إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [11]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من رفق الله تعالى بهذه الأمة المباركة أن يسر لها كثيراً من التكاليف، ومن ضمن ما يسر لها هو المسح على الخفين، سواء في حال السفر أو الإقامة، ثم إن المسح له مدة ابتداء وانتهاء سفراً وحضراً، ومما حكم المسح على العمامة والجبيرة، ولا يشترط للجبيرة أن توضع على طهارة على القول الراجح.

    1.   

    ابتداء مدة المسح على الخفين

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسعد وإياكم في أن نتذاكر مسائل في الفقه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على طاعته.

    نذكر هذه المسائل مبينين أقوال أهل العلم المشهورة مع ذكر الدليل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويفقهنا في الدين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    أيها الإخوة والأخوات! سوف نذكر في هذا اللقاء بإذن الله آخر مسائل المسح على الخفين، ثم ندلف بإذن الله سبحانه وتعالى إلى شرح نواقض الوضوء، وكنا أيها الإخوة والأخوات قد توقفنا عند بعض المسائل لم نذكرها، ولعلنا نذكر هذه المسائل مبينة فيها الأدلة!

    هناك مسألة سبق أن طرحناها ونذكرها على عجل، وهي مسألة ابتداء مدة المسح، ذكرنا أن المسألة على قولين، وقلنا:

    ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسح إنما يبدأ من أول حدث بعد لبس.

    والقول الثاني في المسألة: هو رواية عند الإمام أحمد وهو مذهب ابن حزم ، واختيار ابن المنذر ، وكذلك قواه النووي: أن المدة تبدأ من أول مسح بعد حدث؛ وذلك لأن الألفاظ الشرعية التي بينت مدة المسح إنما علقتها بلفظ المسح، ولفظ المسح إنما يدل على وجوده، ولهذا قال عمر رضي الله عنه كما روى عبد الرزاق في مصنفه وغيره: يمسح إلى مثل ساعته من ليلته ويومه، فهذا يدل على أنه إنما تبدأ المدة من حين أن يمسح، وهذا كما قلنا: هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    مبطلات المسح على الخفين

    الشيخ: أما المسألة الثانية التي سوف نطرحها إن شاء الله: فهي مبطلات المسح على الخفين.

    اختلف العلماء في مبطلات المسح على الخفين فوق مبطلات الوضوء، فكل مبطل في الوضوء فهو مبطل للمسح على الخفين، إلا أن المسح على الخفين يزيد بعض الأشياء التي اختلف العلماء فيها، ومن ذلك انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ وكذلك خلع الخفين هل يبطل الطهارة، ويبطل المسح أم لا؟ فهما مسألتان:

    انقضاء مدة المسح

    الشيخ: المسألة الأولى: وهي مسألة انقضاء المدة: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه بانتهاء مدة المسح ينتهي الوضوء، فلو أن إنساناً مسح الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم الجمعة، فعلى هذا القول إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من يوم السبت فإنه يكون الإنسان قد نقض وضوءه، ولو كان قد توضأ قبل ذلك بعشر دقائق أو بنصف ساعة، فإن وجود الطهارة لا ينفع؛ لأن مدة المسح قد انتهت.

    قالوا: فكما أن الرخصة إذا زالت زال حكمها كالماء إذا وجد مع وجود التيمم، فكذلك الرخص إذا وجد فيها المبدل فإن البدل يكون لاغياً، فهذا يدل على أن انقضاء المدة يكون بها انقضاء الوضوء.

    والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب طائفة من السلف كـالنخعي و عطاء و الحسن وهو مذهب الظاهرية، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن انتهاء المدة شيء، وانقضاء الوضوء شيء آخر، فقالوا: إن المدة إذا انتهت والإنسان ما زال طاهراً فإن له أن يصلي بهذا الطهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم على المسح، وعلى انتهاء مدة المسح، وقالوا: إن انتهاء مدة المسح شيء، وانقضاء الطهارة شيء آخر، فدل ذلك على أن الطهارة ثبتت بيقين، فلا تزول إلا بيقين، واليقين ليس فيه إلا الإجماع أو النص، وليس ثمة إجماع ولا نص، فنبقي الأمر على الطهارة، وهذا القول قوي بلا شك، لا من حيث النظر، ولا من حيث عدم وجود الدليل، إلا أن في مثل هذه المسائل -أعني المسح على الخفين- الأحوط بالإنسان أن يبرأ لنفسه، وأن يخرج من عهدة الطلب بيقين، وذلك بأن يتوضأ، فإن رأى أن الوضوء يشق عليه أو أنه في سفر ولا يحتاج إلى ذلك فإن القول بأن الطهارة باقية قول قوي، هذه المسألة الأولى.

