إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [15]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هي أكمل الصلوات وأفضلها، فينبغي تتبع الأحاديث التي نقلتها لنا، لنعرف الصحيح في صفة خروره إلى السجود وقيامه منه إلى الركعة التالية، وصفة جلوسه بين السجدتين وفي التشهد، وما يقرأ من الأذكار والأدعية، وصفة التحلل من الصلاة وغير ذلك.

    1.   

    أفعال الصلاة من النزول للسجود إلى الجلوس للتشهد

    صفة النزول من القيام إلى السجود في الصلاة

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

    أسعد الله مساءكم بكل خير وخيرات، ومسرة وبركات، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم ربي فيمن عنده في الملأ الأعلى.

    أيها الإخوة والأخوات! كنا قد وصلنا في شرحنا لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد السجدة الثانية، وكنا ذكرنا بعض المسائل وقلنا: نرجئها إن شاء الله إلى حلقة قادمة، ولعلنا نذكرها في هذه الحلقة.

    فمن المسائل أيها الإخوة! مسألة الخرور من القيام إلى السجود، هل يقدم ركبتيه أم يقدم يديه؟

    وهذه المسألة اختلف أهل العلم فيها، والكلام فيها معلوم معروف عند الأئمة رحمهم الله، وبادئ ذي بدء فلا بد من البيان أن الأئمة رحمهم الله اتفقوا على أن الإنسان سواء قدم يديه أو قدم ركبتيه فكل ذلك جائز، وإنما الخلاف في الأفضلية، كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

    إذا ثبت هذا فإن جماهير أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا: إن الأفضل في حق المصلي أن يقدم ركبتيه قبل يديه، فإن قدم يديه قبل ركبتيه فجائز، لكن الأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه.

    وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن الأفضل أن يقدم يديه قبل ركبتيه.

    وبالمناسبة فإن كل الأحاديث الواردة في تقديم الركبتين على اليدين، أو الواردة في تقديم اليدين على الركبتين أحاديث لم تصح مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    فأما أحاديث تقديم الركبتين على اليدين فمنها ما رواه شريك القاضي ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خر قدم ركبتيه قبل يديه )، وهذا الحديث صححه بعض المتأخرين، والراجح أن الحديث ضعيف؛ وذلك لأن شريك بن عبد الله القاضي اختلط حينما تولى القضاء، وتفرد بهذا الحديث، كما ذكر ذلك الإمام البخاري و الدارقطني و أبو داود وغيرهم، وعلى هذا فالحديث لا يصح مرفوعاً.

    وجاء له شاهد من حديث أنس بن مالك ، وفي سنده ضعف، فإن الحديث جاء من طريق رجل يقال له: إسماعيل المكي ، وحديثه ضعيف.

    أما أحاديث تقديم اليدين على الركبتين فمنها ما جاء عند أبي داود وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه ).

    وهذا الحديث يرويه عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن الهاشمي ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، وهذا الحديث صححه بعض المتأخرين، وأكثر أهل الحديث على تضعيفه، فإن البخاري رحمه الله ذكره في التاريخ الكبير، وقال: تفرد به عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، ولا يصح سماع عبد العزيز عن محمد ، ولا محمد عن أبي الزناد ، فـالبخاري ضعفه من ثلاثة وجوه:

    الأول: تفرد عبد العزيز بن محمد الدراوردي .

    الثاني: أنه لا يعرف سماع عبد العزيز من محمد .

    الثالث: لا يعرف سماع محمد بن عبد الله بن الحسن ، من أبي الزناد .

    فدل ذلك على أن الحديث منقطع.

    ثم إن ابن القيم رحمه الله أشار إلى أن الحديث مقلوب على الرواة، والصحيح في بروك البعير أنه يقدم يديه؛ لأن ركبة البعير في يديه، فقال: ( لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع ركبتيه قبل يديه )؛ لأن ركبة البعير كانت في اليدين في مقدم جسمه، فقال ابن القيم : إن الحديث مقلوب، والصحيح: ( لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع ركبتيه قبل يديه ).

    وأنت ترى أن هذه الأحاديث كلها ضعيفة، لكن أهل العلم قالوا: إن الأقرب تقديم الركبتين؛ لأنه قد صح ذلك عن عمر ، كما روى الطحاوي ، عن إبراهيم النخعي ، عن أصحاب عبد الله بن مسعود : علقمة و الأسود أنهما قالا: حفظنا عن عمر -يعني: ابن الخطاب - أنه كان إذا خر ساجداً قدم ركبتيه قبل يديه، كما يخر البعير، وهذا ثابت عن عمر .

