إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [12]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للوضوء نواقض ذكرها أهل العلم، منها ما هو مجمع عليه كالخارج من السبيلين وزوال العقل، ومنها ما هو مختلف فيه والراجح النقض كالنوم العميق ومس الفرج، ومنها ما هو مختلف فيه والراجح عدم النقض كخروج النجاسة من الجسد وشرب لبن الإبل.

    1.   

    من نواقض الوضوء مس الفرج

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أيها الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءكم.

    أيها الإخوة والأخوات! لعلنا نكمل ما كنا قد توقفنا فيه من نواقض الوضوء، وكنا أيها الإخوة والأخوات ذكرنا أن نواقض الوضوء على ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: نواقض أجمع العلماء عليها، فهي تنقض الوضوء بالإجماع.

    والثاني: نواقض مختلف في حكمها، والراجح النقض.

    والثالث: نواقض مختلف في حكمها، والراجح عدم النقض.

    وقد ذكرنا من النواقض التي أجمع العلماء عليها ناقضين:

    الأول: الخارج من السبيلين. والثاني: زوال العقل.

    إذاً النواقض المجمع عليهما اثنان: الخارج من السبيلين -كالريح والبول والغائط والمني، والمذي، والحيض- وكذلك زوال العقل.

    النوع الثاني: النواقض المختلف في حكمها والراجح النقض، وذكرنا في الحلقة السابقة النوم، وقلنا: إن الراجح أن النوم إنما ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يشعر بنفسه ولا يشعر بالآخرين، أو ربما رأى رؤيا، فإن مثل هذه الأشياء تدل على استغراقه، فإن استغرق في نومه فقد انتقض وضوءه؛ لقول علي رضي الله عنه: ( العين وكاء السه )، وقد جاء ما يقويه عن معاوية بن أبي سفيان ، فيدل على أن الحديث له أصل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    والناقض الرابع، وهو من القسم الثاني، أي: من النواقض المختلف فيها والراجح النقض بها، وهو ما يذكره العلماء بمسألة مس الذكر، أو مس القبل؛ وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:

    القول الأول وهو مذهب جماهير أهل العلم، وجماهير الفقهاء، وهو مذهب بعض الصحابة والتابعين، وهو مذهب الشافعية والحنابلة: أن مس الذكر أو مس القبل للمرأة ناقض للوضوء؛ وذلك لأحاديث منها حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ )، وهذا الحديث صححه الإمام أحمد و ابن معين ، وقال البخاري: إنه أصح شيء في الباب، وكذلك صححه الترمذي ، وصححه غير واحد من أهل العلم، وهو أصح من حديث طلق بن علي الذي رواه قيس بن طلق بن علي ، عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره؟ فقال: إنما هو بضعة منك )، إذاً فالراجح هو أن مس الذكر أو قبل المرأة ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

    وأما مالك رحمه الله فيرى أن الوضوء من مس الذكر مستحب؛ يقول: لأن حديث طلق صحيح، وقد صحح حديث طلق علي بن المديني ، وكذلك ابن حبان ، و ابن حزم وغيرهم، فقالوا: إن حديث طلق صحيح، وحديث بسرة صحيح، وهو ( من مس ذكره فليتوضأ )، قال: فدل ذلك على أن الأمر يدل على الاستحباب، والبقاء على الأصل وقوله: ( إنما هو بضعة منك ) يدل على عدم الوجوب.

    والذي يظهر والله أعلم هو أن حديث بسرة أولى من حديث طلق ؛ لأمور:

    أولاً: لأن حديث بسرة أصح من حديث طلق ؛ وذلك لأن قيس بن طلق بن علي اختلف فيه، مع أنه اختلف في سماعه عن أبيه.

    الثاني: أن حديث بسرة قد تلقاه الصحابة بالقبول، وبدءوا يروونه، ولهذا كان ابن عمر حينما بلغه حديث بسرة بنت صفوان رجع إليه، وكذلك سعد بن أبي وقاص .

    الثالث: أنه جاءت أحاديث تعضد حديث بسرة ولم تأت أحاديث أخرى تعضد حديث طلق بن علي، فمن الأحاديث التي تعضد حديث بسرة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس الفرج فليتوضأ )، وحديث ( إذا أفضى أحدكم إلى فرجه فليتوضأ )، وقال البخاري : حديث عبد الله بن عمرو -يعني عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده- هو عندي صحيح، وإن كان الإمام أحمد قد نقل عنه أنه ضعفه.

    وكذلك جاء من حديث أم حبيبة، وصححه الإمام أحمد، وكذلك جاء من حديث أبي هريرة، فهذه أحاديث تدل على أن حديث بسرة بنت صفوان له أصل.

