الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قال الإمام البعلي رحمه الله تعالى: [القاعدة الثانية:
شرط المكلف: العقل وفهم الخطاب، ذكره الآمدي اتفاق العقلاء، فلا تكليف على صبي ولا مجنون لا عقل له، وقال أبو البركات في المسودة: واختار قوم تكليفهما. قلت: من اختار تكليفهما إن أراد أنه يترتب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع فلا نزاع في ترتبه، وإن أراد خطاب التكليف فإنه لا يلزمهما بلا نزاع، وإن اختلف في مسائل: هل هي من خطاب الوضع أم من خطاب التكليف، أو بعض مسائل من مسائل التكليف، وقد حكى حنبل ، عن أحمد رواية في المجنون: أنه يقضي الصلاة والصوم، وعنه إن أفاق بعد الشهر لم يقض الصوم، وإن أفاق فيه قضى، والمذهب الصحيح خلاف ذلك].
القاعدة الثانية التي ذكرها الإمام ابن اللحام في قواعده هي أن شرط المكلف هو العقل، وفهم الخطاب، وتجدون أن هذين شرطان في كل عبادة، وهذا أمر مجمع عليه، إذ قال الآمدي -كما ذكرتم أو كما سمعتم- هذا اتفاق العقلاء، وهذا مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، والأولى أن نقول: وهذا باتفاق العلماء؛ لأن تكليف المجنون بالقضاء بعد انتهاء العبادة لا يخالف العقل. فالقول: باتفاق العقلاء محل نظر، إلا إذا أريد أنه يكلف حال جنونه، أو حال صغره ويعاقب عليه، وأما إن قصد أنه هل يجب عليه أن يؤدي العبادة بعد انتهائها؟ فالمجنون إذا أفاق فقضاء الصوم والصلاة عليه ليس فيه مخالفة للعقل، فلو قال: اتفاق أهل الشرع لكان حسناً.
ثم ذكر قولاً عن أحمد يدل على أن المجنون إذا أفاق يقضي، فنسبها إلى حنبل عن أحمد ، وأنتم تدرون وتعلمون أن حنبل يتفرد عن أحمد بأقوال لم تعرف عن عامة أصحاب أحمد ، مما جعل بعض أصحاب أحمد كـالأثرم و الخلال لا يقبلون رواية حنبل ، وبعضهم لم يقبل رواية حنبل مما تفرد به عن أحمد ، وقد أشار إلى هذا المعنى أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتاب الاستقامة، وفي مجموع الفتاوى، وتكلم في ذلك الإمام ابن رجب في فتح الباري، وهذا يدل على أن هذه الرواية عن أحمد بعيدة، ولهذا قال: والمذهب خلاف ذلك.
هؤلاء لا يعدون مخالفين للإجماع؛ لأن المقصود بالإجماع إجماع الفقهاء المتقدمين من المجتهدين، وأما ما يذكره بعض علماء الأصول ممن تأثر بعلم الكلام والنزعة المعتزلية الذين يقولون بأن العقل يشرع، وأنه يوجب على الله كما أنه يوجب على المكلف وإن لم يرد ثمة خطاب شرعي، فهؤلاء لهم حديث آخر، وإلا فالعلماء أجمعوا على أن الصبي والمجنون ليس عليهما تكليف، ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث علي بن أبي طالب ، ومن حديث عائشة رضي الله عن الجميع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ).
واختلف أصحابنا في سن التمييز، فالأكثر على أنه سبع سنين؛ لتخييره بين أبويه، وقيل: ست، اختاره في الرعاية، وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه عشر.
وقال في المطلع: المميز الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام، والصحيح في المذهب عدم تكليفه، وما ثبت من أحكام تكليفه فبدليل خارجي].
ثم إن المؤلف رحمه الله قال: (والصحيح في المذهب عدم تكليفه، وما ثبت من أحكام تكليفه فبدليل خارجي)، نحن نقول هنا: حتى الدليل الخارجي إن كان المراد بتكليفه أنه يعاقب عليه في الآخرة بسبب التفريط والترك فهذا بعيد؛ لحديث علي و عائشة ، فإن أريد أنه يلزم بالفعل، ويعاقب عليه بالترك، فهذا أمر واضح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين )، فهذا إلزام بالفعل، لا تكليف به من قبل الشرع، هذا تكليف للأولياء بأن يأمروا صبيانهم، وعلى هذا فهل نقول: إن المميز يثبت تكليفه بدليل خارجي؟ نقول: لا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( حينما رأى
إذا تقرر هذا فيقول المؤلف: (فلنتكلم عن مسائل تتعلق بالمميز).