    وأما مالك بن أنس فإنما استدل بفعل ابن عمر ، فقد روى عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه، أنه ( كان يقدم يديه قبل ركبتيه )، والذي يظهر والله أعلم أن عبد الله بن عمر روي عنه من وجهين: روي عنه تقديم الركبتين قبل اليدين، وروي عنه تقديم اليدين قبل الركبتين، وإن كان تقديم اليدين قبل الركبتين أصح عنه.

    والذي يظهر أن ابن عمر إنما صنع ذلك؛ لأنه كان قد كبر سنه، و عبد الله بن عبد الله بن عمر لم يرو عن والده إلا بعدما أسن، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أن الأقرب تقديم الركبتين قبل اليدين لفعل عمر رضي الله عنه؛ ولأن هذا هو الأظهر وهو الأقرب من حال المصلي، فإن المصلي لو أراد أن يقدم يديه قبل ركبتيه لكانت حالته على غير الحالة الطبيعية، هذه مسألة.

    من الأذكار المشروعة في الركوع والسجود

    الشيخ: المسألة الأخرى: سبق أن ذكرت لكم أن الإنسان يقول في ركوعه: ( اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعصبي )، وقلت: إن هذا الحديث وارد، ويحتاج إلى التأكد من إسناده، وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك إذا ركع، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين )، وهذا يدل على أن هذا الذكر مشروع في الركوع والسجود.

    جلسة الاستراحة

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة والأخوات! فإن من المسائل أيضاً أنه إذا أراد أن يقوم من السجدة الثانية إلى الركعة الثانية هل يجلس جلسة الاستراحة أم لا يجلس؟

    ومعنى جلسة الاستراحة: أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فإنه يجلس كأنه في التشهد الأول، أو كأنه بين السجدتين، فيفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، فهل هذا وارد أم لا؟

    خلاف بين أهل العلم:

    فذهب الشافعي إلى استحباب ذلك.

    وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم استحبابه، وهو مذهب الحنفية والحنابلة والمالكية، فذهبوا إلى عدم استحباب جلسة الاستراحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله لأجل أنه كبر سنه؛ لأن مالك بن الحويرث إنما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره.

    والحديث الوارد في ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث مالك بن الحويرث أنه قال: ( حتى إذا كان في وتر من صلاته جلس صلى الله عليه وسلم جلسةً يسيرة ثم قام )، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذه الفعلة، وقد جلس مالك بن الحويرث أكثر من عشرة أيام، وقال لهم صلى الله عليه وسلم حينما كان مالك بن الحويرث يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك قال: ( لعلكم اشتقتم إلى أهليكم، فقلنا: نعم، قال: اذهبوا إلى أهليكم فعلموهم، وإذا حضرت الصلاة فصلوا كما رأيتموني أصلي، وليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً )، وفي رواية: ( وليؤمكم أكبركم )، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا مثل فعله، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا هذه الجلسة لأنني كبير؛ ولهذا فالذي يظهر والله أعلم هو ما اختاره بعض أهل الحديث؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه أنه كان لا يجلس، وروي عنه أنه كان يجلس.

    فالسنة هي أن يفعل ذلك أحياناً وهذا أحياناً، فإن فعلها دائماً فقد خالف السنة التي لم يكن يفعلها، يعني: لم يكن يجلس، وإن داوم على عدم الجلوس فإنه خالف سنة أنه كان يجلس، ولهذا كان الأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة.

    أما المأموم فإذا كان إمامه لم يجلس جلسة الاستراحة؛ فإن الذي يظهر والله أعلم ألا يجلس المأموم لأجل ألا يخالفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه )، ولعل هذا من الاختلاف.

    فإن الاختلاف ينقسم إلى قسمين: اختلاف في الأفعال الواجبة، واختلاف في الأفعال المستحبة، وكلاهما مقصود، فمن الأفضل ألا يتأخر المأموم عن إمامه، فإن فعل الإمام فلا حرج أن يفعل المأموم ذلك، وإن ترك فلا حرج أن يترك ذلك؛ لأن ذلك إنما هي متابعة في السنة، ومتابعة المأموم إمامه في السنة أفضل إذا كان ذلك موطناً لذلك.

    صفة القيام إلى الركعة الثانية

    الشيخ: ثم إن ثمة مسألة: إذا قام هل يعتمد على الأرض أم يعتمد على صدور قدميه؟

    اختلف العلماء في ذلك، والذي يظهر والله أعلم أنه إنما يعتمد على الأرض إذا جلس جلسة الاستراحة؛ لأن في حديث مالك بن الحويرث : ( ووضع يده على الأرض )، فهذا يدل على أنه يضع يده على الأرض إن كان قد جلس جلسة الاستراحة.