    الرابع: أن حديث بسرة بنت صفوان يوجب الوضوء، وحديث طلق بن علي لا يوجب الوضوء، قالوا: وحديث طلق بن علي هو بناءً على الأصل، وحديث بسرة هو ناقل عن الأصل، فدل على أن حديث بسرة هو المتأخر، قالوا: والقاعدة في هذا: كل حديث ناقل عن الأصل هو أولى من الحديث الباقي على البراءة الأصلية.

    وهذا كما قلت هو مذهب الشافعية والحنابلة.

    وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب نقض الوضوء من مس الذكر، ولا من مس القبل، ورأى أن حديث طلق بن علي هو أصح في هذا الباب، ويرى هذا الأمر.

    ولكن الذي يظهر لي -والله أعلم- وهو أحوط لإبراء ذمة العبد: أن مس الذكر أو مس قبل المرأة ينقض الوضوء.

    مدى دخول حلقة الدبر في مس الفرج الناقض للوضوء

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن قوله: ( من مس فرجه فليتوضأ ) هل يدخل فيه حلقة الدبر أم لا؟

    بعض أهل العلم يقول: إن الفرج إذا أطلق إنما يقصد به القبل، والذي يظهر لي -والله أعلم وهو أحوط- أن مس حلقة الدبر كمس القبل وهو مذهب الحنابلة.

    المقصود بفرج المرأة الذي ينقض الوضوء بمسه

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن قبل المرأة هو الأمر الداخل، أما ما كان بجانب عورتها فهذا لا ينقض الوضوء، يعني: الشفرتان لا ينقض مسهما الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو المكان الذي فيه ختان المرأة، فهذا هو الذي ينقض الوضوء إذا قلنا بأن مس الفرج ينقض الوضوء؛ لقول عبد الله بن عمرو بن العاص : (أيما امرأة أفضت بيدها إلى فرجها فعليها الوضوء).

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة والأخوات! فإني أقول: إن اليد المقصود بها الكف، باطنها وظاهرها، وأما من مس فرجه بذراعه أو بساعديه فلا يعلق به حكم؛ وذلك لأن اليد في لغة العرب إذا أطلقت فإنما يراد بها الكف؛ لقول الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وقد حكم الصحابة وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليد هي الكف، والله أعلم.

    انتقاض وضوء الماس للفرج دون الممسوس

    الشيخ: إذا ثبت هذا فلنعلم أن الممسوس لا ينتقض وضوءه، ولكن الذي ينتقض وضوءه هو الماس، فلو أن رجلاً مس عورة امرأته فالمنتقض وضوءه هو الرجل؛ لأنه هو اللامس، وأما المرأة فلا ينتقض وضوءه. ولو أن امرأةً مست عورة زوجها فإنه ينتقض وضوءها، وأما الزوج فلا ينتقض وضوءه؛ لأن العبرة باللامس لا بالملموس، وهذا قول عامة أهل العلم القائلين بنقض الوضوء من مس الفرج.

    مدى انتقاض الوضوء بمس عورة الطفل

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنني أقول: مس عورة الطفل هل ينقض الوضوء أم لا؟

    للحنابلة روايتان: الأولى وهي فتوى الإمام أحمد في آخر أمره: أن الطفل ليس له عورة أصلاً، وبالتالي فإذا أرادت المرأة أن تنظف صبيها فمست عورته فإن وضوءها باق، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.

    الرواية الأخرى: أن مس المرأة عورة صبيها ينقض الوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مس الفرج فعليه الوضوء )، فجعل الفرج عاماً؛ لأن (أل) تفيد الاستغراق.

    ولا شك أن هذه المسائل ليس فيها شيء مقطوع به، ولهذا كان الأحوط بالمرأة أن تتوضأ، فإن لم تتوضأ فالذي يظهر لي والله أعلم أن الصبي لا عورة له، وهذا قول عامة أهل العلم، فهو مذهب الحنفية، وهو مذهب أحمد في رواية عنه، وللفائدة: حتى القائلين بنقض الوضوء من مس الفرج يقولون: الطفل لا عورة له، ولعل هذا القول أظهر، ولكن الأحوط أن المرأة تتوضأ، فإن شق ذلك عليها مثل أن تكون في نزهة برية، أو نزهة صحراوية، ويشق عليها الوضوء خاصةً في وقت البرد، فلو وضعت قفازين فهو أفضل، وإلا فإنه لا يلزمها الوضوء، هذا الذي يظهر، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    مستند من قال: الطفل لا عورة له

    السؤال: أحسن الله إليك! قول الجمهور: إن الطفل ليس له عورة، على ماذا استندوا؟

    الجواب: استندوا على ما جاء في رواية: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى الحسن وقبل زبيبته )، قالوا: وهذا الحديث في سنده بعض الضعف، ولكن قالوا: هناك أحاديث يقوي بعضها بعضاً، ولكن الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه البيهقي وغيره؛ وذلك لأن في سنده محمد بن أبي ليلى ، وهو كما يقول أبو أحمد الحاكم : يكاد الأئمة يتفقون على ضعفه.