هذه المسألة مبنية على ما هو المشهور من متأخر مذهب الحنابلة، من أن الماء إذا خلت به امرأة لطهارة شرعية لرفع حدث فلا يجوز لرجل أن يتوضأ منه، وأما إذا خلت به لتجديد الوضوء أو غسل نجاسة فلا إشكال عندهم، ولا بأس بالوضوء منه من قبل الرجل، هذا مذهب الحنابلة، والخلاف معروف، وتكلمنا عليها في شرحنا لكتاب الروض، والراجح هو خلاف ذلك، وهو قول جمهور أهل العلم؛ لما روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس : ( أن
قال: (إذا خلت به المميزة) هل الحكم خاص بالمرأة البالغة أم يشمل المميزة؟ قالوا: في ذلك روايتان لمن يقول به من الحنابلة، والذي يظهر والله أعلم أن قاعدة الحنابلة في ذلك: أن العبرة بالمرأة هنا المرأة البالغة، كما قالوا في قطع الصلاة.
الإلزام بالغسل هنا ليس من باب خطاب التكليف، ولكنه من باب خطاب الوضع؛ لأن من أولج أو من أنزل وجب عليه الغسل، ولو كان مكرهاً، ومن المعلوم أن المكره غير مكلف، فهذا شيء آخر، والله أعلم، لهذا يقول العلماء: ولو وطئت الزوجة زوجها وهو نائم يجب عليه الغسل بالإجماع، وإن كان وهو نائم غير مكلف، ولو وطئ المجنون زوجته ثم أفاق بعد ذلك فإنه يكون مجنباً، وعلى هذا فقس، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وفيه وجه يستحب، اختاره القاضي].
المؤلف رحمه الله ذكر وجوب الصلاة، وكما قلت لكم: من نقل عن أحمد أنه يرى وجوب تكليف المميز فإنما نظر في إفتائه وإلزامه بالعمل، وفرق بين إلزام الصبي بالعمل والفعل، وبين تكليفه به من قبل الشارع، بأن يعاقب عليه في الآخرة، والذي أحسبه -كما قلت- أن أحمد يرى أن الصبي المميز غير مكلف، وإن أمر الصبي بالصيام وهو مميز، أو أمر الصبي بالصلاة وهو مميز، وبالنسبة لما يذكر من الروايات المختلفة فليس المقصود بأصول الفقه أن تحفظ مسائل فقط، بل المقصود أن تميز بين بعض المسائل عن بعض، ويكون عندك جرأة على ذلك، شيئاً فشيئاً حتى تكسب هذه الملكة.
فالذي يتدرب على الكتابة عبر الكمبيوتر لا بد له من اختبار أولاً، فيكتب كتابة عشوائية، حتى يتدرب على ذلك، وكذلك طالب العلم لا بد أن يتدرب على بعض الأمثلة، ولماذا قيل بذلك، حتى تتكون لديه هذه الملكة.
والمؤلف هنا ذكر روايات، وليس المقصود النظر فيها بأكثر من أن نعلم أن بعض الفقهاء ينسبون إلى العلماء وأصحاب المذاهب أقوالاً ليست عنهم صراحةً، ولكنهم أخذوها من باب اللازم، أو من باب القياس، أو من فعله للشيء، أو من روايته للحديث، فهذه أربعة أسباب، فأصحاب المذاهب، خاصةً أصحاب أحمد ينسبون لـأحمد أقوالاً أحياناً، إما بروايته للحديث، فيقولون: يبعد عن أحمد أنه يروي هذا الحديث ويخالفه، وهذا لا يلزم؛ لأني حينما أروي هذا الحديث ربما أرى ضعفه، ربما أرى أنه منسوخ، ربما أرى أنه مطلق، وغير ذلك من التأويلات.
أو ينسبون قولاً للعالم من فعله للشيء، فأحياناً يفعل العالم هذا الشيء فيظن أنه يراه، في حين أنه ربما لا يراه، وينص على غيره، ويكون لفعله عذر.
الثالث: أنهم يقولون: إن أحمد قال في مسألة كذا، فتخريجاً وقياساً على هذه المسألة فهو يرى هذا، وهذا لا يلزم، ومعلوم أن لازم المذهب ليس بمذهب.
فتبين بهذا أن القول قد ينسب إلى العالم تخريجاً أو قياساً أو من فعله أو روايته للحديث، وقد أشار إلى نحو هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى.
وأما الجمعة وغيرها -فكما تقدم- فالحكم واحد، إلا أنه ينبغي للأب إذا أمر ابنه بالصلاة مطلقاً وهو ابن سبع سنين أن يأمره بصلاة الجمعة من باب أحرى.