    وإن لم يكن قد جلس جلسة الاستراحة فإن الأفضل في حقه أن يعتمد على صدور قدميه كما صح ذلك عن ابن مسعود ، وروي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر ، ولكنه لا يفرح به، فهو حديث ضعيف، أعني: حديث وائل بن حجر : ( أنه كان إذا نهض إلى الصلاة نهض على صدور قدميه )، فهذا حديث ضعيف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وعلى هذا فإذا أراد أن يقوم فإننا نقول: إن كان قد جلس جلسة الاستراحة فيعتمد على يديه، ثم يعتمد بعد ذلك على صدور قدميه وركبتيه، وإن لم يكن جلس فإنما يعتمد على ركبتيه وصدور قدميه كما صح ذلك عن ابن مسعود ، وبذلك تأتلف وتجتمع الأحاديث والآثار، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ما تخالف فيه الركعة الثانية الركعة الأولى

    الشيخ: ومن المسائل أيها الإخوة! أيضاً: ما قال العلماء رحمهم الله: أنه إذا قام إلى الثانية فإنه يصنع مثل ما صنع في الأولى إلا في ثلاثة أشياء، يعني: إذا قام المصلي إلى الركعة الثانية فإنه يصنع مثل ما كان قد صنع في الركعة الأولى إلا في ثلاثة أشياء:

    الشيء الأول: تكبيرة الإحرام، فإن تكبيرة الإحرام إنما تفعل مرة واحدة، وبالتالي فلا يشرع للمأموم أو الإمام أن يكبر تكبيرةً إذا استتم قائماً؛ لأن تكبيرة الانتقال من سجوده إلى قيامه كافية في ذلك، وإن فعل فإنما ذكر لفظاً مشروعاً في غير محله، وهذا غير مشروع.

    الشيء الأمر الثاني: ألا يستفتح، فإن استفتاح الصلاة إنما هو مشروع في الركعة الأولى، وعلى هذا فلا يشرع للمصلي سواء كان إماماً أو منفرداً أو مأموماً أن يستفتح الصلاة.

    الشيء الثالث: ذهب الحنابلة والحنفية إلى أنه لا يتعوذ، وقالوا: إن التعوذ إنما هو في الركعة الأولى؛ لأن الصلاة تسبيح وتحميد وتكبير، فلم يكن ثمة انقطاع، مثل: لو قرأ الإنسان القرآن ثم ذكر الله ودعا وسبح وهلل إذا مر بآية تسبيح؛ فإنه لا يشرع له أن يقول مرةً ثانية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فكذلك إذا كبر أو ركع أو سجد؛ لأن ذلك عبادة وهو نوع من التسبيح.

    وذهب الشافعي و ابن حزم وهو اختيار أبي العباس إلى أنه يشرع للإنسان أن يتعوذ في كل ركعة، بل بالغ ابن حزم فقال: واجب عليه أن يتعوذ عند قراءة كل ركعة، ومن المعلوم أن الإنسان يقرأ القرآن في الركعة الثانية والثالثة والرابعة.

    ولكن الراجح هو استحباب أن يتعوذ؛ لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وقال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]، فدل ذلك على أن الإنسان يستحب له أن يتعوذ بالله إذا قرأ القرآن، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مواضع رفع اليدين في الصلاة

    الشيخ: ومن المسائل أيها الإخوة: أنه إذا جلس في التشهد الأول وأراد أن ينهض إلى الثالثة فإنه يستحب له أن يرفع يديه، إما إلى حذو منكبيه، وإما إلى فروع أذنيه، ولم يستحب ذلك الحنابلة؛ لأنه جاء عند البخاري من حديث ابن عمر أنه ذكر ثلاثة مواضع:

    الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.

    الموضع الثاني: عند الركوع.

    الموضع الثالث: عند الرفع من الركوع.

    ولكن جاء عنه: ( وكان يفعل ذلك إذا قام من الثنتين بعد الجلوس )، وهذا يدل على أن ابن عمر إنما لم يذكر ذلك عند البخاري ؛ لأنه ذكره مختصراً، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أنه يرفع في أربعة مواطن.

    وهل يرفع يديه إذا أراد أن يسجد؟ يعني: إذا جلس وهو قائم قال: الله أكبر ثم سجد، فإذا أراد أن يرفع من السجود قال: الله أكبر، فهل يرفع يديه؟

    ذكر بعض أهل العلم أنه يستحب له أن يرفع؛ استدلالاً بحديث: ( أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع )، من حديث ابن مسعود ، ولكن الحديث ضعيف، والصواب أن الحديث: ( أنه كان يكبر في كل خفض ورفع )، فخلط ذلك الراوي، فبدلاً من أن يقول: (كان يكبر)، قال: (كان يرفع)، ولكن ابن الزبير كان يصنع ذلك، كما روى البيهقي وغيره.

    والراجح والله أعلم أنه لا يستحب فعل ذلك.

    فإن قال قائل: ابن عمر لم يذكر ذلك، و عبد الله بن الزبير فعل ذلك، ألا يقال: بأن المثبت مقدم على النافي؟ فـابن عمر ناف، وغيره مثبت؟

    فالجواب على ذلك أن يقال: ليس كل مثبت مقدماً على النافي على الإطلاق، فإن النافي إن كان قد نفى عن علم فإنه نفيه عن علم يكون بمثابة الإثبات، كما حكى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولهذا كان يقول ابن عمر : ( ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود )، فهو دليل على أن ابن عمر إنما نفى فعل النبي صلى الله عليه وسلم عن علم، وعلى هذا فالسنة ألا يرفع يديه في سجوده، ولا عند الرفع من السجود، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    موضع التورك وخلاف العلماء فيه

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه إذا جلس في التشهد الأول مثل: صلاة الفجر، أو صلاة المغرب، أو صلاة العصر، أو العشاء، أو الظهر فإن الراجح في هذه السنة أن يجلس على اليسرى، وينصب اليمنى؛ لقول أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: ( فلما جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى )، وفي حديث عائشة : ( وكان إذا جلس نصب رجله اليمنى، وفرش رجله اليسرى، وجلس عليها )، والحديث رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، هذه هي السنة.

    وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يتورك كما هو مذهب مالك .

    وذهب الشافعي إلى أنه لا يتورك إلا إذا كان في تشهد يعقبه سلام، فـالشافعي لا يرى التورك إلا في تشهد يعقبه سلام، فيتورك عند الشافعي في التشهد الأول في صلاة الفجر، أو في التطوعات التي هي ركعتان.

    أما أبو حنيفة فلا يرى التورك أصلاً، فإنه يرى أن يجلس على اليسرى وينصب اليمنى.

    أما الحنابلة فإنهم قالوا: لا يتورك إلا إذا كان في الصلاة تشهدان، فيتورك في التشهد الثاني، وأما إذا كان في الصلاة تشهد واحد فإن السنة أن يجلس على اليسرى وينصب اليمنى؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( في كل ركعتين التحية، وكان يجلس على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى )، ولعل مذهب الحنابلة أصح من مذهب مالك ، وأقوى من مذهب الشافعي ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    التشهد.. صفته والأحكام المتعلقة به

    صفة وضع اليدين في جلوس التشهد

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن السنة في التشهد الأول إما أن يقبض بيده اليسرى ركبته اليسرى وإما أن يبسط كفه اليسرى، ويبسطها على فخذه اليسرى.

    وأما اليد اليمنى في التشهد فإن السنة فيها أمران: إما أن يقبض أصابعه ويشير بالسبابة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الزبير : ( فقبض يده اليمنى وأشار بإصبعه )، هذه صورة.

    الصورة الثانية: أن يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق بين إبهامه والوسطى، ويشير بإصبعه، ويضع يده على فخذه.

    والإشارة بالإصبع لا يشترط أن يحركها؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه يحركها، أو أنه لا يحركها.

    فأما رواية (أنه يحركها) فهي رواية ضعيفة، تفرد بها رجل يقال له: زائدة بن قدامة ، عن عاصم بن كليب من حديث وائل بن حجر .

    وأما رواية: (لا يحركها)، فقد تفرد بها زهير بن معاوية أبو خيثمة ، عن عاصم ، وأكثر الرواة كـسفيان و أبي عوانة ، وأكثر من اثني عشر راوياً لم يذكروا لفظة: (يحركها) أو (لا يحركها)، فدل ذلك على أن ما جاء في صحيح مسلم : ( يشير بها )، أن الإشارة هي عدم التحريك، فأنت إذا أشرت إلى شخص تقول: هذا هو، من غير تحريك.

    وعلى هذا فالسنة ألا يرفع إصبعه إلا إذا كان موطن دعاء؛ لقول ابن عمر كما عند مسلم : ( ويشير بإصبعه يدعو بها ).

    فالدعاء في التحيات أن يقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك، فيبدأ في الرفع ويستمر في الرفع؛ لأنه موطن دعاء، فيستمر في الرفع حتى إذا أراد أن يسلم فإنه ينزل إصبعه، وبالتالي يكون أشار بإصبعه.

    والإشارة من باب التقرب إلى الله، وليس ذلك من باب التعنت، فإن فعل الإنسان فلا حرج، ولكننا لا نفعل من باب التقيد بالسنة، ولهذا قال أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولم يأمرهم بذلك خشية أن يظن بعض الناس أن ذلك واجب، فيقع على المسلمين حرج وعنت، ولكنه قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، فمنهم من يلاحظ سنةً، ومنهم من لا يلاحظ.

    ونحن في هذا من باب الفائدة والاستزادة للعلم نقول: يشير بإصبعه ويحنيها شيئاً؛ لما روى عصام بن قدامة عن مالك النميري عن أبيه، كما عند النسائي بسند جيد أنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة رفع إصبعه وقد حناها شيئاً )، يعني: شيئاً بسيطاً، فلا ينصبها نصباً، ولا يحنيها انحناءً كبيراً، ولكن حناها شيئاً بسيطاً.

    ويستقبل بها القبلة، كما روى ذلك ابن خزيمة من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

    واعلم أن رفع الإصبع في الصلاة فيه فضيلة، ولهذا ( لما رأى صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص يرفع الإصبعين اليمين واليسار قال: أحد أحد، فوالذي نفسي بيده لهي أشد على إبليس من جبل أحد )، وهذا يدل على أن الإنسان إذا رفع السبابة فإن فيه فضيلة عظيمة، ولو لم يكن فيها إلا إرغاماً لإبليس والشيطان لكفى بذلك فضيلة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    التشهد المشروع وأفضل الصيغ الواردة فيه

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه إذا جلس في التشهد فإنه واجب عليه أن يقرأ التحيات سراً بينه وبين نفسه، فيقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، وقد جاءت أحاديث في ذكر التحيات على ثلاث صفات:

    حديث ابن مسعود وهو: ( التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )، والحديث في الصحيحين.

    والحديث الآخر يرويه أهل السنن من حديث عمر بن الخطاب : ( التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله ) ثم يذكر مثل حديث ابن مسعود ، وهذا سنة.

    الحديث الثالث: حديث ابن عباس : (التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله).

    فهي ثلاث سنن، وقد جاء في حديث عائشة وحديث أبي موسى مثلها، ولكنها لا تختلف عن هذه، فذكر أبو حنيفة و أحمد أن أفضل الأذكار في التشهد حديث ابن مسعود ، وهو ( التحيات لله، الصلوات لله ) وهذا القول الأول.

    القول الثاني: قول الشافعي فإنه استحب رواية ابن عباس : ( التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله ).

    القول الثالث: مذهب مالك استحب رواية عمر ؛ لأنه قاله على ملأ من الصحابة.

    والراجح كما مر معنا أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة فالسنة أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وقال مرة على رواية ابن مسعود : ( التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك )، وقال مرةً على رواية عمر : ( التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك )، وقال مرة على رواية ابن عباس : ( التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله ).

    وهذا يدل على أن هذه تفعل مرة، وهذه مرة؛ لأن ذلك أدعى لموافقة السنة؛ ولأن ذلك أدعى للخشوع، فإن الإنسان إذا عود لسانه على ذكر معين فلربما قاله من غير تعقل، ومن غير استحضار، ولا شك أن العبادة والصلاة التي يستحضرها الإنسان منذ دخوله إلى خروجه يغفر له بها ذنبه، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه، غفر الله له ذنوبه )، وهذا يدل على أفضلية الخشوع، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وقد مر معك أن رفع الإصبع بين السجدتين لا يشرع، وأن الرواية الواردة في هذا يرويها عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، وقد تفرد بها عبد الرزاق عن سائر الرواة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه إذا كان في التشهد فهل يقول في التشهد الأول: اللهم صل على محمد أم يكتفي بالتحيات فقط؟ قولان لأهل العلم:

    الجواب: ذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول والثاني، وهذا رواية عند الإمام أحمد ، قالوا: فإن الصحابة قالوا: ( يا رسول الله! أمرنا الله أن نسلم عليك في صلاتنا، فكيف نصلي عليك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.. ) الحديث.

    فاستحب الشافعي أن تقال الصلاة على النبي في التشهد الأول، وتقال في التشهد الثاني، وهي رواية عن الإمام أحمد .

    والقول الثاني: المستحب أن تقرأ التحيات فقط دون الصلاة، إلا إذا أطال الإمام فالمشروع في حق المأموم أن يصلي ولا يسكت؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت مطلق، ولعل هذا القول أظهر.

    ومما يقوي أن الإنسان يقتصر على التحيات فقط ما رواه النسائي من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن عبد الله بن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في التشهد كأنما هو على الرضف )، ومعنى الرضف: الحجارة الحارة، أو الحجارة المحماة، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر ويقلل من الجلوس في التشهد الأول، وهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم وقالوا: إن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، ولهذا قالوا: إنه منقطع، والصحيح ما قاله علي بن المديني ، و يعقوب بن سفيان ، و ابن رجب ، و أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن كل رواية يرويها أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه، فإنما رواها عن أصحاب عبد الله بن مسعود الكبار، وهذا يدل على أنه إذا علم الواسطة بين الراوي وبين شيخه، ولو كان لم يسمع منه، فإنه يصحح بذلك الحديث، ومن المعلوم أن أصحاب عبد الله بن مسعود كلهم ثقات أفذاذ، كـعلقمة ، و الأسود ، و أبي وائل ، وغيرهم كثيرون من أصحاب ابن مسعود الكبار الحفاظ، وهذا يدل على أن رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود رواية صحيحة.