    خلع الخف

    الشيخ: المسألة الثانية: وهي بطلان الوضوء والمسح على الخفين بخلعهما.

    الواقع أن هذه المسألة نستطيع أن نقول منها: إذا خلع الإنسان خفيه ولم يغسل رجليه فإن الأئمة الأربعة متفقون على أنه لا يسوغ له أن يصلي بالوضوء الذي قد توضأ قبل ذلك.

    فلو افترضنا أن شخصاً توضأ ومسح على خفيه، ثم بعد ذلك خلع، وكان هذا المسح حدث، فهل ينقض وضوءه أم لا؟

    ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه إذا لم يغسل رجليه فإنه لا يصح له أن يصلي بهذا الوضوء السابق، إلا أن أحمد و الشافعي قالا: إنه من حين خلع الخف ينتقض وضوءه، وقال مالك : إن خلع فغسل رجليه مباشرة جاز أن يصلي، وقال أبو حنيفة : إن خلع وأراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه، أما إذا لم يغسل رجليه فلا يصح أن يصلي.

    وسبب الخلاف بينهما هي مسألة الموالاة في الطهارة، وذكرنا الخلاف في الموالاة في الطهارة وقلنا: الراجح أنه يجب الموالاة في الطهارة، وقلنا: إن هذا هو مذهب المالكية والحنابلة إلا إذا كان هناك حاجة.

    وقلنا: إن حديث الرجل الذي توضأ فترك موضع ظفر أو قدر الدرهم لم يصبه الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء، يدل على أن الموالاة واجبة، وعلى هذا فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة صارت على أربعة أقوال:

    القول الأول: أنه يبطل الوضوء من حين الخلع.

    والقول الثاني: وهو مذهب مالك : أنه إن خلع فغسل رجليه فله أن يصلي، وإن تأخر فلا يصح وضوءه.

    والقول الثالث: قول أبي حنيفة ، وهو أنه إن أراد أن يصلي فلا بد أن يغسل رجليه.

    والقول الرابع في المسألة: هو مذهب الظاهرية، واختيار أبي العباس بن تيمية، وروي عن علي رضي الله عنه، وهو قول النخعي و الحسن : أن من خلع خفيه وهو طاهر فإن خلع الخف لا يعد ناقضاً ولا مبطلاً للطهارة، وهذا كما قلت هو مذهب ابن حزم ، وهو قول الحسن و النخعي ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، قالوا: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا يبطل هذا الوضوء إلا بيقين، واليقين إنما هو نص أو إجماع، ولا نص ولا إجماع، فدل ذلك على بقاء الطهارة.

    واستدلوا أيضاً بما صح عن علي بن أبي طالب كما روى البيهقي وصححه أن علياً رضي الله عنه أراد أن يتوضأ، فتوضأ ومسح النعلين، ثم خلعهما فصلى، قالوا: لأن هذا فعل صحابي، ولم يأت ما يخالفه، فكان شبه إجماع.

    والجواب على هذا أن نقول: أما ما جاء عن علي رضي الله عنه فإنما مسح على النعلين، وهي مسألة معروفة في باب الخلاف، فأنتم لا تقولون بالمسح على النعلين، و علي إنما مسح هنا بمعنى: غسل، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، بمعنى أنه أبقى رجله في نعليه، وبدأ يمسح حتى صارت مثل الغسل، وبالتالي فإن نزع النعلين هنا ليست مثل نزع الخف الذي هو ممسوح؛ ولكن علياً مسح النعلين فصار هذا المسح بمثابة الغسل، فلا يمكن الاحتجاج بهذه المسألة التي نحن بصدد البحث فيها، وبالتالي فإن الاحتجاج بفعل علي محل نظر.

    وأما رواية: (مسح على خفيه)، فهي رواية منكرة، والصحيح أن المقصود بمسح النعلين، يعني: غسل النعلين، مع أن رواية المسح في النعلين تكلم فيها الحفاظ، هذا واحد.