وقال أبو العباس : ويتخرج في أذانه روايتان كشهادته وولايته، أما صحة أذانه في الجملة وكونه جائزاً إذا أذن غيره فلا خلاف في جوازه، قال: ومن الأصحاب من أطلق الخلاف؛ لأن أحمد قال في رواية حنبل : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم إذا كان قد راهق. وقال في رواية علي بن سعيد وقد سئل عن الغلام يؤذن قبل أن يحتلم؟ فلم يعجبه، قال: والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية، ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولاً واحداً، ولا يسقط الفرض، ولا يعتمد في مواقيت العبادات، وأما الأذان الذي يكون سنةً مؤكدةً في مثل المساجد التي في المصر ونحو ذلك فهذا فيه روايتان، والصحيح جوازه].
قوله: (والأشبه) هذا قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله حينما ذكر الخلاف في صحة أذان الصبي، ففرق رحمه الله بين أذان الصبي الذي يكون كأذان غيره مستحباً، وبين أذان الصبي الذي يرفع الوجوب عن هذا البلد، فقال: إن أذان الصبي إن كان لإثبات المستحب، حيث أن التكليف قد رفع، وأن الفرضية قد أزيلت بأذان غيره من المكلفين، فهذا حسن وينفع أذانه، وأما أن يؤذن هو عن البلد ليرفع عنهم فرض التكليف فهذا لا يسقط الفرض قولاً واحداً، ولا يعتمد عليه في الأوقات، فلو أن جماعة عندهم مسجد واحد، وقام صبي فأذن فلا يسوغ لهم أن يفطروا بأذانه، إلا إذا سمعوا مسجداً آخر، أو علموا دخول الوقت أو خروجه، وأما أن يعتمدوا على قول المؤذن الصبي الذي لم يؤذن قبله فهذا لا يعتمد عليه كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهذا هو الراجح، والله أعلم، وهذا مبني على أن الأذان فرض كفاية على الرجال المقيمين.
من المعلوم أن المشهور في مذهب الحنابلة أن عورة الصبي والصبية فيما كان دون السبع الفرجان، يعني لا بأس بإخراج الفخذ، والذي يظهر -والله أعلم- أن الصبي عورته قبل السبع الفرجان، وأما البنت فينبغي أن تستر، وإن كان مثلها لا يشتهى وهي بنت سنتين أو ثلاث فهذا الخطب فيه يسير، وأما بنت سبع أو بنت ست فإنه لا يجوز أن تكون عورتها الفرجان فقط، ومعنى لا يجوز: أي أنه لا يجوز لوليها أن يسمح لها بإخراج الفخذ مثلاً.
وأما المراهقة فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن عورتها عورة المحارم، كالبنت لأخيها، أو البنت لأبيها، والأخت لأخيها، فهذه عورة المراهقة إذا كانت بنت تسع فما دون، وأما ما زاد عن تسع فينبغي أن تستر إلا في الأشياء المتسامح فيها كالشعر ونحوه، لكن الأفضل أن تعامل معاملة الكبيرة، إذا كانت بنت تسع قبل البلوغ فتعامل معاملة الكبيرة فتكون عورتها ما عدا الوجه والكفين، كقول عائشة رضي الله عنها: إن المرأة إذا بلغت تسعاً فهي جارية. وهذا المسألة مبنية على أن المميز هل له حكم يخالف حكم البالغ؟ إن الحنابلة ذكروا هذا، ومخالفوهم يرون من حيث الأمر به لا من حيث أنه يعاقب عليه، والله أعلم.
وعن أحمد رواية: يجب عليه إن أطاقه. اختارها أبو بكر و ابن أبي موسى ، وحد ابن أبي موسى طاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره؛ لخبر مرسل، وعنه يلزم من بلغ عشراً وأطاقه، وإن قلنا بعدم الوجوب عليه فإنه يجب على وليه ضربه عليه ليعتاده، ذكره جماعة، قال صاحب المحرر وغيره: لا يؤخذ به، ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة.
قال: وما رواه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه قيام شهر رمضان ) رواه عبد الرزاق في المصنف في كتاب الصيام، باب متى يؤمر الصبي بالصيام ].
هذا حديث ضعيف، فلا يؤبه به كما هو معلوم.
وعلى كل حال فهذه المسألة سبق أن ذكرنا أن أحمد حينما أمر الصبي بصيام رمضان وهو ابن عشر، أو وهو مراهق، أو وهو يطيقه، إنما هو من باب إلزام الولي له بالصيام، لا من باب أنه مكلف، والله أعلم.
ولنا قول واختاره أبو البركات : أنه يصح كصلاته وصومه، فعلى هذا يحلله الولي منه إن رآه ضرراً عليه في الأصح كالعبد.