    ومما يدل على أنه يقرأ التحيات فقط ما رواه ابن خزيمة ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ( أنه كان إذا جلس في التشهد قال: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم قام )، وهذا تفسير لرواية ابن مسعود ؛ أن الأفضل أن يقرأ التحيات فقط دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول.

    ومما يدل على ذلك ما رواه البيهقي ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (أنه كان إذا جلس في التشهد الأول كأنما هو على الرضف)، كما جاء في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن هذه سنة الخلفاء الراشدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ).

    وهذا يدل على أن الأفضل أن الإنسان يقرأ في التشهد الأول التحيات فقط دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

    أما إذا كان مأموماً وتأخر إمامه فلا يسكت، بل إن الأفضل في حقه أن يقول: اللهم صل على محمد؛ لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أن يدعو لنفسه.

    فإن دعا لنفسه فلا حرج؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قعد أحدكم للتشهد فليقل: التحيات لله، الصلوات والطيبات، وفي آخر قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليدع بما شاء )، وفي رواية البخاري : ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه )، وهذا يدل على أنه لو دعا فهو جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير

    الشيخ: وأما إذا كان في التشهد الأخير فإن المشروع في حقه أن يقرأ التحيات لله، ثم بعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف نذكر إن شاء الله في واجبات الصلاة أو أركانها، هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة أم لا؟ فالذي يظهر لنا إن شاء الله هو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية، وهو أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وليست بواجبة.

    والقول الثاني هو رواية عند الحنابلة وأحد قولي الشافعي : أن ذلك واجب.

    والقول الثالث: أن ذلك ركن، كما هو اختيار الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى على الجميع.

    ولعل الأظهر أنها سنة؛ لأنه لم يدل على الوجوب حديث صحيح، وإنما الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه في غير الصلاة.

    وأما حديث: ( فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟ )، فهي رواية رواها البخاري و مسلم من غير هذه الزيادة، ورواها ابن خزيمة بزيادة (في صلاتنا)، فالمقصود في دعائنا، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ومما يدل على عدم الوجوب أن القائلين بالوجوب قالوا: لو قال: اللهم صل على محمد واكتفى صحت صلاته، قلنا: إذا كان هذا يكفي فيلزمكم أن تقولوا: بأن الصلاة الإبراهيمية هي الواجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الدعاء المشروع بعد التشهد الأخير

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإنه إذا جلس في التشهد الأخير وقرأ التحيات ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يشرع في حقه أن يتعوذ بالله من أربع، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، فقد استحب أهل العلم هذا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( إذا قعد أحدكم للتشهد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ).

    فذهب عامة أهل العلم إلى استحباب ذلك، وبالغ ابن حزم وهو رواية عن الإمام أحمد ، فقال بوجوب ذلك، بل كان طاوس يأمر ابنه أن يعيد الصلاة إذا لم يقرأها كما روى ذلك مسلم في صحيحه.

    والصحيح هو مذهب عامة أهل العلم أن ذلك على سبيل الاستحباب، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قعد أحدكم للتشهد فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، ثم يسلم )، وهذا لفظ البخاري ، وهذا يدل على أنه لو لم يتعوذ، أو لم يصل على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد، فإن ذلك لا يؤثر على صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) كما في رواية مسلم ، ورواية البخاري : ( أعجبه إليه، ثم يسلم )، فدل ذلك على عدم وجوب التعوذ، وعلى عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    التحلل من الصلاة بالتسليم

    حكم التسليمتين في الصلاة

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإنه إذا أراد أن يسلم فإنه يسلم تسليمتين، وقد نقل بعض أهل العلم مشروعية السلام مرتين، إلا أنهم اختلفوا: هل الركن التسليمة الأولى أم كلاهما؟

    والراجح والله أعلم أن الواجب هو التسليمة الأولى، هذا هو الركن، وأما الثانية فالذي يظهر والله أعلم أنها سنة مؤكدة، ولو قيل بالوجوب -كما هو مذهب الحنابلة- لكان ذلك قوياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك التسليم عن يمينه وشماله أبداً، فدل ذلك على وجوبه، والله أعلم.

