إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من كمال الشريعة أن شرعت كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، ومن ذلك كيفية قضاء الحاجة، فمنعت الاستنجاء باليمين، وكشف العورة حتى يدنو من الأرض، ونهت عن قضاء الحاجة في بعض الأماكن كالظل والطريق وغيرهما. وشرعت في تطهير الفم السواك، وله فوائد كثيرة ذكرها أهل الفقه والطب.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل من حضر هذا الاجتماع وهذه الحلقة من حلق العلم ممن تحفهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم ربنا سبحانه وتعالى عنده في الملأ الأعلى.

    أيها الإخوة! ما زلنا نتحدث في كتاب الطهارة وفي باب الاستنجاء والاستجمار، وقد تحدثنا عن آداب قضاء الحاجة، وذكرنا بعض المسائل، ولم يسعفنا الوقت حتى ننتهي من باب آداب قضاء الحاجة، ونحن بإذن الله سوف نسير في هذا الترتيب بناءً على كتب الفقهاء، ونحن وإن لم نختر كتاباً محدداً فإننا بإذن الله لن نترك بعض المسائل المهمة.

    نعم بعض الآداب ربما نتركها، وبعضها مما يحتاجها الناس نذكرها، وإلا فإنه يصعب في مثل هذه الدورة أن نذكر كل ما قيل؛ لكن الأصل أن الإنسان يعرف المسائل العامة المشهورة، ثم يعرف كيف يتعامل مع النصوص من حيث الأخذ بالدليل، ومن حيث ترك العمل بالحديث لأجل أنه ضعيف، فبذلك يكتسب طالب العلم وطالبة العلم الملكة الفقهية التي ينشدها كل من سار على هذا الأمر.

    أيها الإخوة! ما زلنا نتحدث عن آداب قضاء الحاجة، ومن الآداب التي بقيت هي حكم الاستنجاء أو الاستجمار باليمين.

    من آداب قضاء الحاجة عدم الاستنجاء باليمين

    الشيخ: أولاً: حكم الاستنجاء باليمين.

    من المعلوم أن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته لا بد أن يتعامل بيديه، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم للعبد والأمة كيف يتعامل بيده مع قضاء الحاجة، فبين أن هذه اليمين مكرمة عند الله سبحانه وتعالى، ولأجل هذا فلا ينبغي للإنسان أن يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا أن يبول ويمسك ذكره بيمينه؛ لأن ذلك من باب إهانة اليمين، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة: ( كان يعجبه التيمن في تنعله إذا تنعل، وفي ترجله إذا ترجل، وفي طهوره إذا تطهر ).

    وكان إذا أراد أن يتطهر من باب إزالة ما علق في جسده صلى الله عليه وسلم من أوساخ بدأ باليمين، وإذا أراد أن يزيل وصف الحدث القائم بنفسه بدأ بشقه اليمين، وأما ما دون ذلك فإنه يستخدم يده اليسرى، ولأجل هذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء )، والحديث متفق عليه.

    اختلاف العلماء بين كراهية الاستنجاء باليمين وتحريمه

    الشيخ: والسؤال: هل الاستنجاء باليمين من باب التحريم أم من باب الكراهة؟

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ، و مالك و الشافعي و أحمد إلى أن النهي إنما هو للكراهة، وليس للتحريم، إذاً النهي عند الجمهور للكراهة.

    ولماذا حملوا النهي على الكراهة مع أن الأصل أن النهي يقتضي التحريم؟

    فنقول: نحن نعلم أن القاعدة الأصولية تقول: إن النهي يقتضي التحريم، ولا يصرف عن التحريم إلا بقرينة، والقرينة أيها الإخوة! لا يلزم أن تكون نصاً شرعياً من كتاب أو سنة، فيمكن أن تكون ظاهر الكتاب والسنة، ويمكن أن تكون قرائن تعرف بالأدلة والقرائن، فذكر جمهور العلماء أن من الصوارف في هذه المسألة كما أشار إلى ذلك النووي: أن هذا من باب الإرشاد والآداب، وليس من باب العبادات التي هي متوقفة على التوقيف، يعني: لا تعرف حكمتها.

    قالوا أيضاً: ولأن في الحديث: ( ولا يتنفس في الإناء )، فإذا كان التنفس في الإناء ليس من باب التحريم، فكذلك التمسح من الخلاء ليس من باب التحريم.

    وقالوا أيضاً: ولأن اليمين أو اليسار إنما هي بضعة من جسد الإنسان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما هو بضعة منك)، فإذا كان كذلك فإنه يدل على الكراهة.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن النهي يكون للتحريم، وهذا مذهب داود الظاهري و ابن حزم، وهو رواية عن الإمام أحمد قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول )، فدل ذلك على أن المقصود هو حال قضاء الحاجة، فلربما وقع في يده اليمنى بعض النجاسة، واليمنى ينبغي أن تكرم، فلا ينبغي للإنسان أن يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعلى هذا فإننا نقول: إنه لا يدل على التحريم، لكن نقول مع ذلك: إنه وإن كان القول بالكراهة قولاً قوياً، لكن لا ينبغي للناس أن يخالفوا هذا الأمر؛ لأن القول بالتحريم قول قوي أيضاً، فنقول: الراجح أنه للكراهة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يتهاون في هذا الأمر، ولهذا ينبغي أن يعلم الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته ألا يمسك ذكره بيمينه، ولكنه يمسكه بيساره.

    طيب الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول )، وقال: ( ولا يتمسح من الخلاء بيمينه )، فإذا أراد الإنسان قضاء حاجته فكيف يستطيع أن يتمسح بيمينه؟ انظر فقه العلماء، قالوا: إذا اضطر إلى استعمال اليمين فإنه يمسك ذكره بيمينه، ويأخذ الحجر ويحركها بشماله، لتكون المتحركة هي اليسار وليست اليمين، كل ذلك لأجل ألا يخالف ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا يا إخوان! شيء يربينا أي: هذا الذي يظن بعض الناس أنه تكلف هو لأجل ألا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتبقى قلوبنا معظمةً أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى في قضاء الحاجة، ولهذا عندما قال اليهود لـسلمان الفارسي : ( قد علمكم رسولكم كل شيء حتى الخراءة ) يعني: حتى أداء قضاء الحاجة، فما استشكل سلمان هذا الأمر ورأى أن الضغط الإعلامي سوف يؤثر عليه، بل قال: ( أجل! نهانا أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو بعظم، وأن نستقبل القبلة ببول أو غائط ).

    وهذا يدل على أننا حينما نقول هذا الأمر أننا ونحن نقضي الحاجة نعلم أن الله قد أمرنا بشيء ينبغي لنا أن نؤديه.

    من آداب قضاء الحاجة ألا يكشف الشخص عورته حتى يدنو من الأرض

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه من المعلوم -أيها الإخوة- أن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته فلا بد أن يكشف عورته، والسؤال: قال أهل العلم: ينبغي للإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته ألا يكشف عورته حتى يكون قريباً من الأرض، وقد ذكر النووي استحباب ألا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض، لماذا؟

    قالوا: لما جاء عند أهل السنن من حديث معاوية بن حيدة قال: ( يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: يا رسول الله! أرأيت إذا كان أحدنا وحده؟ قال: فالله أحق أن يستحيا منه )، يعني: إذا كنت أنت تستحي من أن تكشف عورتك أمام شخص أجنبي فالله أحق أن تستحيا منه، فإذا كان محرماً أن يكشف الإنسان عورته أمام صاحبه، فكذلك يحرم أن يكشف عورته بلا حاجة وحده؛ لأن الله أحق أن يستحيا منه.

    قد يقول قائل: ما الدليل على أن الإنسان يحرم عليه أن يكشف عورته أمام صاحبه؟

    نقول: الدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ليس على عورتهما شيء )، فهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته، ولهذا أثنى الله سبحانه وتعالى على موسى، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا [الأحزاب:69]، فقد كان اليهود إذا أرادوا أن يغتسلوا كشفوا ثيابهم وعوراتهم رجالاً ونساءً، ( فكان موسى عليه السلام استحياءً من الله لا يغتسل إلا وعليه شيء، فكان اليهود يقولون: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر -يعني مجبوب الذكر- فكان الله سبحانه وتعالى يريد أن يظهر عور كلامهم، فوضع موسى ثوبه على حجر، ثم اغتسل، فجعل الحجر يهرب -بأمر الله سبحانه وتعالى- فلما رأى موسى أن الحجر قد هرب بثيابه، فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! فجعلت اليهود تنظر إلى موسى وقالوا: والله ما بموسى من بأس )، والحديث في صحيح مسلم.

    إذا ثبت هذا فإننا نقول: لا ينبغي للإنسان أن يكشف عورته إلا إذا أراد أن يقضي الحاجة، ومن المؤسف أيها الإخوة! أنك تجد بعض الناس بمجرد دخوله دورات المياه يكشف ثيابه وربما من غير حاجة، فإذا أراد أن يقص شاربه، أو أن يصنع شيئاً برأسه، أو أن المرأة تصنع شيئاً برأسها تجد أنهم يكشفون ثيابهم، ولا شيء على عوراتهم، وهم في دورات المياه، وهذا الأمر لا ينبغي، ولو كانوا وحدهم؛ لأن هذا الكشف ليس له حاجة، فلأجل هذا فإن كشف العورة من غير حاجة الراجح أنه محرم؛ لأنه إذا استحيا المرء من الأجنبي فالله أحق أن يستحي منه، ولأجل هذا ينبغي أن نتفطن لمثل هذا.

    أما حال إرادة قضاء الحاجة فإننا نقول: يستحب له، ولكن مع ذلك فإن بعض الناس يقضي حاجته وينتهي ويمكث كاشفاً عورته وهذا مكروه.

    إذاً عندنا ثلاث مراتب: الأول: كشف العورة من غير حاجة وحكمه حرام، والدليل ( فالله أحق أن يستحيا منه ).

    الثاني: كشف العورة إذا أراد أن يقضي حاجته، فيستحب له ألا يكشف ثيابه إلا إذا كان يريد قضاء الحاجة أو يدنو منها.

    الثالث: يقضي حاجته وينتهي من ذلك كاشفاً عورته، قلنا: إن ذلك مكروه، بل بالغ بعضهم فقالوا: إن ذلك محرم، والراجح أن ذلك مكروه؛ لأنه ربما يبقى أكثر من هذا، ولهذا ينبغي أن نعلم أن الموسوس والموسوسة -هداهم الله ونسأل الله أن يشفيهم- حينما يبقون في دورات المياه كاشفي عوراتهم ويقولون: إنه من باب الطهارة فإنهم قد أطاعوا إبليس من وجهين: أطاعوا إبليس من الوجه الأول أنهم بالغوا في التطهر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( سيكون في آخر الزمان قوم يعتدون في الطهور والدعاء ).

    الثاني: أنهم كشفوا عوراتهم، وقد نهى الله ونهى رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نكشف عوراتنا من غير حاجة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088792819

    عدد مرات الحفظ

    779079004