    لكننا نقول: وإن ضعفنا حديث فعل النبي صلى الله عليه وسلم بـالحسن أو الحسين ، لكن أجمع العلماء على أن الصبي حال ولادته ليس له عورة، فلا بأس بالنظر إليه، قالوا: فجواز النظر إليه دليل على أنه لا عورة له، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مس الفرج من غير شهوة

    السؤال: أحسن الله إليك يا شيخ! مس الذكر أو قبل المرأة ذكرت أنه ناقض، فهل هذا على إطلاقه أم إذا كان لشهوة أم غير ذلك؟

    الجواب: نحن قلنا: إنه ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أم ليس بشهوة، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، فأما إذا كان من غير قصد، فالذي يظهر لي أن ذلك يخفف فيه لأمور:

    أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة قال: ( من أفضى بيده إلى فرجه )، والإفضاء يكون مع قصد، وأما إذا كان من غير قصد فلا يقال: إنه أفضى بيده إلى فرجه، والقاعدة في هذا: أن يقصد مس الذكر سواء كان بشهوة أو ليس بشهوة، وهذا القول أحوط وهو أقعد من حيث البراءة الأصلية، ومن حيث النظر إلى مقاصد الشريعة، فإن الشريعة لا تعلق الأحكام إلا بالقصود.

    حد الطفولة التي يعتبر فيها الطفل لا عورة له

    السؤال: يا شيخ! إلى سن كم يعتبر الطفل لا عورة له؟

    الجواب: الطفل الذي ليس له عورة هو الذي لم يميز، فإذا أصبح ابن ست أو ابن سبع سنين فهذا مميز ويعتبر له عورة، أما ابن السنة أو السنتين فهذا لا عورة له، والله أعلم.

    مس الذكر من وراء اللباس

    السؤال: يا شيخ! لو أمسك الشخص ذكره من فوق اللباس، فما الحكم؟

    الجواب: مسه من فوق اللباس لا حكم له، أي: إذا كان بينه وبين عورته حائل فإنه لا ينتقض وضوءه، وإنما الخلاف إذا لم يكن بين يده وفرجه حائل، وأما مع وجود الحائل فإنه -والله أعلم- لا ينقض الوضوء، وهذا هو الأحوط.

    شروط الحائل بين مباشرة مس الذكر

    السؤال: أحسن الله إليك! الحائل هل له شروط مثل أن يكون خفيفاً أو سميكاً؟

    الجواب: أهم شيء أنه حائل يمنع وصول اليد للفرج، سواء كان من بلاستيك أو غيره فالأصل أنه حائل، والله أعلم.

    1.   

    تابع نواقض الوضوء

    أكل لحم الجزور

    الشيخ: الخامس من نواقض الوضوء أكل لحم الجزور، فقد اختلف أهل العلم في حكم لحم الجزور هل ينقض الوضوء أم لا؟ على قولين:

    القول الأول: مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية: أن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، ودليلهم في هذا هو ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار )، قالوا: فإن لحم الجزور إنما أمر به في أول الإسلام لأجل أنه مسته النار.

    والجواب على هذا أن نقول: إن الحديث بهذا اللفظ حديث منكر، وإن الراوي إنما رواه بالمعنى، والصحيح أن الحديث ليس صحيحاً بهذا اللفظ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه احتز من كتف شاة، ثم قام فصلى ولم يتوضأ )، ولكن هذا شيء، ولحم الجزور شيء آخر.

    القول الثاني: قال الإمام أحمد إن لحم الجزور ينقض الوضوء، وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وهو قول جابر بن سمرة، و البراء بن عازب، قال الإمام أحمد : حديثان: حديث البراء بن عازب ، و جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم ). وهذا يدل على وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور.

    وتذكر بعض كتب التاريخ قصة تتداول عند الإخوة والأخوات وعند حديث الناس، وهو أن الصحابة كانوا يأكلون لحم جزور، فأحدث رجل بصوته -يعني ضرط- فضحك الصحابة، ولا يدرى من هو، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يوبخ هذا الفاعل ولا يستهزأ به، فأمر الصحابة كلهم بالوضوء، وهذه القصة لا حقيقة لها ولا أصل لها، وليس لها إسناد ولا خطام، والأحاديث الواردة فيها كلها منكرة، والصحيح هو رواية البراء بن عازب ، ورواية جابر بن سمرة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم صح عنه من حديث جابر بن سمرة ، وكذلك عند الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب ، ولهذا قال الإمام الشافعي : إن صح حديث نقض الوضوء من لحم الجزور قلت به، قال الإمام البيهقي في السنن الكبرى: وقد صح الحديث، فهو مذهب الشافعي فهذا يدل على أن الراجح -والله أعلم- أن لحم الجزور ينقض الوضوء.

    إذا ثبت هذا فهل المقصود باللحم كل الجزور شحمه ولحمه وكرشه وكبده وطحاله أم المقصود هو اللحم خاصة؟

    الجواب: هذه المسألة ليس فيها نص، فبعض أهل العلم يرى أن المقصود هو كل أجزاء الجزور؛ يقول: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذكر أكل لحم الجزور؛ فإنما خرج مخرج الغالب، قالوا: كما أن ربنا سبحانه وتعالى قال في تحريم أكل الخنزير: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [الأنعام:145]، ومن المعلوم أن المحرم من الخنزير هو لحمه وشحمه وجميع أجزائه، قالوا: فخرج اللحم مخرج الغالب، وكذلك لحم الجزور هنا، وهذه رواية عند الحنابلة.

    والرواية الأخرى عند الحنابلة وهي المذهب: أن العبرة باللحم لا بالجوف كالكبد وغيره.

    ولا شك أن هذه المسألة مشكلة حقيقة، ولهذا أقول: إن القول بأن الكبد أو الطحال أو غير ذلك ينقض الوضوء قول قوي، والأحوط بالإنسان أن يتوضأ منها، فإن لم يتوضأ فله سلف، وهو رواية في مذهب الحنابلة، وإن كنت أرى قول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : أن ذلك ينقض الوضوء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا فلنعلم أن العبرة هو بالأكل، لا بشرب المرق، فلو أن رجلاً طبخ لحم جزور، ثم جمع هذا الماء الذي هو من لحم الجزور وشربه، لم ينتقض وضوءه؛ لأن الشرب شيء والأكل شيء آخر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وبهذا نكون قد انتهينا من النواقض المختلف في حكمها، والراجح نقضه.

    مداخلة: الحديث الذي ورد بأن ( الإبل خلقت من الجن )، هل فيه دليل لمذهب الإمام أحمد في انتقاض الوضوء بلحمها؟

    الشيخ: بعض أهل العلم حاول أن يلتمس علةً للوضوء، فقالوا: لأنها خلقت من الجن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أرأيتم إلى هبوبها ونفورها إذا نفرت؟ )، وقال: ( إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش )، فقالوا: إن هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتوضأ.

    والمسألة تحتاج إلى إثبات يقيني، وليس فيها يقين، وقد ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية في الاختيارات، ولكن الذي يظهر لي والله أعلم أن الحكمة من حيث المقصد: هو أن الإبل لها حالة غير حالة الغنم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( غلظ القلوب والجفاء في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم )، فالإبل فيها غلظة، فلأجل هذا أراد الشارع ممن أكل لحم جزور أن يخفف ذلك بالوضوء حتى لا يقع منه ما يقع من تلك الإبل، ولهذا تجدون الذي يرعى الإبل ويهتم بالإبل فيه من الجفاء والغلظة، وفيه نوع من السبعية بسبب حركات الإبل وغلظها، فيتأثر بذلك خلقه، فإذا أكل زاد ذلك، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطفئ هذا بالوضوء، والمسألة -كما قلت- مسألة محتملة، وإلا فإن غاية الحكمة هي طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وهل يقال: إنها تعبدية؟

    الجواب: لا يلزم أن تكون تعبدية، بل الحكمة طاعة الله ورسوله، لكن ربما تكون تعبدية، وربما لا تكون كذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    غسل الميت

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا ندخل في القسم الثالث وهو نواقض الوضوء المختلف فيها، والراجح عدم النقض.

    الناقض السادس: غسل الميت.

    ذهب الحنابلة إلى أن غسل الميت ينقض الوضوء، واستدلوا بحديث ابن عمر : ( من غسل ميتاً فليتوضأ أو فليغتسل )، والراجح أن حديث ابن عمر ضعيف، ولا يصح في الباب حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأما حديث أبي هريرة : ( من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ )، فهذا حديث منكر، أنكره أبو داود والإمام أحمد وغير واحد من أهل العلم كالأئمة الكبار الذين يقتدى بفعلهم وأقوالهم في مسألة الجرح والتعديل.

    والصحيح كما روى عبد الرزاق ، أن ابن عباس : (سئل عن الرجل يغسل أنه يتوضأ منه؟ قال: أنجستم ميتكم)؟ فهذا يدل على أن الراجح خلاف مذهب الحنابلة، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية، وهو مذهب الحنفية والشافعية والمالكية إلى أن غسل الميت لا ينقض الوضوء، وعليه فالراجح أن غسل الميت لا ينقض الوضوء.

    ما أوجب الغسل

    الناقض السابع: قال بعض أهل العلم: كل ما أوجب غسلاً أوجب الوضوء، يقصدون بذلك كإسلام الكافر، وانتقال المني.

    أما إسلام الكافر فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن الكافر إذا أسلم يجب عليه أن يغتسل، يعني: أنه يكون محدثاً؛ لما جاء في حديث عبد الرزاق : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة بن أثال أن يغتسل )، والحديث أصله في الصحيحين وليس فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال.

    وحديث ثمامة قصته معروفة كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سريةً إلى نجد، وأمسكوا بـثمامة بن أثال ، فربطه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل عليه فقال: ما عندك يا ثمامة ؟ قال: يا محمد! عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل نعطك ما شئت، ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه من الغد فقال له: ما عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل ما شئت، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له صلى الله عليه وسلم: ما عندك يا ثمامة ؟ فقال مثل ما قال، فقال: أطلقوا سراح ثمامة ، ثم ذهب إلى حائط للأنصار فاغتسل ثم جاء، فقال: يا رسول الله! والله لقد كان دينك أبغض الأديان كلها إلي، ولقد أصبح دينك أحب الأديان كلها إلي.. ) الحديث، وليس فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالذي يظهر لي أن رواية الأمر بالغسل في حديث عبد الرزاق منكرة، والله أعلم.

    الحديث الآخر قالوا: لما روى أبو يعلى وغيره قالوا: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عمرو حينما أسلم أن يغتسل )، وهذا الحديث في سنده نكارة، ولو صح فإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم قيس بن عمرو لا يدل على الوجوب، بدليل أنه أسلم خلق كثير في فتح مكة، وفي الفتوحات التي قاتل فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم الكفار ومع ذلك لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أحداً إلا قيس بن عمرو ، فدل ذلك على أن أمره لـقيس بن عمرو دليل على الاستحباب.

    ولهذا فإن الذي يظهر لي -والله أعلم- وهو الراجح أن إسلام الكافر لا يوجب الغسل؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله.

    وقال بعض أهل العلم: إن كان قد أجنب فيجب عليه الغسل، وإن لم يكن أجنب فلا يجب، والذي يظهر لي والله أعلم أنه إن أسلم وهو حال جنابته الآن فإنه يجب عليه أن يغتسل، وأما إن كان قد أجنب فإن هذا لا يعلق به حكم، ولا يلزمه غسل، والله أعلم.

    فهذه مسألة الغسل، ولكنه إذا وجب عليه الغسل فقد دل على أنه ناقض من نواقض الوضوء.

    وانتقال المني.

    ومعناه أن الإنسان إذا داعب زوجته، وأحس بانتقال المني من صلب ظهره إلى مكان الإنزال ولم ينزل، فهل هذا الانتقال وهذه الحركة تدل على وجوب الوضوء؟

    ذهب الحنابلة إلى وجوب الوضوء، قالوا: لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، قالوا: والجنب هو الإبعاد، فدل ذلك على أن الماء قد أبعد من الصلب إلى انتقال، قالوا: فهذا الانتقال مثله مثل الخروج، هذا مذهب الحنابلة.

    والراجح -والله أعلم- هو مذهب جماهير أهل العلم على أن الحكم إنما هو معلق بالخروج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الماء من الماء )، فعلق الأمر بوجود المني لا بانتقاله، فدل ذلك على أن الحكم ليس بالانتقال، ولكنه بالخروج، والله أعلم.

    خروج النجاسة من الجسد

    الشيخ: الناقض الثامن عند بعضهم: وهو الخارج من الجسد من النجاسة، كالدم الخارج من الجسد، والقيح والصديد.

    فذهب الحنابلة إلى أن الدم إذا خرج من جسد الإنسان وفحش ولو من غير السبيلين، فإنه ينقض الوضوء، وعلى هذا فالذين يصابون بحادث مثلاً، وأصابهم نزيف، فإنهم على مذهب الحنابلة ينتقض وضوءهم.

    والراجح والله أعلم هو مذهب مالك و الشافعي ، واختيار أبي العباس بن تيمية أن خروج الشيء النجس كالدم لا ينقض الوضوء، وكذلك القيء لا ينقض الوضوء.

    وقد قلنا: إن القيء نجس عند الأئمة الأربعة، وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، والراجح في الدم أيضاً أنه نجس، فخروج هذا الدم وخروج هذا القيء النجس لا يدل على نقض الوضوء، وهذا -كما قلت- هو مذهب مالك و الشافعي ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على أئمة الإسلام، واستدلوا على ذلك فقالوا: بأن الصحابة كانوا يجرحون، ولم ينقل عنهم أنهم توضئوا، وقد جاء في ذلك حديث يرويه الدارقطني عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فلم يزد على أن غسل محاجمه )، وهذا الحديث حديث منكر.

    وأما مسألة القيء فقد جاء حديث رواه الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر. قال الراوي: فذهبت إلى ثوبان قال: صدق! أنا صببت له من وضوئه )، وهذا الحديث يقول الإمام أحمد : جوده حسين المعلم ، وهذا يدل على صحة هذا الحديث، ولكن الحديث يدل على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل لا يدل على الوجوب، فغاية ما فيه أن من قاء عمداً يستحب له الوضوء ولا يجب، وهذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلم.

    شرب لبن الإبل

    الشيخ: الناقض التاسع والأخير مما هو مختلف فيه والراجح عدم النقض: هو شرب لبن الإبل، فهل ينقض الوضوء؟

    نقول: عامة أهل العلم، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والمذهب عند الحنابلة على أن شرب حليب الإبل لا ينقض الوضوء.

    وأما ما جاء في حديث عند الإمام أحمد : ( توضئوا من ألبان الإبل )، فهذا الحديث في سنده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، وهو مع ضعفه يدلس في الحديث.

    فالصحيح أن حديث: ( توضئوا من ألبان الإبل ) ليس بصحيح، فدل ذلك على ترجيح قول عامة أهل العلم: أن شرب حليب الإبل لا ينقض الوضوء.

    وأما القول الآخر عند الحنابلة: فهو أنه ينقض، والصحيح أنه لا ينقض، وبذلك نكون قد انتهينا من نواقض الوضوء.

    1.   

    مسائل متعلقة بالمحدث

    الشيخ: بعد أن انتهينا من نواقض الوضوء ندلف الآن إلى بعض الأحكام المتعلقة بالمحدث؛ وفيه مسائل:

    مس المصحف للمحدث

    الشيخ: المسألة الأولى: ما حكم مس المصحف والإنسان محدث؟

    الجواب: اختلف العلماء في ذلك على قولين: فذهب الأئمة الأربعة إلى أن مس المصحف حال الحدث لا يجوز، واستدلوا بثلاثة أحاديث:

    الحديث الأول: ما رواه مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن الكتاب الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لـعمرو بن حزم وهو في اليمن، وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر)، وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم قالوا: لأنه كتاب وليس له إسناد.

    والصحيح أن هذا الحديث كما يقول أبو عمر بن عبد البر : تلقته الأمة بالقبول فاستغني عن إسناده، فحديث عمرو بن حزم فيه كتاب، والكتاب يسمى عند أهل الحديث وجادة، والكتاب موجود، إلا أن عمرو بن حزم حينما مات وهو صحابي رضي الله عنه جاء أبناؤه فوجدوا هذا الكتاب الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم وفيه الديات، وفيه بعض المسائل، فوجدوا فيه (ألا يمس القرآن إلا طاهر).

    فدل ذلك على أن الإنسان لا يجوز له أن يمس القرآن إلا وهو طاهر، قال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث لو صح فإنه لا يحمل على طهارة الحدث الأصغر، إنما المقصود به طهارة الحدث الأكبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل هذا الكتاب إلى أهل اليمن وفيهم النصارى.

    والجواب على هذا أن نقول: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (طاهر) لفظ مشترك، يحتمل الطهارة الصغرى، ويحتمل الطهارة الكبرى، ويحتمل الطهارة المعنوية وهي طهارة الإسلام، والقاعدة في هذا: أن اللفظ المشترك إذا أمكن حمله على جميع معانيه من غير تضاد فإن جمهور الأصوليين والفقهاء يرون جواز حمله على جميع معانيه، أما إذا لم يمكن حمله على جميع معانيه كالقرء فلا بد من الترجيح.

    فالقرء هو إما الطهر وإما الحيض، فلا يمكن أن تقول: القرء يمكن أن يكون حيضاً، ويمكن أن يكون طهراً؛ لأن أحدهما مناقض للآخر.

    فإذا كان شيء من الألفاظ المشتركة يمكن حمله على جميع معانيه، فإن جمهور الأصوليين يرون أن ما أمكن حمله على جميع معانيه من الألفاظ المشتركة فهو حجة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الحديث الثاني: حديث رواه الحاكم عن حكيم بن حزام ، وقد قواه الحازمي في كتاب الاعتبار، وحسن إسناده، وإن كان بعض أهل العلم يضعفه.

    الحديث الثالث: حديث ابن عمر : (ألا يمس القرآن إلا طاهر)، وقد حسنه بعض أهل العلم كـالجوزقاني ، ولكن البيهقي ضعف حديث ابن عمر ، ولكني أقول: حديث ابن عمر ، وحديث حكيم بن حزام ، وحديث عمرو بن حزم -وهو وجادة- يدل على ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من أنه لا يجوز مس المصحف إلا لطاهر.

    وأما آية: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] فالمقصود بها الملائكة. ويقول أبو العباس بن تيمية : فكون الملائكة لا تمس اللوح المحفوظ إلا وهي طاهرة؛ فإن الملائكة لا يحصل منهم حدث قال: ودلالة الإيماء تدل على أن المسلم أولى بأن يكون مخاطباً في هذا، والله أعلى وأعلم.

    وخالف في ذلك ابن حزم فقال رحمه الله ورضي عنه: إنه لا بأس بمس المصحف، وهو اختيار الشوكاني، والراجح أن مس المصحف لا يجوز، والله أعلم.

    إذا ثبت هذا فما المقصود بالمصحف: هل المصحف هو الجلدة الحافظة له أم هي الحروف والكتابات؟

    الجواب: أولاً: الحروف والكتابات لا يجوز مسها باتفاق الأئمة الأربعة.

    وأما الجلدة فبعض أهل العلم يقول: كل جلدة قد استمسكت بالقرآن بحيث لا تنفك عنه فلا ينبغي أن تمس إلا بحائل، يقولون: لأن هذا أصبح حكمه كحكم المصحف؛ لأنه لا ينفك عنه، وهذا أحوط إبقاءً على كرامة المصحف.

    وبعض أهل العلم يرى أن العبرة إنما هي بالأحرف والورق الموجود فيها الكتابة، ولا شك أن الورق الموجود فيه الكتابة هو الأصل، ولكن أيضاً ينبغي للإنسان ألا يمس المصحف إلا طاهراً، أو أن يجعل بينه وبينه حائلاً، وعلى هذا فالحائض إذا أرادت أن تقرأ فإنها تلبس القفازين وتقرأ.

    قراءة القرآن للجنب

    الشيخ: المسألة الأخرى: هي مسألة قراءة المصحف للجنب، أي: هل الجنب يقرأ القرآن أم لا؟

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور أهل العلم وهو وقول عمر بن الخطاب كما رواه عبد الرزاق في مصنفه، وقد صح عن علي رضي الله عنه إلى أن الجنب لا يقرأ القرآن، وقد جاء في ذلك حديث رواه عبد الله بن سلمة ، عن أبي الغريف ، عن علي بن أبي طالب أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجزه عن القراءة شيء ليس الجنابة ).

    وفي رواية: ( أن علياً خرج على أصحابه وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج علينا وقرأ القرآن قال: هكذا إلا الجنابة، أما الجنابة فلا ولا آية )، وهذا الحديث تكلم فيه، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن الحديث إلى الحسن أقرب، ومما يدل عليه فعل علي رضي الله عنه، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع.

    وذهب ابن حزم رحمه الله إلى أن الجنب لا بأس أن يقرأ القرآن، وهو ظاهر صنيع البخاري .

    واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قول الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ [آل عمران:64]، فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل ، ومن المعلوم أن هرقل سوف يقرأ هذا، فدل ذلك على أنه لا بأس بقراءة القرآن للجنب.

    والذي يظهر لي والله أعلم أنه ليس هناك أحاديث صحيحة قوية، ولكن قول الصحابيين: علي بن أبي طالب و عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وقد صح ذلك عنهما، وهو أولى بالأخذ عنهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أهل السنن: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور )، فهذا يدل على هذا الأمر.

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب ابن حزم ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، ولكن الذي يظهر لي -والله أعلم- وهو الأحوط؛ أن الجنب لا يقرأ القرآن؛ وذلك لأنه قادر على أن يزيل هذا المانع -وهو الحدث الأكبر- بأن يغتسل، والله أعلم.

    قراءة الحائض للقرآن

    الشيخ: أما الحائض فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر رحمه الله أن مذهب أكثر الفقهاء أن الحائض لا تقرأ القرآن.