    وأما قولنا: إن الركن تسليمة واحدة، فلما جاء في حديث علي بن أبي طالب : ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليها التسليم )، فقال: (التسليم) وهو مطلق، فلو سلم تسليمةً واحدة لجاز ذلك، ولكن السنة أن يسلم تسليمتين، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليمةً واحدة، إلا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها كما رواه الإمام أحمد أنه سلم تسليمةً واحدة تلقاء وجهه، ولكن هذه الرواية منكرة، وقد رواها مسلم في صحيحه من حديث سعد بن هشام ، عن عائشة : ( ثم يسلم تسليماً يسمعنا )، وليس معنى (تسليماً يسمعنا) أنها تسليمة واحدة، ولكن هذه صفة التسليم لأجل أن يسلم، وأما رواية (واحدة) فإنها منكرة، وإن كانت على شرط مسلم ، فالذي يظهر والله أعلم أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم تسليماً واحداً، وأما الحديث الذي جاء فيه: ( أنه يسلم تسليماً واحدة ) فهذا رواه الإمام أحمد ، وفي سنده نكارة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وعلى هذا فالتسليمتان مشروعتان، والركن هو التسليمة الأولى، والأقرب أن الثانية سنة مؤكدة، ولو قيل بالوجوب لم يكن ببعيد.

    الالتفات في السلام

    الشيخ: والسؤال: إذا سلم تسليمةً تلقاء وجهه فهل يكفي؟

    نقول: يكفي؛ لأن المقصود هو لفظ السلام، وأما الالتفات فهو سنة؛ لما جاء في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم عن يمينه، وسلم عن شماله حتى يرى بياض خده)، وفي رواية: ( يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، ويسلم عن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم قول: (في العالمين إنك حميد مجيد) آخر التشهد

    السؤال: شيخ أحسن الله إليكم! هل هناك رواية في آخر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد

    الجواب: نعم، هذه ثابتة في حديث كعب بن عجرة ، كما عند البخاري : ( في العالمين، إنك حميد مجيد )،و أبو العباس بن تيمية يقول: لا يقول الإنسان كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، يقول: إنما جاء ذلك من غير جمع، والراجح والله أعلم كما هي رواية البخاري ، ولعل أبا العباس ابن تيمية لم تبلغه هذه النسخة من صحيح البخاري ، فإن فيها: ( كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )، وفي رواية: ( في العالمين، إنك حميد مجيد )، والله أعلم.

    صيغة التسليم وصفته

    السؤال: بالنسبة لصيغة التسليم (السلام عليكم ورحمة الله)؟

    الجواب: صفة التسليم أيها الإخوة! أن يلتفت الإنسان من بداية السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأما ما يفعله العامة وبعض الفضلاء من أن يحرك رأسه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فهذا ليس له أصل، فإن هذا من كيس الناس، وأخذوه من تلقاء أنفسهم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كبير شيء.

    ولهذا فالسنة إذا أراد أن يسلم أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيكون انتهاء السلام بانتهاء التفاته، بحيث يرى بياض خده الأيمن، ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، وأما ما يقول بعض العامة: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقف تلقاء وجهه، ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا ليس له أصل.

    وجاء في حديث ( أنه إذا أراد أن يسلم عن يساره يبالغ في التسليم حتى يرى بياض خده الأيمن والأيسر )، وهذا يرويه من نسخ يحيى بن صاعد ، ولكنه لا يصح، والصحيح أنه يرى بياض خده فقط دون مبالغة، هذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ومن المسائل التي ينبغي أن ينبه عليها الناس أنهم أحياناً يلتفتون قليلاً، فيقول أحدهم: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وهذا ليس من السنة وإن كان ذلك يجزئ، ولكن السنة أن يلتفت حتى يرى بياض خده الأيمن، ثم يلتفت حتى يرى بياض خده الأيسر، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص ، ومن حديث ابن مسعود ، والله أعلم.

    1.   

    زيادة (وبركاته) في التسليم في الصلاة

    الشيخ: من المسائل أيها الإخوة: أن السنة أن يقول الإنسان: السلام عليكم ورحمة الله، وقد جاء عند الإمام أحمد أن يقول: السلام عليكم، والذي يظهر والله أعلم أن بعض الفقهاء وهو مذهب مالك يقول: السنة أن يقول: السلام عليكم، ولكنها مختصرة، والصحيح أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله كما جاء ذلك مفسراً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر الرواة رووه بهذا اللفظ.

    وهل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟

    أقول: بعض نسخ أبي داود فيها هذه اللفظة، وقد صححها الحافظ ابن حجر ، وهذه الزيادة جاءت من حديث سلمة بن كهيل ، عن حجر بن العنبس ، عن علقمة ، عن وائل بن حجر ، والذي يظهر أن رواية سفيان الثوري و شعبة روياها عن حجر بن العنبس ولم يذكروا فيه (وبركاته)، كما أشار إلى ذلك البخاري ؛ ولهذا صحح البخاري رواية سفيان و شعبة على رواية سلمة بن كهيل ، ورواية سلمة بن كهيل هي التي فيها (وبركاته).

    وعلى هذا فالصحيح أن لفظة (وبركاته) ليست مرفوعة بإسناد صحيح، وعلى هذا فالراجح أنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، وإن صححها الحافظ ابن حجر ، فإن البخاري رحمه الله أشار إلى أن الصحيح رواية سفيان ، عن حجر بن العنبس ، ورواية سفيان عن حجر بن العنبس لم يكن فيها (وبركاته)، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأسئلة

    زيادة الالتفات في التسليمة الأولى

    السؤال: شيخ أحسن الله إليك! يرى بعض الأئمة يزيدون في التسليم من جهة اليمنى أكثر بقليل من اليسرى، فهل هذا وارد؟

    الجواب: لا، فالذي جاء -كما قلت- من حديث يحيى بن صاعد ، وهو مذهب الحنابلة: أنه يجعل اليسار أقوى من اليمين، ولكن الحديث في سنده ضعف، والصحيح ( يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خديه )، ومعنى خديه يعني خده الأيمن وخده الأيسر، كما جاء ذلك مفسراً في الصحيحين، والله أعلم.

    1.   

    قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة

    الشيخ: بهذا نكون قد انتهينا من مسألة الصلاة، ويبقى مسألة وهي: إذا قام الإنسان إلى الثالثة فهل يقرأ بعد الفاتحة سورة أم لا؟

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة والحنفية وهو مذهب الجمهور إلى أنه لا يشرع له أن يقرأ غير الفاتحة.

    وذهب ابن حزم إلى أن يقرأ غير الفاتحة في صلاة الظهر؛ لحديث أبي سعيد الخدري ، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك )، والنصف من ذلك تكون خمس عشرة آية، فهذا يدل على أنه يقرأ في الظهر أكثر.

    والذي يظهر والله أعلم أنه يفعل هذا تارة، ويفعل هذا تارة؛ لأن رواية أبي قتادة في الصحيحين: ( كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب )، فهذا يدل على أن رواية أبي قتادة فيها إشارة إلى أنه لا يقرأ إلا بأم الكتاب، ورواية أبي سعيد في الظهر فيه إشارة إلى أنه يقرأ بعد سبع آيات من الفاتحة آيات أخر، وهذا يدل على أن الأكثر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقتصر في الركعتين الأخريين على فاتحة الكتاب.

    وعلى هذا فهذا هو السنة، وبذلك نكون قد جمعنا بين الروايات، فنقول: الأكثر ألا يقرأ في الركعتين الأخريين إلا بأم الكتاب، فإن فعل بسورة أخرى قصيرة فلا حرج، ومما يقوي ذلك ما رواه الطحاوي ، عن أبي بكر الصديق : ( أنه كان يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] ). وقد حاول الطحاوي أن يقول: إنما ذلك على سبيل القنوت؛ لأن أبا بكر إنما كان يقرؤها في حربه مع أهل الردة، ولكن هذا التأويل يحتاج إلى دليل، ولهذا فإن أبا بكر لم يكن ليرفع بها صوته حتى يكون ذلك قنوتاً، وإنما كان أبو بكر يقرأ فيها القرآن، ومن المعلوم أن القنوت إنما كان صلى الله عليه وسلم يصنعه بعد الركوع وليس قبل الركوع، وعلى هذا فإن قرأ أحياناً فلا حرج، ولكن الأعم الأغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقتصر على الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    مدى مخالفة المرأة الرجل في هيئات الصلاة

    الشيخ: وتبقى لنا مسألة وهي: المرأة هل تصنع مثل الرجل في الصلاة أم لا؟

    الراجح والله أعلم أن المرأة مثل الرجل سواء كان ذلك في سجودها، أو كان ذلك في توركها، هذا هو الراجح خلافاً لجمهور أهل العلم، فإنهم قالوا: إن المرأة تجمع نفسها، ولا تنتشر، والراجح هو مذهب إبراهيم النخعي ، و أم الدرداء كما روى ذلك البخاري معلقاً بصيغة الجزم: أنها كانت تتورك كما يتورك الرجل، يقول البخاري : وكانت امرأة فقيهة.

    كل هذا البيان إنما هو لأجل أن يتقرب الإنسان إلى ربه، فالإنسان وهو يصلي لا بد أن يعتريه بعض الخواطر، وبعض وساوس الشيطان، فإذا أقبل على صلاته أو فعل بعض السنن فإن هذا يكمل ما نقص من فريضته، كما جاء ذلك صريحاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ( انظروا هل له من تطوع؟ )، فإن الصلاة إذا كانت فيها إقامة لأركانها وواجباتها ومستحباتها فإن ذلك من تمام الصلاة؛ لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن تسوية الصفوف من إقامة الصف )، وفي رواية مسلم : ( من إقامة أو من تمام الصلاة ).

    1.   

    خاتمة البرنامج

    الشيخ: لعل في هذا كفاية، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم أيها الإخوة والأخوات! رضاه، والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى.

    ونسأله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً وأن يرزقنا اجتنابه، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952125