وأسئلة الموقع أيضاً كثيرة!

    يا شيخ عبد الله : قضية العيوب النفسية إن صحت العبارة، يعني بعض النساء أو بعض الزوجات، لا يستطيع الزواج أن يأتيها، وقد يكون عند الزوجة نفرة من الزوج لا تعلم سببها، فهل هذا يعتبر عيباً في المرأة وللرجل أن يفسخ النكاح؟

    الشيخ: أحسنت، هذا السؤال يعني باختصار: الرجل إذا سحر، أو المرأة المسحورة بحيث لا يستطيع الرجل أن يأتي أهله، أو أن المرأة لا تستطيع أن تمكن زوجها من نفسها، هل يكون عيباً؟

    الأقرب التفريق: فإن كان هذا العيب ثابتاً قبل العقد، فإن للزوج الفسخ، وإن كان العيب ليس ثابتاً، إنما وجد حال إبرام العقد، أو حال الدخول، فلا يسوغ فيه الفسخ، والله أعلم.

    وهذا يحصل أحياناً؛ بعض النساء بمجرد الخلوة مع الزوج تصاب بحساسية ومرض ربما ينفر الزوج منه، فلا يقال: له الفسخ؛ لأنه لم يكن هذا العيب بقديم، ولكنه حادث، والله أعلم.

    المقدم: ويمكث معها والحال هذا يا شيخ؟

    الشيخ: هو إن أرادها وإلا طلقها.

    هل العقم في أحد الزوجين يثبت الخيار للآخر

    الشيخ: وهل العقم عيب؟

    بعض العلماء قالوا: إن العقم ليس بعيب، فلو تزوجت المرأة الرجل فوجدته عقيماً، قالوا: فإنه ليس بعيب.

    والأقرب والله أعلم أن من أعظم مقاصد النكاح هو الولد، فهو عيب، وهو مذهب الحنابلة في رواية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية وقواه ابن رجب و المرداوي وغيرهم.

    أما الرجل لو وجد امرأته عقيماً، فهل له الفسخ؟

    الأقرب والله أعلم أنه ليس له الفسخ؛ لأنه يجوز له أن يطلقها أو يتزوج الثانية، أما المرأة فلها الفسخ إذا ثبت طبياً بشهادة ثلاثة أو اثنين، والأحوط ثلاثة من ذوي الحجا من أهل الطب أن يقولوا: فلان عقم.

    الغيرة المفرطة من أحد الزوجين وأثرها في إثبات حق الفسخ

    المقدم: أحسن الله إليكم، من الأسئلة الواردة، سؤال من المغرب، الأخت: خديجة تقول: أحسن الله إليكم يا فضيلة الشيخ! هل الغيرة المفرطة -سواء من الزوج أو الزوجة- من العيوب التي يفسخ بها النكاح؟

    الشيخ: قلنا: لابد أن تكون هذه العيوب عيوباً خلقية من نقص في البدن أو في العقل، ومن المعلوم أن المخدرات والجنون والجذام والعقم كله نقص خلقي، أما ما ذكرته الأخت فهذا في الأخلاق، وقد أمر عمر بن الخطاب ابنه عبد الله بن عمر أن يطلق امرأته حينما كانت ليست بذات خلق، والله أعلم.

    رائحة الفم الكريهة وأثرها في إثبات الخيار في النكاح

    المقدم: أحسن الله إليكم، محمد العويني من الجزائر يقول: هل رائحة الفم الكريهة لدى المرأة أو الرجل تعتبر عيباً يفسخ به النكاح؟

    الشيخ: ينبغي أن نعرف أن ثمة عيوباً كانت في القديم لا يمكن علاجها، أما في الوقت الحاضر فيمكن علاجه، فالبخر وهو رائحة الفم، أو الرائحة التي تخرج من الجسد، فإنها بلا شك تنفر الطباع السليمة، ولكننا نقول:

    إنه يمكن إزالتها في الواقع المعاصر، أو تخفيفها بحيث لا تكون عيباً كاملاً.

    وعلى هذا فأرى والله أعلم أنه يمكن علاج البخر، وهو عيب، ولكن يمكن علاجه، وعلى هذا فليس فيه الفسخ في هذا الزمان، والله أعلم.

    حكم اشتراط الزوج على زوجته ألا يدخل بيته أحد من أقاربها

    المقدم: نعم، هناك أسئلة يا شيخ! ولو في الدروس الماضية!

    الشيخ: تفضل.