تنبيه: وإذا لم نوجب عليه العبادة فما فعله فإنه يثاب عليه، وثوابه له، ذكره الشيخ أبو محمد في موضع، والإمام أبو العباس ، وكذا قال ابن عقيل في فنونه في أوائل المجلد التاسع عشر.
وعندي أنه يثاب على طاعات بدنه وما يخرج من العبادات المالية من ماله، قال ابن هبيرة في الحج: معنى قولهم: يصح منه، أي: يكتب له، قال: وكذا أعمال البر كلها، فهما له ولا تكتب عليه، وعلله ابن عقيل في الجنائز بتقديم النساء على الصبيان بالتكليف، ففضلهن بالثواب، والصبي ليس من أهل الثواب والعقاب، وطريقة بعض أصحابنا في مسألة تصرفه ثوابه لوالديه.
ولـأحمد وغيره بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعاً: ( أن حسنات الصبي لوالديه أو أحدهما )، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ].
الراجح -والله أعلم- في إحرام الصبي المميز أنه يحرم ولا يحرم عنه وليه، لكن هل يحرم بإذن وليه أم لا؟ أما الصبي غير المميز فإن الذي يحرم عنه هو الولي، فالولي يقول: لبيك عمرة يقصد عن نفسه، ثم يقول: لبيك عمرةً عن ابني الصغير، أما أن يحرم الصبي المميز والمراهق من غير إذن وليه فقالوا: إن لوليه أن يمنعه، وهذا مبني على أن إتمام الحج والعمرة بحق الصبي المميز لا يلزم إن لم يستأذن وليه، وهذا الأمر وجيه والله أعلم، فيكون عدم الإذن أو منع الولي من الإتمام إذا كان يضره من باب الإحصار، ولكنه لا يجب على الصبي ما يجب على الكبير من الهدي ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في مسألة الصبي المميز إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام، هل يجب عليه الفدية؟
الجمهور يرون أن الصبي إن أتلف شيئاً فيجب عليه الفدية من ماله، مثل الصيد، وحلق الشعر وتقليم الأظفار عند قول بعضهم، وإن كان من غير تلف فهو من مال وليه إن كان هو الذي أمره بذلك، والراجح هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد : أن الصبي يأمره وليه بألا يفعل محظوراً من محظورات الإحرام، ولكنه لو فعل فليس فيه شيء؛ لأن الراجح -والله أعلم- أن الفعل والعقوبة ليست من باب خطاب التكليف؛ لأن محظورات الإحرام لا بد فيها من العلم، ولو كانت منتفياً العلم فيها لكانت من باب خطاب الوضع وليس من خطاب التكليف، فالراجح أن محظورات الإحرام والفدية فيها إنما هي من باب خطاب التكليف، وأما جزاء الصيد فإن الراجح والله أعلم أنه: (من قتله منكم متعمداً)، والصبي عمده خطأ، خلافاً للجمهور.
وعلى هذا فالراجح أن الصبي لا يلزم بشيء إن فعل محظوراً من محظورات الإحرام، والله أعلم.
وأما هل يثاب؟ فالراجح أنه إذا صح حجه أثيب على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس : ( حينما رفعت امرأة صبياً وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر )، وهذا هو الراجح: أن الولي حينما يأمر صبيه بالعبادة أنه يؤجر على ذلك، ويؤجر الصبي أيضاً، فأجر الصبي لفعله، وأجر الولي لأمره.
والحديث موضوع، ولكن المعلق قال: لم أجده في الموضوعات، ولا في العلل المتناهية، كما أني لم أجده أيضاً عن أنس في مسند الإمام أحمد ، الفقهاء رحمهم الله يتساهلون في الأحاديث ونسبتها؛ لأنهم ينقل بعضهم عن بعض، ويوجد عندنا الآن في البحوث المبالغة في عدم النقل من عالم إلا بالإذن، ولكن الذي يظهر -والله أعلم- أن هذا مما يتسامح فيه إذا كان لا بأس به، وقول المؤلف: (وعندي أنه يثاب على طاعات بدنه، وما يخرج من العبادات)، هذا نص ابن مفلح رحمه الله في كتاب الفروع، فالخطب يسير، وقد نقل ابن القيم رحمه الله كلاماً كثيراً من المغني في الطرق الحكمية، وغير ذلك من كتبه، ولا بأس بذلك شريطة ألا ينسبه إلى نفسه بمعنى أنه يقول: أنا الذي قلته وليس كذلك، أو يكلف غيره بالبحوث ثم ينسبها له، فهذا من المتشبع بما لم يعط، ( والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ).
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر