إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب النكاح [18]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مقتضيات عقد النكاح: تمكين المرأة الزوج من الاستمتاع بها، وأعظم أمور الاستمتاع الجماع، وله آداب بينتها السنة النبوية. وعندما يشوب العلاقة الزوجية خلاف وشقاق، بحيث تمنع الزوجة من أداء بعض الحقوق الواجبة عليها، فهذا ما يسمى بالنشوز، وقد شرع الله للزوج علاجاً تدريجياً يعيد المياه إلى مجاريها، فإن تفاقم الأمر بعثوا حكمين من أهالي الزوجين ليفصلا في الأمر بما يقتضي مصلحة الزوجين.

    1.   

    إجابات أسئلة البرنامج والتعليق عليها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها المشاهدون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية, حيث يشرح فيه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي , فباسمكم جمعياً نرحب بضيفنا الشيخ عبد الله , فأهلاً ومرحباً بكم!

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    الشيخ: ترحيبنا موصول بكم وبالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك, ونسعد كثيراً بتواصلكم مع هذا الدرس من خلال اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم, وكذلك عبر تواصلكم المبارك عبر موقع الأكاديمية من خلال إرسال الأسئلة, أو الإجابات التي يطرحها الشيخ في أسئلته في ختام كل درس, كما هي عادة البرنامج.

    يا شيخ! نستأذنكم بأن نستعرض كالعادة بداية كل حلقة وكل درس الإجابات عن السؤال الماضي.

    الشيخ: تفضل!

    المقدم: كان السؤال الذي طرحتموه -أحسن الله إليكم- عن حكم البداءة في القسم لبعض الأزواج دون بعض, أو السفر بها بدون قرعة، مع الدليل؟

    كانت هناك إجابات متنوعة وردت للبرنامج, أولى هذه الإجابات التي وردت إجابة الأخت خديجة من المغرب، تقول في إجابتها:

    أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وجزاكم الله الفردوس الأعلى مع الأنبياء والأبرار الصالحين بدون حساب ولا عقاب, وحفظكم الله من شر الأعداء!

    جواب السؤال الأول: ما حكم البداءة في القسم لبعض أزواجه دون بعض, أو السفر بها بدون قرعة مع الدليل؟

    ليس للزوج أن يقدم بعض أزواجه على بعض في بداية القسم إلا برضاهن؛ لأن البداءة بها دون غيرها فيها تفضيل لها, والتسوية بينهن واجبة؛ لقول الله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ [النساء:129], وقال تعالى أيضاً: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

    ولا يسوغ له أيضاً أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة أو برضاهن؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا أراد السفر أقرع بين نسائه, فمن خرج سهمها, خرج بها معه ), أخرجه الإمام البخاري .

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    إجابة الأخت جيدة, لكني أحب أن تكون هناك مصطلحات شرعية؛ لأنه (ليس للزوج) و(لا يسوغ), هذه قد يقال فيها الكراهة، وقد يقال فيها التحريم, وقد يقال فيها الوجوب, وقد يقال فيها ترك الاستحباب؛ ولهذا كان الأولى بالأخت أن تقول: لا يجوز للزوج أن يبدأ بإحدى زوجاته, أو بإحدى نساءه قبل غيرها؛ لأن ذلك فيه تفضيل, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل ), ومن المعلوم أن هذا العقاب دليل على أنه ترك أمر واجباً.

    وعلى هذا فينبغي أن تقول الأخت: (لا يجوز), وإن كان المؤلف قال: ليس له البداءة، لكننا ذكرنا في سؤالنا: ما الحكم؟ ولهذا كان الأولى أن يقال: (لا يجوز), أو (يجب), أو (يحرم)، وغير ذلك مما سبق ذكره, وعلى هذا فالإجابة جيدة, لكني أحب أن تكون الإجابة على أحد الأحكام التكليفية الخمسة.

    المقدم: أحسن الله إليكم! الإجابات التي وردت, نستعرض أسماء أصحابها:

    الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية أيضاً أرسل بإجابة, الأخت جميلة من العراق, مريم من السعودية و خلود من السعودية, عزيزة باخلعة من السعودية, مصعب من المغرب, الأخت أسماء من مصر, و أم ياسر من السعودية, سمر من الأردن, نورة من السعودية, هذه أبرز الإجابات التي وردت.

    الشيخ: جزاهم الله خيراً, لعلنا نبدأ درسنا هذا اليوم.

    1.   

    آداب الجماع

    المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ فصل في آداب الجماع:

    ويستحب التستر عند الجماع, وأن يقول ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ).

    الشيخ: اقرأ الفصل الذي بعده.

    المقدم: [ فصل في النشوز:

    وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً, فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها, كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها, فإن أظهرت نشوزاً هجرها في المضجع, فإن لم يردعها ذلك فله أن يضربها ضرباً غير مبرح.

    وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها, مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان, فما فعلا من ذلك لزمهما ].

    عظمة هذا الدين في بيان كل ما يحتاج إليه من الأحكام

    الشيخ: أحسنت!

    بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    بداية أيها الإخوة! نحمد الله سبحانه وتعالى أن هدانا إلى الإسلام، وأن أعاننا على الالتزام بالدين, وكلما كان المسلم ملتزماً بدين الله سبحانه وتعالى، عالماً أحكام دينه وسنن وشرائعه, كان لله أعرف, وكان لدينه أثبت وأحكم.

    هذا الدين العظيم بين للناس كل شيء حتى إتيان الرجل أهله, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كمال هذا الدين, وسعته وإدراكه, ومن العجب أن تجد من يتحدث بأن الإسلام لا دخل له بالسياسة, أو أن الإسلام لا دخل له بالاقتصاد, أو أن الإسلام لا دخل له بالعلاقات الاجتماعية, أو أن الإسلام لا دخل له بين الإنسان وبين حياته وحريته.

    وإذا كان الإسلام قد بين وذكر أحكاماً تتعلق بما بين الرجل وبين أهله, فإن هذا الدين جدير بأن لا يترك الناس غوغاء لا سراة لهم, ولا حكم لهم, ولا دين لهم, ولا اجتماع ولا اقتصاد, فكل ذلك قد بينه صلى الله عليه وسلم.

    ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يطير في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علماً ) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام!

    وقد قال اليهودي كما في صحيح مسلم : ( قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان الفارسي : أجل ). انظر إلى قوة التمسك! لم يرها نوعاً من الازدراء فاستحيا, أو أثر عليه ضغط المجتمع أو ضغط الواقع كما يقال! ولكنه قال: ( أجل! قد علمنا كل شيء, حتى الخراءة, وأمرنا ألا نستنجي برجيع أو عظم, وألا نستنجي باليمين ).

    وهذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يفتخر بما حباه الله سبحانه وتعالى من العلم, وأن يفتخر بدين الله سبحانه وتعالى وهدايته وتوفيقه, هذا الدين الكامل قد بين لنا ما هي الآداب الذي ينبغي للإنسان أن يصنعها إذا أراد أن يأتي أهله.

    من آداب الجماع التستر عند الجماع

    الشيخ: قال المؤلف: (فصل في آداب الجماع), يعني هذا فصل في الآداب التي ينبغي للزوج والزوجة أن يأتياها, وقد ذكرنا قول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

    قال المؤلف: (يستحب التستر عند الجماع), فالتستر عند الجماع جاء عند ابن ماجه والإمام أحمد بسند ضعيف, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر, ولا ينكشف انكشاف العير ), وهذا الحديث ضعيف.

    وفي حديث أبي سعيد وإن كان في سنده ضعف: ( إن الله ليمقت الرجل كاشف عورته, فإن الله يمقت من ذلك ), وهذا الحديث أيضاً ضعفه النسائي وغيره.

    وأصح شيء في الباب هو قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث معاوية بن قرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أحق أن يستحيا منه, فاحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ), ومعنى زوجتك أو ما ملكت يمينك، بأن يأتي الإنسان أهله, وبطبيعة الحال سوف يرون عورته, ولكن لا ينكشف انكشاف العير؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحق أن يستحيا منه، هذا هو الدليل على استحباب التستر.

    من آداب الجماع التنظف والتطيب

    الشيخ: ومن الآداب أيضاً: استحباب أن يأتي الرجل إلى أهله متنظفاً متطيباً, وأن تأتي المرأة إلى زوجها متنظفة متطيبة, ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

    وقد قال ابن عباس كما عند البيهقي بإسناد صحيح: إني لأحب أن أتجمل لأهلي كما أحب أن يتجمل لي أهلي.

    وهذا دليل على أنه كان يتطيب, ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العصر اقترب من نساءه, غير أنه لا يأتيهن, قالت: وكانت يشتد أن توجد منه الريح ), فهذا دليل على أنه عليه الصلاة والسلام طيب كله كلامه وعرقه وجسده, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    من آداب الجماع الدعاء قبل الجماع

    الشيخ: وهناك مستحبات أخرى، ومنها:

    إذا أراد الإنسان أن يأتي أهله أن يقول ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : (لو أن أحدكم), في بعض الروايات: (لو أن أحدهم), وهذا أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم, أراد ألا يخدش حياءهم, وكان عليه الصلاة والسلام حيياً بأبي هو وأمي، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها ).

    ولهذا قال: كما في رواية مسلم : ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان, وجنب الشيطان ما زرقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ).

    وقوله: (لم يضره الشيطان أبداً), اختلف العلماء فيها: فقال بعضهم: لم يضره الشيطان حين خروجه؛ لأنه جاء في الصحيح: ( أن الشيطان ينخز ابن آدم إذا خرج من بطن أمه, إلا عيسى عليه السلام )، وهذا يدل عليه أنه قال: (لم يضره), ولم يقل: لم يصبه, وفرق بين الأمرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين عدم الضرر, ولم يبين عدم الإصابة, وقد يصاب ولكن ذلك لا يضره.

    واختلف أهل العلم هل يقول هذا القول الرجل فقط، أم يقوله الرجل والمرأة؟ لم يرد فيه شيء ثابت, إلا أن القاعدة: أن النساء شقائق الرجال, فلو أن المرأة قالت ذلك, وهو حسن, فهو نور على نور, هذا والله أعلم.

    وقال بعض أهل العلم: إن الحديث مخاطب به الرجل, ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله )؛ ولأنه هو الفاعل, فقال ذلك من باب أنه هو الذي يريد هذا الأمر.

    ونقول: لا حرج أن تقول المرأة هذا؛ لأن هذا فيه تحصيل مقصود الشارع, وهو قوله: ( فإنه إن يقض بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً ), وهذا لعله يكون أقرب, أعني أن يقوله الرجل والمرأة.

    المقدم: الحكم فيما لو نسي ثم تذكر فيما بعد؟

    الشيخ: لو انتهى من إتيانه أهله, فقد قال بعض أهل العلم: إن هذه سنة فات محلها, وعلى قول من قال: إنه تقضى السنن, فلا حرج أن يقولها, لكن السنة ثابتة أنه قبل أن يأتي أهله, أو وهو يأتيهم.

    من آداب الجماع ألا يكثر الكلام عند الجماع

    الشيخ: من السنن أيضاً: ألا يكثر الكلام؛ جاء في بعض الروايات كما رواه الأثرم وأبو عمرو بن حفص : (إذا أتى أحدكم أهله فلا يكثر من الكلام, فإن منه الفأفأة), وهذا الحديث ضعيف, لكن أهل العلم منعوا من كثرة الكلام؛ لأن الإنسان ربما يقول كلاماً لا يعيه, فالأولى ألا يكثر الإنسان الكلام.

    انتهينا من هذا الباب, فندخل في فصل النشوز.

    1.   

    أحكام النشوز

    تعريف النشوز لغة واصطلاحاً

    الشيخ: النشوز: من النشز، والنشز في اللغة: هو كل شيء ارتفع وعلا, فكأن المرأة ارتفعت وتعالت عن الحقوق الواجبة التي فرض عليها إتيانها.

    والنشوز في الاصطلاح: هو كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه؛ لسوء عشرته أو عدم ملاءمة فيما بينهما.

    وهذا التعريف ينطبق عليهما جميعاً.

    وأما إذا نظرنا إلى نشوز المرأة فنقول: هو معصيتها إياه, وعدم إتيانها ما وجب عليها, هذا تعريف نشوز المرأة, والأول تعريف لهما جميعاً.

    التعريف الثالث وهو تعريف من حيث ما يتعلق بالرجل: وهو كراهية الرجل أهله, والخوف من عدم إعطائها حقها, فيبين لها ذلك فيقول: لا أريد أن أظلمك, فإن شئت أن أطلقك, أو شئت أن أسقط حقوقك, أو تكون المرأة تخاف من زوجها ذلك, فإنها تقول: أبقني على عصمة الزوجية, وحق النفقة أو حق الكسوة أو حق البيتوتة قد أسقطته لأجل هذا, كما سوف يأتي بيانه.

    معنى خوف المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً

    الشيخ: المؤلف هنا بدأ بنشوز الزوج قال: (وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً), أي: كما قال الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

    ومعنى (أن يصلحا بينهما صلحاً): أن يتصالحا في إبقاء الزوجية وإسقاط بعض حقوق المرأة التي وجبت لها في أصل العقد, هذا هو معنى الآية.

    ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين أن سودة بنت زمعة حينما كبرت وخشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ( يا رسول الله! يومي لـعائشة, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم يوم عائشة لـعائشة , ويوم سودة لـعائشة )،كما مر معنا ذلك, والحديث متفق عليه, وهذا معنى نشوز الرجل عن المرأة, وهو خوف المرأة من تسريحها من قبل زوجها, وعدم وفائه بحقها, فإن المرأة تبادره بذلك.

    وقوله تعالى: أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128], أحياناً الرجل يعرض عن المرأة.

    وهنا بالمناسبة ينبغي أن نبين ما هذا الإعراض, والإعراض هو عدم الارتياح, فلا يسوغ للزوج أن يبقي امرأته معه ولا يعفها؛ لأن بعض الرجال يبقي المرأة معه ولا يبين لها ذلك, فيقول: أنا مصروف أو غير ذلك, فلا يجوز له ذلك, بل ينبغي له أن يبين لها؛ لأن لها حقاً في البيتوتة وفي المعاشرة, فلابد له أن يعف المرأة, فإن لم يستطع فلا يسوغ له أن يبقيها خوفاً على أولاده كما يفعله بعض الناس, بل أن يعطيها حقها؛ لأن حقها في العقد أولى من حقه في تربية أبنائه, وإن كان ينبغي له أن ينظر المصلحة في ذلك, وأن يقاوم نفسه, وألا يتذرع بتذرعات العوام كما يقولون: أنا مصروف, أو مسحور, أو معيون, وهذا كله من هوى النفس في الغالب.

    إسقاط المرأة بعض حقوقها المتبقي مع الزوج

    المقدم: لكن إذا أسقطت حقها؟

    الشيخ: إذا أسقطت حقها فنعم, أما أنها تطالبه بذلك ويقول: لا, أنا مصروف فينبغي له أن يبحث عن العلاج الشرعي المعروف من الرقية أو الطب أو غير ذلك, أما أن يبقى ويقول: أنا مصروف بهذه الطريقة, فلا يسوغ له ذلك؛ لأن للمرأة حقاً, والله أعلم.

    الشيخ: يقول المؤلف: (فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها), حقوق المرأة أربعة: النفقة والبيتوتة والكسوة والسكنى, هذا حق المرأة الواجب.

    الحق الباقي هو الحق الذي في حكم الاستحباب، وهو قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19], بأن لا يستثقل هذا الأمر.

    والعجب أنك تجد بعض الناس يستثقل معاشرته أهله, بمعنى ملاطفته لأهله, وهذا لا ينبغي له ذلك, ينبغي أن يقاوم نفسه, وأن يعدل؛ خاصة إذا كان له زوجتان.

    يقول المؤلف: (بإسقاط بعض حقوقها), فتسقط النفقة, أو تسقط الكسوة, أو تسقط البيتوتة, أو تسقط السكنى, لكن هذا الإسقاط هو نوع من الصلح بينهما, فلو أسقطت المرأة حق السكنى مثلاً, أو حق البيتوتة, ورفض الزوج, فنقول له: إذاً لابد أن تعطيها حقها أو تطلق, فإن رفض فلابد أن يكون هناك صلح رضا بينهما, أما إن تقول: أنا مسامحة, فهذا حقها أسقطته, لكن هذا الحق الذي أسقطته لها أن ترجع إليه.

    حكم رجوع المرأة عما أسقطته من حقوقها

    الشيخ: وعلى هذا فنقول: يجوز للمرأة بعد إبرام العقد أن تسقط بعض حقوقها, ويكون هذا نوعاً من الإبراء, ودليله ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة في قصة سودة , حينما أسقطت البيتوتة وجعلتها لـعائشة .

    ولها أيضاً أن ترجع عن هذا وتطالب زوجها بأن يعدل في البيتوتة, أو يعدل في القسم, أو يعدل في الكسوة ونحو ذلك, ورجوعها هذا دليله, أي: لأن هذا هبة, والهبة تلزم بالقبض, وعلى هذا فما مضى قد قبض, وما لم يحصل -يعني مستقبلاً-لم يتم قبضه, فللإنسان الرجوع؛ لأن القاعدة أن الهبة تلزم بالقبض, والأيام الماضية لا يسوغ لها أن تطالب زوجها بأن يعطيها حقوقها التي فاتت؛ لأنها هبة قد قبضت.

    وأما ما كان في الأمر المستقبل فنقول: هبة لم تقبض, يجوز للإنسان أن يرجع إليه, مثلما لو قلت: يا أبا عبد الرحمن ! سوف أعطيك ألف ريال, فهل يلزمني؟ لا يلزم, هذا مذهب جماهير أهل العلم, خلافاً لـمالك ؛ لأن مالكاً يقول: تلزم إذا قال أبو عبد الرحمن : نعم, فيكون إيجاباً وقبولاً, لكن الجمهور قالوا: لا تلزم؛ لأنها لا تلزم إلا بالقبض.

    واستدلوا على ذلك بما رواه ابن أبي شيبة أن أبا بكر رضي الله عنه قد أعطى عائشة شيئاً من الجذاذ من التمر في مزرعة, ولم تقبضه عائشة حتى كان أبو بكر في مرضه الذي مات فيه, فقال: يا بنية! إني كنت قد نحلتك شيئاً من ذلك, وأما اليوم فإنما أنتم فيه شركاء, وهذا يدل على أن الهبة إذا لم تقبض يجوز الرجوع فيها.

    عرفنا الآن أن العود أو الرجعة عن ما ثبت إسقاطه يجوز؛ لأنها هبة لم تقبض, كما مر معنا, والخلاف في الهبة مرت.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: عفواً يا شيخ! توجد أسئلة أخرى؟

    معنا اتصال هاتفي, ونعود لكم مرة أخرى.

    الشيخ: تفضل!

    المقدم: معنا اتصال هاتفي من الأخ أبي ريان، من بريدة، تفضل!

    التسمية قبل الجماع ومعنى (لم يضره الشيطان)

    مداخلة: المعذرة أنا ما تابعت الحلقة من البداية, لكن عندي سؤال وأخشى أن يكون قد أجبتم عليه, لكن السؤال الأول: بالنسبة للتسمية قبل الجماع, أولاً: المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يضره الشيطان أبداً ), هل المقصود الشرك أم شيء آخر؟

    ثم بعض الناس يستشكل إذا كان المقصود من التسمية حفظ الولد من الشيطان, كيف يسمي إذا كانت امرأته حاملاً؟ أرجو الجواب على هذا الإشكال.

    المسألة الثانية جزاكم الله خيراً! بالنسبة للكلام أثناء الجماع، عندنا الإمام القنوجي في الروضة الندية أتمنى أن أسمع رأي الشيخ فيها, بالنسبة للكلام على الجماع, يقول القنوجي رحمه الله تعالى: وأما الكلام حال الجماع فقد استدل بعض أهل العلم على كراهة الكلام حال الجماع, بالقياس على كراهته حال قضاء الحاجة, فإن كان ذلك بجامع الاستخباث فباطل, فإن حالة الجماع حالة مستلذة لا حالة مستخبثة, وفي الكلام حاله نوع من إحسان العشرة, بل فيه لذة ظاهرة كما قال بعض الشعراء:

    ويعجبني منك حال الجماع لين الكلام وضعف النظر

    وإن كان الجامع شيئاً آخر فما هو؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع الملاعبة والمداعبة, ووقت الجماع أولى بذلك من غيره .اهـ. آمل التعليق، وجزاكم الله خيراً!

    المقدم: جيد, بارك الله فيك, شكراً للأخ أبي ريان من بريدة.

    الشيخ: أما مسألة ما المقصود: بــ ( لم يضره الشيطان أبداً ), فقد ذكرنا الخلاف, وقلنا: هناك فرق بين الضرر والإصابة, فإن الشيطان كلما ولد للإنسان ولد, وخرج من بطن أمه, فإن الشيطان ينخزه, وقد قال صلى الله عيله وسلم: ( لم يضره الشيطان أبداً ), يعني أن الله يحفظه ولو أصيب بذلك, لكن هذا الضرر لن يحصل, والضرر إما أن يكون ضرراً دائماً, أو ضرراً جزئياً وغير ذلك, لكنه لم يقل عليه الصلاة والسلام: لم يصبه, وفرق بين الإصابة والضرر, وبينا أن الشيطان ينخز ابن آدم إلا عيسى عليه السلام فإنه سلم من ذلك.

    الشيخ: أما الشق الثاني وهو مسألة التسمية إذا كانت المرأة حاملاً، فنقول: سواء كانت المرأة حاملاً أو غير حامل؛ لأن الضرر هو في حال خروجه من بطن أمه.

    سؤال عن القرعة لبدء القسم أو السفر بين الزوجات

    المقدم: قبل التعليق يا شيخ, نأخذ اتصالاً حتى تكون الإجابة واحدة!

    المعذرة! معنا اتصال هاتفي من الأخت أفراح من الخرج.

    مداخلة: يا شيخ لدي سؤال, في الدرس الماضي, البداءة في القسم لبعض الزوجات أو السفر, قلت في ذلك إنه بالقرعة, هل من أقرعت في أول مرة يقرع لها في المرة الثانية؟ وجزاكم الله خيراً.

    حكم الكلام والإكثار منه حال الجماع

    المقدم: جميل, شكراً! للإجابة يا شيخ.

    الشيخ: ذكرنا في مسألة الكلام حال المعاشرة، قلنا إن أهل العلم ذكروا أنه يكره كثرة الكلام, واستدلوا على هذا بما رواه أبو عمرو بن حفص وكذا الأثرم : ( فإن منه الفأفأة ), وقلنا الحديث ضعيف, وقلت لكننا نقول: ينبغي ألا يكثر من الكلام, وفرق بين الكلام والإكثار منه؛ لأن الإكثار منه ربما يحصل للإنسان نوع من عدم الوعي, فيتكلم بكلام ربما لا يكون من المناسب, وقد يبالغ في بعض العبارات التي لا تسوغ ويكون فيها نوع من المبالغة.

    أما أصل الكلام فهذا لا بأس به, لكننا نقول: الأولى عدم المبالغة في ذلك؛ لأن المبالغة في ذلك ربما يكون للإنسان عدم إدراك ووعي, فربما قال كلاماً لا يعيه, وبالتالي كلام القنوجي في الروضة الندية ليس له مدخل فيما نحن بصدده، والله أعلم, وهو تحدث عن عدم الكلام, ونحن لا نقول عدم الكلام, بل الكلام ربما يكون فيه نوع من حسن المعاشرة, لكن المبالغة فيه ممنوعة من ذلك, والله أعلم.

    من خرجت قرعتها للسفر هل تدخل في القرعة في سفر آخر

    المقدم: جيد, سؤال الأخت أفراح عن القرعة.

    الشيخ: الأخت أفراح هذا سؤال جيد, إذا أقرع بين نسائه, فهل إذا أراد السفر في المرة الثانية يقرع بينهما؟

    اختلف الشراح في ذلك على قولين, فبعضهم قال: نعم يقرع بينهما؛ لأن الأولى إنما هو نوع من التنافس, والثانية نوع من التنافس, فهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولو لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه ), فهو حق للزوج, فقال بعضهم: في كل سفر يقرع بينهما.

    وقال بعضهم: بل إنما القرعة لأجل البداءة كما ذكر المؤلف رحمه الله, وعلى هذا فإذا أقرع بينهما في أول مرة, فالمرة الثانية تكون للزوجة الثانية, فإن كان له أربع أقرع بين الأربع, فمن وقعت على الأولى, ففي المرة الثانية يقرع بين الثلاث الباقيات.

    ثم المرة الثالثة يقرع الثنتين, ثم الأخيرة تكون للرابعة, ثم بعد ذلك يقرع بين الأربع للبداءة, وعلى هذا فقس، والله أعلم, وهذا القول ربما يكون أظهر, وهو أولى.

    المقدم: القول الثاني؟

    الشيخ: القول الثاني الذي مر معنا, قلنا: إنه في كل سفر يقرع, حتى ربما تكون المرأة هند مثلاً تسافر في الأولى, ثم في الثانية, ثم في الثالثة, والقول الثاني: نقول: يقرع لحق البداءة, فلو كان له زوجتان أقرع بينهما في الأولى, والثانية تكون للزوجة الثانية, وفي المرة الثالثة يقرع بينهما في حق البداءة, إلا أن تتراضى الزوجات.

    حديث (لم يضره الشيطان أبداً) هل يعني طول عمر الولد

    المقدم: معنا اتصال هاتفي من الأخ نبيل ، تفضل!

    مداخلة: سؤالي -سلمكم الله- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يضره الشيطان أبداً ), كلمة (أبداً), تعني طول عمر الولد؟ وجزاكم الله خيراً.

    الشيخ: يا إخوان! هذه الأحكام الشرعية على حسب إخلاص العبد وإقباله على الله وموافقة ذلك الإجابة؛ لأنه نوع من الفعل والدعاء, فيقول: بسم الله, فيطلب من الله الاستعانة, ومن المعلوم أن استعانة الأولياء ليست مثل استعانة غيرهم, واستعانة الأنبياء ليس مثل استعانة غيرهم, وعلى هذا فيقال: على حسب ما يقع في قلبه من التوكل والاستعانة والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى لا يضره أبناءه بإذن الله.

    ومعنى (أبداً) على حسب قوة الاستعانة, ويكون هذا من الاستعانة المطلقة, أو مطلق الاستعانة, فإذا كانت الاستعانة مطلقة لم يضره الشيطان أبداً, وهذا هو مراد الحديث, أي: فإذا كانت الاستعانة مطلقة كاملة لله سبحانه وتعالى, وفوض العبد قلبه إلى الله سبحانه وتعالى, فإن الضرر منتفٍ بإذن الله حتى الوفاة, ولم نقل: الإصابة, وفرق بينهما.

    أما إذا كانت الاستعانة قليلة, أو ليست كاملة, فإنه يحصل له من ترك الضرر على حسب هذه الاستعانة، والله أعلم.

    المقدم: وهذا أيضاً يؤكد على أمر، وهو قضية استشعار الذكر!

    الشيخ: نعم, استشعار الذكر، وأن هذا نعمة من الله سبحانه وتعالى, ويطلب من ربه الاستعانة.

    المقدم: ولا تكون عادة!

    الشيخ: ولا تكون عادة, هذا كله له آثاره, والدخول في شرح هذا الحديث فيه كلام طويل جداً, لكننا لا نذكره؛ لأنه ليس مقامنا مقام شرح للحديث.

    1.   

    خوف الرجل نشوز المرأة

    الشيخ: يقول المؤلف: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته):

    الآن المؤلف انتهى من نشوز الزوج ودخل في نشوز الزوجة, قال: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته), ونشوز المرأة هو عصيانها, وعدم إعطاء الزوج حقه الذي فرض عليها, مثل أن تأتي إليه متبرمة, أو ليست متجملة, أو متثاقلة, أو لا تعطيه حقه من الخدمة, فهذا نوع من النشوز.

    وهذا الحكم الشرعي في هذا الأمر دليل على أن الرباط بين الزوجين رباط أكيد, ورباط وثيق لا يجوز ولا ينبغي أن يتساهل به, ومعنى (لا يجوز) أنه ينبغي أن نعلم أنه حكم شرعي, ولا نكون مثل أهل الغرب يمنعون من أصل الطلاق, بل نقول: الطلاق شرعي, لكن لا ينبغي التسرع فيه, ولهذا جاء عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ), وهو إشارة إلى أن الطلاق بيد الزوج؛ لأنه هو الذي أخذ بالشدة والكرب والنفقة وغير ذلك.

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: جميل! نكمل إن شاء الله تعالى, نستأذنكم في اتصال هاتفي أيضاً.

    معنا اتصال هاتفي من الأخ طارق من جدة, تفضل أخي.

    وقت دعاء الجماع في عملية زراعة الجنين وأطفال الأنابيب

    مداخلة: جزاك الله خيراً، عندي سؤال: موضوع الذكر عند الجماع, يا شيخ لو كان في عملية زراعة كأطفال الأنابيب، فمتى يكون وقت هذا الذكر؟

    المقدم: بارك الله فيك, شكراً للأخ طارق من جدة.

    الشيخ: إذا كان من أطفال الأنابيب بمجرد وضع ماء الرجل بماء المرأة يسأل ربه الدعاء, وهذا إن شاء الله يحصل له ذلك.

    وأيضاً إذا أراد أن يخرج هذا الماء منه, يسأل ربه الدعاء؛ لأن هذا الإخراج يحتاج إلى استعانة بالله سبحانه وتعالى.

    عدم الذكر عند الجماع وعلاقته بفساد الأولاد

    المقدم: معنا اتصال هاتفي آخر.

    من الأخ أبي معاوية من الطائف, تفضل أخي!

    مداخلة: البعض يقول: إن سبب فساد كثير من الأولاد هو عدم ذكر الله عند الجماع, فهل هذا صحيح؟

    المقدم: شكراً لك أخي أبا معاوية, الإجابة يا شيخ.

    الشيخ: نحن نقول: إن عدم الذكر فيه دليل على أن الإنسان يتضرر بالشيطان, ووجود الذكر دليل أن الله يحفظ العبد من ضرر الشيطان, وضرر الشيطان شيء والإصابة شيء آخر, ولهذا ينبغي أن يلازم المرء هذا الذكر, ومن المعلوم أن ترك هذا الذكر ربما يكون سبباً لبعض الضرر من الشيطان.

    المقدم: أحسن الله إليكم!

    1.   

    نشوز الزوجة ومراتب علاجها

    المرتبة الأولى: وعظ الزوجة الناشز

    الشيخ: يقول المؤلف: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها), هذا الوعظ يكون بأمرين:

    أولاً: يعظها ويذكرها بما له من الحق عليها, وعقوبة ترك ذلك منها.

    مما يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من امرأة تبيت وزوجها غضبان عليها, إلا لعنتها الملائكة حتى تصبح ), فهذا يدل على أن الرجل يعظها بما له من الحق عليها, وبما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دعا أحدكم أهله فلتأت ولو كانت على ظهر قتب ), وهذا الحديث إسناده بمجموع طرقه يدل على أن له أصلاً.

    وأما: ( ولو كانت على تنور ), فقد ذكرنا أن هذا اللفظ ضعيف, والله أعلم.

    هذا المعنى الأول للوعظ.

    والمعنى الثاني للوعظ: بأنه يبين لها أنها إن استمرت على نشوزها وارتفاعها, وعدم أداء الحق الذي وجب عليها, فإن نفقتها والمبيت معها يسقط بذلك؛ لأنها نشزت, والنفقة والكسوة إنما وجبت لأن المرأة سلمت نفسها للزوج, ومكنته من نفسها, فإذا لم تمكنه من نفسها فقد سقط حقها, فيبين لها هذا, فالوعظ حينئذ يكون من وجهين, هذا هو مراد المؤلف بقوله: (وعظها).

    وهذا يدل أيضاً على أنه ليس ينبغي للرجل أن يتسرع في حرف الطاء, (طالق), بل ينبغي أن يكون حرف الطاء بعيداً حتى يأتي العلاج النبوي، وهو الوعظ.

    وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الرباط رباط ديني, فإنك تجد أن هذه العلاقة الزوجية يكون فيها نوع من العلاقة الدينية التي بينهما, فيذكرها بما له من الحق عليها, فيذكر الأدلة الشرعية على ذلك, ويبين لها حق الزوج.

    المرتبة الثانية: هجر الزوجة الناشز

    الشيخ: فإن أبت وأصرت واستمرت على نشوزها, دخل معها في نوع آخر من المعالجة:

    فإن أظهرت نشوزا, يقول المؤلف: (هجرها في المضجع):

    والهجر في المضجع له معنيان: بألا ينام معها, أو بأن يريها ظهره, فكلاهما نوع من الهجر, فإن المرأة ربما يشق ذلك عليها إذا كانت عاقلة حصيفة, وما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن ذلك إلا دليل على أن ذلك يشق على المرأة.

    المؤلف قال: (هجرها), والهجر هنا هو المذكور في قول الله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ [النساء:34].

    والهجر في الكلام ينبغي ألا يزيد على ثلاث؛ لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ), قالوا: هذا حكم عام بين الزوجين وغيرهما, إلا إذا كان الهجر لمصلحة دينية, فيجوز الزيادة على ثلاثة أيام, أما إذا كان الهجر لمصلحة دنيوية فلا يزيد عن ثلاثة أيام.

    المقدم: مثال الهجر يا شيخ!

    الشيخ: يعني الرجل وجد المرأة لا تستجيب له, فهجرها فلم يتكلم معها ولا يرد عليها في الجوال, وإذا دخلت عليه وقالت: السلام عليكم, لا يرد عليها, يجوز له بذلك بشرط ألا يزيد على ثلاثة أيام؛ لأنه هجر لغرض دنيوي.

    أما إذا كان حقاً دينياً مثل أن لا تصلي, فإن له أن يهجرها ولو فوق ثلاث, أو تتهاون بالحقوق الشرعية فله ذلك.

    المرتبة الثالثة: ضرب الناشز ضرباً غير مبرح

    الشيخ: يقول المؤلف: (فإن لم يردعها ذلك), يعني أن المرأة الآن ما زالت في علوها ونشوزها وارتفاعها, وتثاقلها في إتيانها الحق الذي وجب عليها, يقول المؤلف: (فله أن يضربها ضرباً غير مبرح)؛ لقوله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]. وهذا يدل على أن الضرب مشروع، وقد قال المؤلف: (غير مبرح), يعني غير شديد؛ لأن القصد منه هو التأنيب والتنقص وعدم التقدير, وليس المقصود الإيلام؛ لأن الرجل إذا رفع يده على المرأة فمجرد الرفع ربما يقع في قلبها موقعه, فكيف لو ضربها فإن ذلك أشد, وعلى هذا فالضرب إنما المقصود به ضرب تأديبي, وليس ضرب إيلام.

    والدليل عليه ما جاء في تفسير هذه الآية, قال ابن عباس : بعود من الأراك.

    وأيضاً قد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يضرب أحدكم أهله ضرب العبد ), وفي رواية البخاري : ( ضرب الفحل, ثم يضاجعها آخر النهار )؛ لأنه لا يليق بالرجل أن يضرب ثم يطلب أن تأتي المرأة إليه وهي متزينة مبتهجة مسرورة, هذا النفوس تنفر منه كما لا يخفى.

    فحينئذ نقول: أن يضربها ضرباً غير مبرح, أي غير مؤلم وغير موجع وغير شديد, وهذا الحكم اتفق الفقهاء رحمهم الله عليه, كما نقل ذلك ابن هبيرة ، وهو ظاهر النص, وليس المقصود -كما قلنا- هو الإيلام.

    شروط ضرب الناشز

    الشيخ: وعلى هذا فهذا الضرب يجب أن يكون بشروط:

    الشرط الأول: ألا يبتدئ به إلا بعد الوعظ والهجر.

    الشرط الثاني: أن لا يكون ضرباً مبرحاً شديداً؛ لتفسير هذه الآية, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يجلد أحدكم امرأته جلد العبد, ثم يضاجعها آخر النهار ).

    الثالث: ألا يزيد عن عشرة أسواط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ).

    واختلف العلماء في هذا التفسير, هل (حد من حدود الله) يعني عقوبة من عقوبات الله, أو لا؟ ونقول: هذا الضرب لأجل الدنيا وليس لأجل حكم شرعي؛ وعلى هذا لا ينبغي له أن يزيد على عشرة أسواط.

    الشرط الرابع: يجب عليه أن يتقي الوجه والمواضع التي يخاف منها الموت, مثل الصدر أو الوجه, فإنه لا يجوز له ذلك.

    والمشكلة -أيها الإخوة- أن بعض الأزواج إذا أراد أن يضرب أهله يضربهم من الوجه, وقد نهى الشارع أن يضرب الكافر في وجهه, فكيف بالمسلم! فكيف بالزوجة التي بينهما من الوئام وغير ذلك؟!

    1.   

    الأسئلة

    المقدم: جيد! نأخذ اتصالاً ثم نعود للشرح يا شيخ!

    معنا اتصال هاتفي من الأخ أبي عبد الرحمن من المدينة، تفضل أخي!

    المخالفات الشرعية بين الزوجين

    مداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ! أود أنك تعلق على عرفنا الحالي.

    الآن هناك الكثير من المخالفات الشرعية تكون بين الرجل وامرأته, فأود التعليق على هذا, وأود أيضاً لو يكون في موقع إنترنت للتعليق أيضاً في هذه الأمور, جزاكم الله خيراً.

    الشيخ: أي المخالفات الشرعية؟!

    مداخلة: أن تكون مثلاً بالحقوق مع امرأته, الحقوق الزوجية الخاصة, بل في غيره, كالهجر في الفراش, وعدم التجمل, وأشياء مثل هذا, جزاكم الله خيراً.

    المقدم: شكراً للأخ أبي عبد الرحمن من المدينة, شكراً لك.

    الشيخ: هذا نداء من أبي عبد الرحمن يطلب من الإخوة أن يشاركوا ما هي حقوق الرجل, ولهذا لو ذكرناها في الإنترنت حتى تقسم إلى حقوق الرجل الواجبة, وحقوق المرأة الواجبة, ثم الحقوق التي يستحب للمرأة أن تحظى بها, والحقوق التي ينبغي للزوج أن يحظى بها, والمخالفات أيضاً من الرجل والمخالفات من الزوجة, وهذا نداء من أبي عبد الرحمن جدير بالاهتمام!

    وهو موجه للإخوة، إن شاء الله غداً نقرأ هذه المخالفات أو الأحكام.

    المقدم: لكن هل المسألة اجتهاد أم رجوع؟

    الشيخ: لا, نحن قلنا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19], وكل بلد له معروفه.

    وحق المرأة أحياناً مناداة الرجل باسمه, بعض الناس ربما يكون فيه نوع من الجفاء, فإذا قالت له: يا أبا عمار أفضل من أن تقول له: يا ياسر وغير ذلك.

    1.   

    بعث حكمين من أقارب الزوجين عند خوف الشقاق بينهما

    الشيخ: المؤلف قال: (وإن خيف الشقاق بينهم), يعني استمرار الشقاق بينهما, وعدم إعطاء حقهما, فإن المؤلف يقول: (بعث الحاكم حكماً من أهله وحكما من أهلها), وهذا يفيد وجوب ذلك كما ذكر ذلك بعض أهل العلم, كـأبي العباس بن تيمية و الخرقي قالوا: هذان الحكمان يجب أن يكونا من أهل الزوج ومن أهل الزوجة, ولا يكونان من طرف آخر, لأمور:

    أولاً: لظاهر النص؛ لأن الله يقول: حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35], وعلى هذا فاللجان ينبغي أن تعطى من باب إحسان المعاشرة, وإعادة الأمور إلى مجراها, لكن أن يؤخذ لها حكم شرعي, بألا يفرق بينهما إذا رأت هذه اللجنة, فينبغي أن يتوقف فيه.

    المقدم: يستأنس برأيهم؟

    الشيخ: يستأنس برأيهم, لكن لا يعطون حكم هذين الحكمين, كما ذهب إلى ذلك أبو العباس بن تيمية و الخرقي ؛ لظاهر النص، قالوا: ولأن الأقارب يعلمون من الأمور الباطنة وخفايا الأمور ما لا يعلمه البعداء.

    هنا قلنا: حكماً من أهله وحكماً من أهلها, فهذان الحكمان ينظران المصلحة, هل المصلحة الجمع أو التفريق, فإن رأيا الجمع وإسقاط بعض حقوق كل منهما, وتراضيا على ذلك فالحمد لله, وإن رأى الحكمان التفريق فرقا بينهما ولو لم يرض الزوج؛ لأنهما جعلا في حكم الحكمين, وهذا مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة, أن الحكمين يحكمان مثل حكم الحاكم, ولهما أن يفسخا العقد إذا رأيا أن عدم الاستمرار أفضل.

    ويجب على الحكمين أن يتقيا الله سبحانه وتعالى في ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35], يعني إن يرد الزوج والزوجة الإصلاح يوفق الله بين الحكمين.

    وقال بعضهم: (إن يريدا) يعني الحكمين، إصلاحاً يوفق الله بينهما, يعني بين الزوجين.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    أسئلة البرنامج والخاتمة

    المقدم: قبل أن نختم هذا اللقاء معكم يا شيخ عبد الله حبذا لو ذكرتم للإخوة سؤال هذه الحلقة, بالإضافة للمجال الذي فتح أمام الإخوة.

    الشيخ: السؤال هو: هل يجوز للمرأة أن تسقط بعض حقوقها؟ وهل لها الرجوع بعد ذلك؟ اذكر الدليل أو التعليل؟

    المقدم: نعم, أحسن الله إليك!

    الشيخ: والأمر الآخر هو: لو ذكر الإخوة أو شاركوا معنا, ما هي المخالفات التي تحصل من قبل الزوج, والمخالفات التي تحصل من قبل الزوجة؟ نقرؤها إن شاء الله ونعلق عليها.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    المقدم: اللهم صل على محمد.

    أحسن الله إليكم, وبارك فيكم وفي علمكم, ونفع بكم الإسلام والمسلمين!

    أحبتنا الكرام! إلى هنا نصل معكم إلى ختام هذا الدرس من دروس شرح كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي كان معنا من خلاله شارحاً ومعلقاً صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, شكراً له.

    والشكر موصول لكم أنتم على طيب متابعتكم، حتى نلقاكم في دروس قادمة, نستودعكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767958112