    المقدم: في قضية الاشتراط، أم عبد الرحمن من مصر تقول: هل للزوج أن يشترط على زوجته أن لا يدخل بيته أحد من أهلها صغيراً كان أو كبيراً، أماً كانت أو أختاً، بسبب أنهم كثر، ولا يستطيع أن يجاملهم، ويفتعل مشاكل حتى لا يدخلوا بيته؟

    الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين في حق المرأة: ( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تدخل بيته إلا بإذنه )، فهذا يدل على أن دخول منزل الزوج لا يسوغ للمرأة أن تدخل من شاءت إلا بإذن الزوج.

    وينبغي للزوج أن لا يتشدق ولا يتشدد، وأن تكون معاملته مع أهله معاملة محمد صلى الله عليه وسلم من حسن العشرة والألفة بالمعروف، وقد قال صلى الله عليه وسلم حينما جاءه نساء يشكين أزواجهن: ( ما هم بخياركم، ما هم بخياركم، ما هم بخياركم )!

    فمن أراد أن يعرف خيريته وفضله وكرمه ونبله وشيمه في الإسلام وفي الدين، فلينظر تعامله مع أهله وزوجه، فإن كان شديد الطباع لا يصبر ولا يتحمل، فليعلم أنه ليس بخيار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    حكم عيب النكاح إذا حدث بعد العقد والزواج

    مداخلة: إذا كان الزوج أو الزوجة ليس فيه عيب، وبعد فترة قصيرة حدث فيه عيب، فهل يجب الفسخ أم لا؟

    الشيخ: بعض أهل العلم قال: هل العيب لابد أن يكون قبل العقد أو بعد حصوله؟

    نقول: اختلف العلماء في ذلك، والأقرب أنه إذا كان هذا العيب مما يدوم فيها الفسخ وإن حدث بعد العقد، مثل أن يبتلى بعد العقد بالمخدرات، أو يصاب بالعنة، أو يصير مجبوباً، أو يصاب بحادث شلل رباعي، ولا يستطيع أن يأتي أهله، فهو عيب.

    وعلى هذا فالعيب الراجح فيه أنه يثبت الخيار سواء كان قبل العقد، أو حدث بعد العقد، ولكن الفرق بين ما قبل العقد وبعده إنما هو في مسألة المهر، والله أعلم.

    فإن وجد العيب بعد العقد فإنه لا يرجع فيه على من غره؛ لأنه ليس ثمة تغرير، أما إن كان العيب قبل العقد، ثم لم يعلم به إلا بعد الدخول، فله الرجوع على من غره، والله أعلم.

    استشكال عن الزواج بغير مهر وما ورد في ذلك

    المقدم: أحسن الله إليكم، الأخ: أبو مصعب من المغرب يقول: ذكرتم يا شيخ في الدرس الماضي والذي قبله أنه لا يسوغ النكاح بدون مهر، ولا يجوز للمرأة أن تهب المهر لزوجها قبل أن تقبضه.

    ولديه حول هذه النقطة أمران: الأول: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المرأة بما معه من القرآن، ألا يدخل في هذا الباب، وأنه تزوجها بدون مهر؟

    وكذلك: قصة أم سلمة مع أبي سلمة وتنازلها عن المهر مقابل إسلامه، هل يدخل في هذا الباب، فما تفسيركم لهذا؟ وجزاكم الله خيراً.

    الشيخ: جزاه الله خيراً، أولاً: أجمع أهل العلم على أن المهر من شروط النكاح، وكل عقد اشترط فيه عدم المهر فإنه عقد باطل، وليس هذا إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قلنا في الآية: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50].

    أما ما جاء في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوتحفظ سورة كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن )، فهذه معاوضة؛ لأن سوف يعلمها، والتعليم يترتب عليه أجرة، وهذه الأجرة هي المهر.

    و أم سلمة حينما طلبت من زوجها أن يسلم، ويهاجر إليها، وجعلت ذلك مهرها، فهذا محتمل لأمور:

    الأمر الأول: أن هذا في أول الإسلام.

    الأمر الثاني: أنه جائز أن يكون فهمت ذلك، فأعطاها المهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أعطاها الزوج ذلك، أو أن يقال: إن انتقاله يكلفه مالاً، فكأنها بذلته بذلك، والعلم عند الله.

    والقاعدة الشرعية لطالب العلم في هذا الأمر: (أنه إذا كان ثمة دليل صحيح صريح، وثمة أمور مشتبهات، فينبغي أن نحمل المشتبه ليوافق المحكم، فإن أمكن وإلا قلنا: قضية عين، وقضايا الأعيان لا مفهوم لها أو لا قياس عليها).

    استخدام الحبوب النفسية وهل يجب بيان ذلك قبل العقد

    المقدم: أحسن الله إليكم، معنا اتصال هاتفي، الأخت: أم عبد الله من الدمام، تفضلي!

    مداخلة: شيخ! جزاك الله خيراً، عندي سؤالان:

    السؤال الأول: إذا كان الزوج مثلاً يستخدم حبوباً نفسية، هل هذا من العيوب في النكاح؟ خصوصاً أنه مثلاً أمر لا يتضح، طالما أنه يستخدم هذه الحبوب النفسية، لا يظهر عليه أي شيء، يعني لو تركها قد يتأثر نفسياً، فهل هذا لابد من بيانه قبل الزوج؟

    السؤال الثاني: إذا كانت المرأة تستخدم حبوباً، أو أنها في يوم من الأيام كانت قد أصيبت بمرض نفسي، ثم شفاها الله سبحانه منه، فهل هذا لابد من بيانه؛ لأنه قد ينفر الرجل من أن يتزوج امرأة بهذه الصفة؟

    وأخيراً: ما معنى (رتقاء)؟ وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم.

    المقدم: شكراً للأخت: أم عبد الله على سؤالها عن قضية الأمور النفسية وتعاطي الحبوب؟

    الشيخ: قلت: إن العيوب التي يمكن علاجها أو تقليلها، بحيث يكون الرجل بعد العلاج كغيره من الناس إلا أن خلقه ليس بكامل، ليس بعيب.

    وأما هل عليه أن يذكر ذلك قبل العقد؟ فالأولى أن يذكر هذا لكن لا يلزم.

    ثم إننا نقول: إنه أحياناً يكون الإنسان فيه بعض الأمراض النفسية التي تتطلب قراءة من راق وغيره، أو فيه وحشة، أو فيه انفصام، فمثل هذه الأشياء لا يكون أكله للحبوب دليلاً على أنه مريض نفسي، لكن هذه الحبوب تخفف من حدة ما يشعر به، وليست دليلاً على أنه مريض نفسي.

    المقصود بوجوب ذكر المهر في عقد النكاح

    المقدم: جيد، نأخذ اتصالاً هاتفياً ثم نعود، معنا اتصال هاتفي من الأخ: عبد العزيز من مكة، تفضل أخ عبد العزيز !

    مداخلة: السؤال: لكن بالنسبة لعقد النكاح، أثناء العقد وشروط الزوج وأبي الزوجة، حيث لم يحدد المهر مثلاً بالمبلغ المعين، لكن الزوج دفع مهراً بالسر بدون كتابته في العقد، فلا أدري هل يجوز، والشيخ ذكر أنه لا يجوز إلا بتوضيح المهر؟

    المقدم: تقول: هناك مهر لكن لم يكتب في العقد؟

    مداخلة: لم يكتب في العقد ولم يوضح في العقد مقداره.

    المقدم: شكراً للأخ عبد العزيز من مكة!

    الشيخ: شيخ عبد العزيز أنا قلت: إنه لابد من ذكر المهر، ولابد من وجود مهر، وذكر المهر المقصود به وجود المهر، أما الممارسة التي تجري الآن: حيث يذهب الولي مع الزوج فيقول مأذون الأنكحة: ما هو مقدار المهر؟ فيريدان تخبئة هذا المبلغ، فأحياناً يكون ستين ألفاً أو مائة ألف، فيقولون: ثلاثون ألفاً، وأرى أن هذا وإن كان جائزاً، لكنه لا ينبغي لأمور:

    لأنه أحياناً لا يتوافق الزوج مع زوجته، فإذا نشزت المرأة وذهبت إلى أهلها وحدث خلاف قوي، فيطلب الرجل الخلع أو تطلب المرأة الخلع، فيقول: أنا دفعت ستين ألفاً، فتقول: ما دفعت إلا ثلاثين ألفاً، بناءً على عقد مأذون أنكحة.

    وأرى أنه لابد من الصراحة والبيان، ومأذون الأنكحة إنما هو مثبت وموثق لذلك، ولا ينبغي تجاهل هذا الأمر.

    هذا الذي أردته، وليس المقصود بالذكر هو القول، إنما الذكر الوجود الثابت في العقد.

    المقدم: والأفضل تسميته؟!

    الشيخ: والأفضل تسمية المهر في العقد، فإن كان مائة أو مليوناً يكتب، كما قال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً [النساء:20]، فهذا يدل على أن الرجل إذا أعطى امرأته فله ذلك، لكن لابد من بيانه؛ لأنه ربما يحصل خلاف، فتريد المرأة أن تخالع زوجها، فتدعي أنه ليس لها إلا الذي كتب في العقد، ثم تأتي إشكالات كبيرة.

    أما أن لهم أن يخبئوه، فالعقد صحيح، لكن نقول: لا ينبغي ذلك؛ لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد.

    من عقد على فتاة ثم زفت إليه غيرها.. رؤية شرعية

    المقدم: أحسن الله إليكم، معنا اتصال هاتفي أيضاً، معنا الأخ معاوية من الطائف، تفضل يا أخي.

    مداخلة: إذا تقدم الشاب للفتاة وعقد عليها، وعند الدخول وجد غير الفتاة التي رآها وعقد عليها، فهل له أن يطلب تعزير من غرر به؟ ولو رضي بها وسكت، فهل يعتبر زنا والعياذ بالله؟

    الشيخ: أولاً: لا يجوز أن يغرر الزوج بالزوجة التي قد رآها قبل العقد، فإن كان قد رأى امرأة وقيل له إنها مثلاً: مريم، فأبرم العقد على مريم غيرها، فهل يصح العقد أم لا؟

    فذهب بعض أهل العلم إلى أن العقد غير صحيح؛ لأن من شروط عقد النكاح تعيين الزوجين، وهنا لم يعين للزوج المرأة نفسها، ولهذا قلنا: لابد من التعيين.

    وأرى أنه إذا ثبت هذا فإن الرجل لا يستمتع بالمرأة، بل يفارقها، أو يصحح العقد بعد ذلك، فإن أتاها ورضيها فأقول: احتياطاً وخروجاً من الخلاف، والأبضاع محفوظة محترمة، أن يصحح العقد مرة ثانية.

    حكم أن تعطي المرأة المال للرجل ليرده إليها كصداق

    المقدم: أحسن الله إليكم، الشق الثاني من سؤال الأخ: أبو مصعب من المغرب يقول:

    أود معرفة هل يجوز أن تعطي المرأة المال للرجل الذي يريد أن يتزوج بها من أجل أن يكون هو صداقها؟ هي تعطيه المال ثم وهو يعطيه إياها؟

    الشيخ: أحياناً في بعض البلاد يكون دافع المهر هو الزوجة، وهذا لا يصح في شرعنا، فلابد للزوج أن يعطيها المهر، أما مسألة التكاليف التي تترتب على عقد النكاح، مثل البيت أو الشقة أو الأثاث وغير ذلك، فهذا إن دفعته الزوجة أو وليها فلا حرج.

    أما قول السائل: إن المرأة تعطيه مالاً لكي يبرم عقداً عليها، فنقول: إن ملك هذا المال قبل إبرام العقد، فإنه ملك صحيح، فلا حرج أن يعقد عليها بالمهر الذي أعطته إياه.

    الضرب المبرح والغضب الشديد وهل هي من عيوب الزوج

    المقدم: سؤال أخير من أبي مصعب: هل يعد الضرب المبرح والغضب الكثير من العيوب عند الزوج؟

    الشيخ: لاشك أنه إذا ثبت أن الرجل يضرب امرأته فهو عيب؛ لأن الله يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وأعظم المعروف هو حسن العشرة، وعدم الضرب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما هم بخياركم ).

    وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين حينما جاء أبو جهم ليخطب فاطمة بنت قيس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه ).

    وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: المقصود أنه كثير الأسفار فلا يبقى مع أهله.

    وقال بعضهم: إنه كناية عن الضرب، وأنه يضرب أهله، وكلا الأمرين لا تحبذه النساء!

    وعلى هذا فإذا كان الرجل يضرب امرأته، أو كان هذا أمراً ثابتاً مستمراً، فللمرأة طلب الفسخ؛ شريطة أن تثبت ذلك أمام القاضي.

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا قبل أن نختم هذا الدرس معكم تذكرون سؤال هذه الحلقة للإخوة.

    الشيخ: السؤال: ما الأحكام الفقهية المترتبة على وجود العيب في النكاح؟ والله أعلم.

    المقدم: أحسن الله إليكم وبارك فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

    إخوتنا الكرام! إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذا الدرس، ضمن دروس الأكاديمية في شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله.

    كان معنا من خلاله صاحب الفضيلة الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، شكراً له!

    نحن وإياكم على موعد بإذن الله تعالى الأسبوع القادم، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767959286