    الثاني: أنكم تقولون: إن الطهارة ثبتت بيقين، ولا تبطل إلا بيقين، قلنا: فالجواب أن اليقين لا يلزم منه وجود نص أو إجماع، بدليل أنكم تقولون: لو أن شخصاً خلع إحدى خفيه ثم أعادها، فلا يسوغ له أن يمسح، قلنا: ما الدليل على ذلك وقد خلع خفاً واحدة؟ فإذا قلتم: لأنه خلع، قلنا: لأنه خلع لم تجيزوا له أن يمسح، فكذلك إذا خلع لم نجز له أن يبقى على طهارته، وهذا يدل على أنه ليس كل ما جاء في المسألة من دليل عقلي أن نرده، فإن ابن حزم رحمه الله لا يرى القياس، ولا يرى الأخذ بالعموم الشمولي، ولكن الراجح والله أعلم الأخذ بالتعليل وبالقياس إذا كان بنفي الفارق، أو بقياس العلة وإن كان قياس العلة لا يحتج به في العبادات، ولكن يحتج بقياس نفي الفارق، والله تبارك وتعالى أعلم.

    فالذي يظهر والله أعلم أن خلع الخف أو الجورب ينقض الوضوء، وهذا أظهر وهو أحوط، لأننا نقول: لو خلع إحدى خفيه فلا يسوغ له أن يمسح، فكذلك لا يسوغ له أن يبقى على طهارته، فدل ذلك على أن الخف إنما بقي على طهارة مسح، فإذا خلع خفه فإن الواجب بعد ذلك هو غسل الرجلين، وحيث إن الرجلين قد جفت كبقية الأعضاء فلا يسوغ له أن يغسلهما؛ لأن الموالاة شرط، ولا موالاة، فدل ذلك على صحة مذهب الشافعية، وهو أن الإنسان إذا خلع خفيه فإن طهارته تبطل، والله تبارك وتعالى أعلم.

    1.   

    مسائل أخرى متعلقة بالمسح على الخفين والجوربين

    إذا مسح مقيماً ثم سافر أو العكس

    الشيخ: المسألة الثالثة: لو مسح مسح مقيم ثم سافر، أو مسح مسح مسافر ثم أقام، فهذه صورتان:

    الصورة الأولى: لو أنه مسح مسح مقيم ثم سافر قبل انتهاء مدة مسح المقيم، فقد اختلف العلماء، والراجح والله أعلم هو أن له أن يتم مسح مسافر، خلافاً للمشهور عند الحنابلة؛ وذلك لأنه داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بن عسال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام بلياليهن )، وهذا الشخص الذي قد سافر قبل انقضاء المدة يشبه ما لو سافر ثم مسح، فدل ذلك على أن الصحيح أنه يصح أن يمسح مسح مسافر.

    صورة المسألة: شخص مسح على خفيه بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة، فلما كان عشاء يوم الجمعة سافر خارج بلدته، فلما أراد أن يمسح من الغد لصلاة العصر فإن المدة قد انتهت إذا كانت مدة مقيم، لكنه لما سافر في أثناء مدة الإقامة فإن له أن يمسح يومين؛ ليتم مدة المسافر في المسح، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو المذهب المعتمد عند الحنفية، وهو اختيار مشايخنا كشيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الصورة الثانية: مسح مسح مسافر ثم أقام، فالجواب: أنه يعتمد على مسح مقيم، وعلى هذا فلو مسح مسافراً يوماً ونصف يوم ثم قدم بلدته، فإن مدة المسح تنتهي، وهذا محل إجماع عند أهل العلم ممن يقول بوجوب التوقيت، خلافاً للمالكية، فذهب عامة أهل العلم القائلين بأنه يجب تحديد المدة في المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم إلى أنه إذا رجع إلى بلده بعد انتهاء مدة مسح يوم وليلة فإن وضوءه حينئذ يكون باطلاً، ويجب عليه أن يخلع الخف ويغسل رجليه بعد وضوء كامل، وهذا كما قلت: قال فيه ابن قدامة: بغير خلاف نعلمه، وحكى ابن المنذر إجماع أهل العلم ممن يرى التوقيت على ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    المسح في حق من لبس جوربين

    الشيخ: وهناك مسألة تتكرر كثيراً، وهي: لو أن إنساناً لبس الجزمة -وهي التي تسميها العامة (الكنادر) وبعض الدول يسمونها (الشوز)، وهي لغة أجنبية- ثم أراد أن يتوضأ بعد الحدث وقد لبسهما على طهارة، فإذا أراد أن يمسح على الكنادر والجوارب خلع، فالراجح أن من خلع فلا يصح مسحه كما قلنا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

    ومن قال: إنه يصح، قالوا: يصلي بالجوارب، لكن إذا أراد أن يمسح مرة ثانية فقد ذهب عامة أهل العلم إلى أنه ليس له أن يمسح بعد ذلك؛ لأن الطهارة هنا طهارة مسح وليست طهارة غسل، أي لأنه مسح على خف ثم نزعه، فلا يسوغ له أن يمسح عليه مرة ثانية، وهذا قول عامة أهل العلم.

    وعلى هذا فإذا كان وقت الشتاء فلبس الإنسان جورباً واحداً، ثم أحس ببرودة، ثم لبس عليه جورباً آخر، فهل له أن يمسح على الجورب الثاني الأعلى؟

    ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه ليس له أن يمسح، قالوا: لأنه حينما أدخل الجورب الثاني إنما أدخله بطهارة مسح لا طهارة غسل، والرسول صلى الله عليه وسلم علق ذلك بقوله: ( إني أدخلتهما طاهرتين ) يعني: طهارة مائية، كما نقلنا عن عامة أهل العلم خلافاً لـأصبغ من المالكية.

    وعلى هذا فالذين يريدون أن يلبسوا جورباً ثانياً فلا حرج عليهم، لكن إذا أرادوا أن يتوضئوا فليخلعوا الخف الأعلى ثم يمسحوا على الأدنى.

    حكم طهارة من مسح على الجورب الأعلى ثم خلعه

    الشيخ: وهناك صورة أخرى، وهي لو أن إنساناً غسل رجليه، ثم لبس جوربين، ثم مسح بعد حدث على الجورب الأعلى، فإذا خلع الجورب الأعلى، فهل تبقى طهارته أم لا؟

    قلنا: إذا كان قد لبس خفيه وخلع الأعلى، فالذي يظهر والله أعلم أن هذا حكمه حكم الخف الذي له بطانة وظاهرة، وليس مثل الذي نزع خفه وبقي عضو الغسل الذي هو الرجل، فهذا الراجح أنه يبقى طاهراً، ولكن لا يسوغ له أن يمسح مرةً أخرى، والله أعلم.

    لكن الأحوط في هذه الصورة أنه لا ينبغي له أن يمسح، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    المسح على الجبيرة والعمامة

    الشيخ: أما مسألة المسح على الجبيرة، فقد ذكرنا، وقلنا: الراجح أن المسح على الجبيرة لا يشترط له الطهارة، وقلنا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني أدخلتهما طاهرتين )، إنما هو في الخف وليس في العمامة ولا في الجبيرة، وهذا هو الراجح؛ وذلك لأن الأصل في العضو قبل وجود العمامة هو المسح، وبعد وجود العمامة هو المسح، فلا أثر للتغيير حينئذ.

    وأما الجبيرة فإن لبسها إنما كان لحاجة وفجأة، فلو قلنا: لا بد أن يدخلها طاهرة لشق ذلك على المسلمين، خاصةً وأن المسلمين يجاهدون في سبيل الله فيقع عليهم الجرح فيربطونه، ولهذا قال الحسن كما روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم: ما زال المسلمون يصلون بجراحاتهم، وهذا يدل على أن جراحاتهم كانت ملفوفة ولم يؤمروا بأن يتوضئوا، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن مسح الجبيرة فارق المسح على الخفين.

    الفرق بين الجبيرة والخفين في المسح

    الشيخ: والفرق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين من وجوه:

    الأول: أن المسح على الجبيرة لا يلزم منه الطهارة المائية، وأما المسح على الخفين فيلزم منه الطهارة المائية.

    الثاني: أن المسح على الجبيرة الراجح أنه لا يشترط له مدة، بخلاف المسح على الخفين فيشترط له مدة.

    الثالث: أن المسح على الجبيرة الراجح أنه يمسحها كلها، وأما المسح على الخفين فإنما يمسح الأعلى منهما، ولا يمسح الأدنى، وقد جاء في ذلك حديث عن علي بن أبي طالب ، قال: ( لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وإنما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخف )، وهذا الحديث في سنده نكارة؛ وذلك لأن حفص بن غياث أخطأ في ذلك، والمشهور عن علي أنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخف )، فقط وأما قوله: لو كان الدين بالرأي، فهذه زيادة من حفص بن غياث كما أشار إلى ذلك الإمام أبو داود رحمه الله، هذا الفرق الثالث، وغيرها من الفروق وقد وضع تتمةً الإمام المرداوي في كتاب الإنصاف، وذكر فيه فروقاً كثيرةً من هذا.

    إذاً نقول: إن الحكمة تعبدية في المسح على ظاهر الخف، وذلك لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم له كما صح ذلك عن علي رضي الله عنه كما روى ذلك أبو داود ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    أحوال الجرح بالنسبة إلى وضع الجبيرة والمسح عليها

    الشيخ: المجروح لا يخلو جرحه من حالتين:

    الحالة الأولى: أن يكون الجرح مكشوفاً.

    والحالة الثانية: أن يكون الجرح مستوراً.

    فالجرح إذا كان مكشوفاً فلا يخلو من ثلاث حالات:

    الحالة الأولى: إذا كان مكشوفاً وكان لا يضره الغسل، فإنه يجب أن يغسل هذا الجرح؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسبغوا الوضوء )، وقول الله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] الآية.

    الحالة الثانية: إذا كان يضره الغسل، ولكن لا يضره المسح، فإن الواجب في حقه أن يمسح، ولا يتيمم؛ وذلك لأن الطهارة بمسح ماء أقوى من الطهارة بمسح تراب. وعلى هذا فالراجح أنه يجب عليه أن يمسح، وهذا أقوى، كما أشار إلى ذلك الحنابلة رحمهم الله.

    الحالة الثالثة: أن يضره الغسل ويضره المسح، فإنه حينئذ يتيمم للعضو الذي لم يصبه الماء، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة الذين قالوا: بجواز الجمع بين الماء والتيمم، وعلى هذا فإذا أراد أن يتوضأ فهو بالخيار، إما أن يتوضأ للأعضاء التي لا يضرها وصول الماء، ثم بعد ذلك يتيمم لما لم يصبه الماء، ويسقط الترتيب.

    وإما أن يتيمم ابتداءً لما يخاف وصول الماء إليه، ثم بعد ذلك يتوضأ، فلو كان جرحه في يده ويشق عليه غسله ومسحه، فإننا نقول: أنت بالخيار: إما أن تتيمم بنية رفع الحدث على هذا العضو، ثم بعد ذلك تتوضأ لجميع أعضائك ما عدا هذا، أو أنك تتوضأ وتغسل أعضاءك ما عدا مكان الجرح، ثم بعد الوضوء تتيمم، ولا شك أن الحال الثانية فيها مشقة؛ لأن يديه ما زالتا رطبتين، فلربما تيمم وعلق في يديه التراب وشق ذلك عليه، والله تبارك وتعالى أعلم.

    هذه ثلاثة أحوال إذا كان العضو مكشوفاً.

    أما إذا كان العضو مستوراً، وهذا هو المسح على الجبيرة، والراجح أن المسح على الجبيرة لا يشترط له الطهارة، ولا يشترط له المدة، وهذا رواية عن الإمام أحمد ، وهو قول عند الحنفية والمالكية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وعلى هذا فإنه يمسح الجبيرة إذا جاء وقت العضو الذي هو وقته من حيث الترتيب، فلو كانت شجته في رأسه، ثم وضع جبيرةً عليها، ثم أراد أن يتوضأ فإنه يتوضأ، فإذا جاء على الجبيرة فإنه يمسحها، هذا هو الراجح، والله أعلم.

    وذهب ابن حزم إلى أنه لا يتيمم ولا يتوضأ؛ لأنه قال: هذا في حكم العاجز، والعاجز لا حكم له، والراجح والله أعلم أنه لا بد فيه من تيمم أو مسح، ولا شك أن المسح أقوى، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إبقاء الجبيرة بعد برء العضو من الجرح

    الشيخ: تبقى مسألة: بعض الشباب وبعض إخواننا وأبنائنا في المتوسط والثانوي إذا كسرت يده ووضع الجبيرة عليها، يقول الدكتور له: أزلها، فيقول: لا يا دكتور أبقها أريد أن أكتب ذكريات! يريد أن يكتب فيها ذكريات!

    فنقول: إذا انتهت الحاجة التي وضعت لأجلها الجبيرة فيجب إزالتها؛ لأنه لا يسوغ له أن يترك العضو الذي فيه الجبيرة على حاله؛ لأنه مأمور بغسل العضو الذي تحته، وهي مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي أن بعض الشباب ربما يكون عضوه الذي كسر قد جبر، فهو يريد أن يبقيها، والإبقاء هنا ليس لأجل ضمانة برئه، ولكنه نوع من التفنن، فهذا لا يجوز.

    زيادة الجبيرة عن موضع الحاجة

    الشيخ: المسألة الأخرى: أن بعض الإخوة يبالغ في الزيادة بالجبيرة، فإذا كان الكسر في الساعد فتجده يزيد حتى أعلى المرفق، مع أن الأطباء يستطيعون أن يجعلوها في أول الإبهام، فحينئذ نقول: من شروط المسح على الجبيرة: ألا تزيد عن موضع الحاجة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وبهذا نكون قد انتهينا من باب المسح على الخفين، ثم ندلف بعد ذلك إلى نواقض الوضوء.

    1.   

    نواقض الوضوء

    تعريف نواقض الوضوء وأنواعها

    الشيخ: نواقض الوضوء: النواقض، جمع ناقض، وهي الأسباب والعلل المؤثرة على الوضوء.

    ذلك أن النواقض منها ما هو ناقض بنفسه كالريح، والبول، والغائط ونحو ذلك، ومنها ما هو سبب موجب للنقض وليس ناقضاً بذاته، مثل مس الرجل امرأته بشهوة -عند من يقول بذلك وهم الحنابلة والشافعية كما سوف يأتي تفصيله- أو النوم، فإن النوم ليس ناقضاً بذاته، ولكنه مظنة الحدث، فصار النقض بالسبب وليس بذاته، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ولنعلم أن نواقض الوضوء على ثلاثة أنواع:

    أولاً: نواقض تنقض بالإجماع.

    ثانياً: نواقض مختلف في حكمها، والراجح أنها تنقض.

    ثالثاً: نواقض مختلف في حكمها، والراجح أنها لا تنقض.

    الناقض الأول: الخارج من السبيلين

    الشيخ: الناقض الأول: هو الخارج من السبيلين، والسبيل هو الطريق، والمقصود الخارج من القبل والدبر، وهذا الخارج محل إجماع عند أهل العلم من حيث الجملة، يعني ليس كل ما خرج من السبيلين ناقض؛ لأن هناك بعض الأشياء ليست بناقضة، كالريح من قبل المرأة، وكرطوبة فرج المرأة، فإن الراجح والله أعلم أنه لا ينقض الوضوء، ولكن هذا من حيث الأصل.

    واعلم رعاك ربي أن الخارج من السبيلين على نوعين:

    النوع الأول: خارج معتاد كالريح، والبول، والغائط، والمذي، والوَدي فهذا ناقض بإجماع أهل العلم.

    النوع الثاني: ما خرج من غير اعتياد كالحصى، فهذا عامة أهل العلم على أنه ناقض خلافاً لـمالك ، فهذا خارج غير معتاد، فالحصاة غير معتادة أن تخرج من السبيلين، فكذلك لو أن رجلاً به حصوة في الكلى فخرجت فإن عامة أهل العلم على أنها تنقض الوضوء؛ لأن هذه لا بد أن تكون قد علق بها شيء من الأنجاس، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ومن المجمع على أنه ناقض أيضاً: المذي، فإن المذي وهو ما يخرج بعد فتور الشهوة من غير قذف، ويجب فيه الوضوء؛ لما جاء في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: يغسل ذكره ويتوضأ )، وفي رواية مسلم : ( توضأ وانضح فرجك )، فهذا يدل على وجوب الوضوء.

    ومن ذلك أيضاً خروج المني، فإنه ناقض للوضوء بإجماع أهل العلم، وكون المني طاهراً أو ليس بطاهر شيء، وكونه ينقض الوضوء شيء آخر. وكذلك الحيض والاستحاضة.

    ولكن من حدثه دائم، كالذي يتبول من غير إرادة منه، وهو ما يسمى بسلس البول، وكالمستحاضة فقد ذكر أبو العباس بن تيمية أن من حدثه دائم ليس بناقض على الإطلاق، قال: وهذا باتفاق الأئمة، قال: وغاية ما في ذلك اختلافهم: هل يجب الوضوء لكل صلاة أو لدخول وقت لكل صلاة، أم لا يجب؟

    فمسألة من حدثه دائم وهو الذي به سلس بول ونحوه نقول: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن من حدثه دائم يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة فريضة، على الخلاف بين أبي حنيفة ، وبين الشافعي و أحمد.

    قالوا: لأن الأصل أن من خرج منه الحدث فإنه يجب عليه الوضوء، لقول الله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ [المائدة:6]، قالوا: ولكن كون حدثه دائماً خفف عنه في ذلك، فكان لو صلى وخرج منه الحدث الدائم فإن صلاته صحيحة من باب التخفيف ورفع الحرج، فإذا دخل وقت الصلاة فإن الله يأمرنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، فيكون من ضمن المخاطبين بذلك، وهذا القول هو الأحوط.

    وأما حديث المستحاضة: ( وتوضئي لكل صلاة )، فإن الصحيح -والله أعلم- أن هذا من قول عروة بن الزبير ، وأن حماد بن زيد رواه عن أيوب السختياني فأخطأ فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والراجح أن أكثر الرواة رووه عن أيوب السختياني من غير زيادة ( وتوضئي لكل صلاة )، ولو كانت صحيحة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.

    ولأجل هذا فإن مالكاً -وهو القول الثاني- يقول: إن الطهارة لدخول وقت كل صلاة أو لإرادة الصلاة مستحبة، وهذا اختيار ابن تيمية.

    والأحوط والله أعلم: هو الوضوء؛ وذلك لأن الحديث وإن كان من قول عروة لكن هو الأصل، أعني أن الأصل أن الإنسان إذا دخل وقت كل صلاة فإنه مأمور بالوضوء، لكن هذا خرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عمداً صنعت يا عمر )، والذي صنع أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فصار فعله دليلاً على عدم وجوب الوضوء لكل صلاة، فدل ذلك على استحبابه، فيكون مخاطباً كل من وقع في حدث أنه يجب عليه أن يتوضأ، فيكون من حدثه دائم يجب عليه الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وهنا مسألة: هل ينطبق هذا الكلام الذي ذكرت في سلس البول على الشخص الذي يشك هل خرج منه ريح أو نحوه؟

    لا، ليس هذا، الذي يشك هل خرج منه شيء أم لا، لا يعتبر دائم الحدث، بل هذا يشك في خروجه، والأصل عدم الخروج، لكن الذي يخرج منه دائماً هذا هو من به سلس البول، أما من كان لا يخرج منه البول إلا بعد قضاء الحاجة مثل الذي يسمونه سلس المنقطع، وهو أنه إذا أحدث فإنه يخرج منه، فإذا مكث ساعة أو ساعتين أو ثلاثاً فإنه ينقطع ثم لا يأتي إلا بعد الحدث، فإننا نقول: إذا جاء وقت الصلاة الأخرى فإنه يتوضأ، ثم الثاني يتوضأ، فإن لم يخرج منه شيء بعد ذلك فلا يلزمه الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، ولكن ينبغي له أن يغسل ثوبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المذي: ( يغسل ذكره ويتوضأ ) وقوله: ( انضح فرجك )، وقد أجمع أهل العلم على أن نضح الثوب واجب، ولكن اختلفوا في وجوب غسله، والراجح أن النضح أخف من الغسل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الناقض الثاني: زوال العقل

    الشيخ: الناقض الثاني من نواقض الوضوء: زوال العقل، وزوال العقل إما زواله بالكلية كالجنون، وإما زواله مؤقتاً كالسكر والإغماء والنوم.

    أما الجنون والسكر والإغماء فإنه ينقض الوضوء بإجماع أهل العلم، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حال وفاته: ( أغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، فتوضأ ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماءً في المخضب ثم توضأ )، الشاهد أنه حينما توضأ ثم أغمي عليه ثم أفاق فتوضأ مرة ثانية، فدل ذلك على أن زوال العقل بالإغماء، أو بالسكر، أو بالجنون ينقض الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    أما النوم فقد اختلف العلماء فيه، لكن هل النوم حدث أم مظنة حدث؟ الراجح وهو مذهب جماهير أهل العلم بأن النوم مظنة الحدث.

    ولماذا نقول: مظنة الحدث أو هو حدث؟ لأن الأصل أن الإنسان إذا شك هل هو مستغرق في النوم أم لا فنقول: الأصل هو عدم الحدث.

    وقد اختلف العلماء في مسألة النوم هل هو ناقض أم لا على ثمانية أقوال، ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، والذي يهمنا هو القول الراجح، وهو مذهب أهل التحقيق: أن النوم إذا لم يكن مستغرقاً ولم يكن كثيراً، وسواء نام على أي حالة كان فإن وضوءه باق، فإن ظن بقاء الطهارة أو غلب على ظنه أنه لم يخرج منه شيء فالراجح أنه لم يخرج منه شيء، وإن غاب عقله في النوم بحيث بدأ يرى رؤى، أو دخل في عقله الباطن، فإن هذا يدل على أنه قد استغرق.

    وعلامة الاستغراق من عدمه ليس هو وجود الغطيط أو سقوط الرأس، أو كونه مضطجعاً، إنما هو النوم الكثير الذي لا يستحضر ولا يعي معه من بجانبه، فإذا كان قد نام وهو يسمع ضجيج الناس ولا يستوعب، فيسمى هذا نوماً خفيفاً.

    وأما إذا رأى رؤيا في منامه فإنه يكون قد استغرق، وحينئذ ربما لا يستشعر وقوع الحدث منه.

    والذي جعلنا نقول هذا هو اختلاف الروايات والآثار، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينامون عند صلاة العشاء، ثم يقومون ويصلون ولا يتوضئون )، وفي رواية: ( تخفق رءوسهم )، وفي رواية عند الدارقطني وصححها قال: ( حتى إن لأحدهم غطيطاً، ثم يقومون ويصلون ولا يتوضئون )، والتغطيط هو الشخير، فهذا يدل على أنهم لم يستغرقوا في النوم.

    وأما قول الحنابلة: إنهم كانوا جلوساً، فمن كان جالساً ونام نوماً يسيراً فلا ينقض وضوءه، فهذا الراجح أنه حكاية حال هيئة، والهيئة في الغالب لا يعلق بها حكم، ولهذا صار القول الراجح وهو اختيار أبي العباس بن تيمية ، وهو قول لبعض فقهاء الإسلام، أن القصد من ذلك هو الجمع بين الآثار، فجاءنا حديث صفوان بن عسال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن، ولكن من غائط وبول ونوم )، فدل ذلك على أن النوم ربما يكون حدثاً أو مظنة حدث، فلما جاءنا حديث أنس : ( ينامون ثم يقومون ولا يتوضئون )، دل على أن حديث صفوان هو في النوم المستغرق، وحديث أنس في النوم غير المستغرق، والله تبارك وتعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    ضابط النوم الناقض للوضوء

    السؤال: أحسن الله إليك، قولك في الراجح: إن مذهب أهل التحقيق أن النوم إذا لم يكن مستغرقاً ولا كثيراً، وسواءً كان على أية حال، ما معنى: على أية حال؟

    الجواب: على أية حال، يعني: سواء كان جالساً أو مضطجعاً أو ساجداً، أو غير ذلك من الحالات، فلا أثر لهذه الهيئة والحالة، وإنما الأثر للاستغراق، قال علي بن أبي طالب : ( العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )، والحديث صححه بعض أهل العلم، والذي يظهر لي والله أعلم أن في سنده انقطاعاً؛ وذلك لأن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من علي بن أبي طالب ، وأما حديث معاوية ففيه ضعف، ولكن بمجموع طرقه يدل على صحة رواية ( العين وكاء السَّه ) فقط، ومعنى (وكاء السَّه)، يعني: أن العين بمثابة الرباط الذي يربط دبر الإنسان بحيث يستحضر، فإذا نامت العينان فكأن ذلك نوع من استطلاق الوكاء، والله أعلم.

    مدى وجود الاختلاف بين الجالس والمضطجع في نقض الوضوء

    السؤال: أحسن الله إليك، هل هناك أثر أو قول يقول: هناك اختلاف بين النوم جالساً والنوم مضطجعاً؟

    الجواب، نعم، أنا قلت: في المسألة ثمانية أقوال، بعضهم يقول: النائم الجالس يعذر، وما عداه لا.

    وبعضهم يقول: النوم الساجد يعذر وما عداه لا.

    وبعضهم يقول: النوم على جنب يعذر، وغير ذلك من الأقوال.

    ولكن الذي يظهر والله أعلم: أن العبرة بحال النوم واستغراقه لا بهيئته، فإن كان مستغرقاً لم ير ولم يسمع ولم يستشعر أحداً فإنه يعد ناقضاً، وإن لم يكن مستغرقاً وأحس بضجيج الآخرين وإن لم يستوعبه فهذا يدل على أنه ما زال النوم خفيفاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وما دمنا نتحدث عن هذا فهناك مسألة أخرى وهي أن الإنسان أحياناً يقول: أنا لا أدري نمت أم لم أنم، خاصةً الذين يذهبون من الميقات (من السيل) إلى مكة ربما تخفق رءوسهم، وربما ينامون، نقول: إذا شككت هل نمت أم لا فالأصل هو بقاء الطهارة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولكن من غائط وبول ونوم ) دليل على أن النوم مظنة الحدث، كما أشار إلى ذلك الإمام ابن رشد في بداية المجتهد، و أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، وقول أنس : ( تخفق رءوسهم ) دليل على أن وجود الغطيط لا يدل على الاستغراق في النوم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    والمسألة الأخرى: أن كون الصحابة قد ناموا وهم جلوس فلا يدل على تعليق الحكم بفعلهم؛ لأن هذا يسميه العلماء: الوصف الطردي، والوصف الطردي هو أن يوصف الشيء بوصف لم يعلق الشارع الحكم به، مثل قول الرجل الذي جاء وهو أعرابي ينفش شعره ويقول: ( يا رسول الله! هلكت وأهلكت )، حينما جامع أهله في نهار رمضان، فلا يعلق الحكم بوصف كونه أعرابياً، أو نافش الشعر؛ لأن هذا من الأوصاف الطردية، والوصف الطردي لا يعلق الشارع به حكماً، وليس من عادة الشارع أن يعلق به حكماً.

    لعلنا نقف عند هذا الحد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954621