    والقول الثاني في المسألة: أن الحائض لا بأس أن تقرأ القرآن، ولعل هذا القول أظهر؛ وذلك لأمور:

    أولاً: أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة، من ذلك ما يرويه إسماعيل بن عياش، عن أيوب، عن نافع ، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( إني لا أحل القرآن لحائض ولا جنب )، فهذا حديث ضعيف، يقول أبو العباس ابن تيمية : هو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

    الثاني: أن الصحابيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن تسع، وهن القانتات التائبات، العابدات، السائحات، كن يصبن بالحيض، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهن أن يقرأن شيئاً من القرآن، ويبعد أن تجلس الواحدة خمسة أيام أو ستة أيام أو سبعة أيام لا تقرأ شيئاً، ولو كان شيء ثابت لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، فلما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم رجعنا إلى البراءة الأصلية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، وهذا القول أظهر.

    وبهذا نقول للأخوات اللاتي يدرسن في الامتحانات: لا بأس أن تقرأ المرأة وهي حائض؛ لأنه لم يرد دليل على المنع.

    والأصل أن الجنب يختلف عن الحائض، فالحائض حيضها ليس بيدها، ورفعه ليس بيدها، أما الجنب فهذا كله بيده، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    من تيقن الحدث وشك في الطهارة أو العكس

    الشيخ: هناك مسألة أخرى، وهي مسألة: من تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقن الطهارة وشك في الحدث، فما الأصل؟

    نقول: الأصل هو أن يبني على اليقين، فإذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فالأصل أنه محدث، وإذا تيقن الطهارة وشك في الحدث فالأصل أنه طاهر.

    ولو أنه تيقن الطهارة وشك في الحدث، فإننا نقول: إنه طاهر، فإذا صلى ثم أخبر بعد ذلك أن ظنه أن الأصل الطهارة خطأ، بدليل أنه قد أكل لحم جزور قبل ذلك، فنقول: حينئذ يجب عليه أن يعيد الصلاة، لأن هذا ليس جهلاً بالحكم، ولكنه جهل بواقع الحال.

    والفرق بين الجهل بالحكم والجهل بواقع الحال أن الجهل بواقع الحال لا يعذر صاحبه من حيث عدم الإعادة، بل يجب عليه أن يعيد، وأما الجهل بالحكم فإن الراجح أنه لا يجب عليه أن يعيد إلا إذا كان في الوقت، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأسئلة

    من مسح الخف أو الجوارب ثم نزعهما ليغيرهما

    السؤال: هذا من السعودية يقول: السلام عليكم شيخنا الفاضل! سعدنا بعودتكم -بارك الله فيك- عندي سؤال: إن فعل المسح ثم نزع ليغير الجوارب، فما الحكم؟

    الجواب: نقول: إذا كان قد غسل رجله، ثم لبس الخف، أو لبس الجوارب، ثم نزع، فنقول: إلى الآن هو طاهر، لأن وجود الخف أو نزعه لم يعلق به حكم بعد، لكنه لو أحدث ثم خلع فلا يسوغ له أن يعيد مرةً ثانية.

    على كل حال نقول: إذا كان قد غسل رجله ثم لبس الخف أو لبس الجوارب ثم نزعها ولم يحدث، فإننا نقول: له أن يغير الخف مرةً ثانية.

    من مسح على خف ثم نزعه ولبس غيره وهو على طهارة

    السؤال: ما حكم من مسح على الخف الأول، ثم لبس الثاني وهو لا يزال على طهارة؟

    الجواب: نقول: إن كانت الطهارة طهارة مسح فله أن يلبس، لكن لا يمسح على الثاني، وإن كانت الطهارة الأولى طهارة غسل ثم لبس الخف وهو ما زال طاهراً لم يحدث فله أن يلبس الخف الثاني، ويمسح على الثاني، ويكون الحكم معلقاً بالمسح على الثاني، والله أعلم.

    من لبس الجورب الثاني ونزعه وهو على طهارة

    السؤال: ما حكم من لبس الجورب الثاني ونزعه -أي الثاني- وهو لا يزال على طهارته؟

    الجواب: ذكرنا الخلاف وقلنا: إن من نزع خفه فإن الذي يظهر -وهو مذهب الشافعية والحنابلة- أنه ينتقض وضوءه، وهذا هو الأحوط لإبراء الإنسان ذمته، وخروجه من عهدة الطلب بيقين.

    1.   

    خاتمة البرنامج

    الشيخ: ونستسمح الإخوة في عدم إمكانية قراءة هذه الأسئلة؛ لأن الوقت قد داهمنا، فلم نستطع أن نكمل قراءة هذه الأسئلة، وفي يوم الأحد إن شاء الله الساعة التاسعة نكمل ما بعد باب نواقض الوضوء، وهو باب الغسل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على طاعته.

    وإلى ذلكم الحين نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وإلى لقاء يتجدد معكم بإذن الله.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954884