إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [20]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للمأموم مع إمامه إذا سها في صلاته أحوال، فقد يكون مسبوقاً أو غير مسبوق، ولكل حال منها أحكام. واختلف العلماء في أفضل التطوعات بعد الفرائض، والراجح أنها على حسب الأحوال والأشخاص، وأفضل التطوعات في الصلاة ما اختلف العلماء في وجوبها ثم ما يشرع في حقها الجماعة.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأربنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحبتي في الله!

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وبداية أحبي الإخوة والأخوت المشاهدين خلف هذه الشاشة، وكذلك أرحب بإخوتي الذين معنا في الأستديو.

    حكم سجود السهو للمأموم غير المسبوق

    الشيخ: كنا قد توقفنا في آخر مسائل في سجود السهو، وبينا أن سجود السهو إما أن يكون لزيادة، وإما أ، يكون لنقص، وإما أن يكون لشك، وذكرنا تقسيم كل مسألة من المسائل، إلا أنه بقيت مسألة وهي مسألة المأموم هل يسجد تبعاً لإمامه أم لا؟

    أقول والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم: إن المأموم لا يخلو من أن يكون مسبوقاً أو غير مسبوق، وقولنا: (مسبوقاً) يعني: قد فاته من الصلاة ركعة أو أكثر، وأما غير المسبوق فهو الذي أدرك مع إمامه الركعة الأولى.

    فعندنا الآن حالان:

    الحال الأولى: إن كان المأموم لم يفته شيء من صلاته -وهو ما يسمى بغير المسبوق- فإنه يجب أن يسجد مع إمامه إذا سجد، ولا يسجد إذا لم يسجد الإمام، وإذا كان المأموم قد أنقص شيئاً من صلاته من الواجبات، فإن الإمام يتحمل عنه، أما لو أن الإمام ترك سجود السهو والمأموم يرى أن الإمام يجب عليه أن يسجد ولم يسجد -إما لجهل وإما لنسيان أو غير ذلك- فإن المأموم غير المسبوق يسجد لذلك.

    وللتوضيح أكثر أقول: المأموم غير المسبوق هو من أدرك مع إمامه تكبيرة الإحرام، فإن سجد الإمام للسهو فوجب على المأموم أن يسجد، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـابن المنذر و ابن حزم أنه يسجد تبعاً لإمامه؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة و أبي هريرة ، وعند مسلم من حديث أبي موسى : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وأبو موسى لم يروه بهذا اللفظ، إنما رواه البخاري و مسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ) ... الحديث. فدل ذلك على أن الإمام إذا سجد للسهو فإن المأموم واجب عليه أن يسجد وهذه الصورة الأولى.

    الصورة الثانية: وهي ما إذا ترك المأموم غير المسبوق شيئاً من واجبات الصلاة، مثل: أن يكون قد نسي أن يقول: (سبحان ربي العظيم) أو نسي أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) وقد قلنا: إن هذا واجب كما هو مذهب الحنابلة خلافاً للجمهور، فإن المأموم حينئذ لا يسجد؛ لأن الإمام يتحمل عنه سجوده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، كما روى ذلك أبو هريرة .

    ومما يدل على أن الإمام يتحمل عن المأموم ما جاء مرفوعاً، والصواب وقفه على علي بن أبي طالب كما رواه البيهقي : ( إنما الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين )، فدل ذلك على أن الإمام يتحمل، فهو ضامن لنقص مأمومه.

    الصورة الثالثة: لو ترك الإمام واجباً، مثل: أن يكون قد قام من الركعة الثانية إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول، فلما سلم لم يسجد، فإذا ظن المأموم أن الإمام لن يسجد وقال: أنا ما أخطأت، فإن المشروع في حق المأموم أن يسجد؛ لأن الإمام انفتل من صلاته.

    صور سجود السهو للمأموم المسبوق

    الشيخ: الحال الثانية: من أحوال المأموم وهي إذا كان المأموم مسبوقاً، فإن المأموم في هذه الحال يسجد إذا سها في صلاته؛ لأننا قلنا في المأموم غير المسبوق: لا يسجد للسهو؛ لأنه تبع لإمامه، أما المسبوق الذي فاته شيء من صلاته، فإنه يكون قد انقتل عن الإمام، وحينئذ فإنه يفعل مثل فعل المنفرد، فلما كان المنفرد يجب عليه أن يسجد للسهو في واجب، وجب على المسبوق أن يسجد للسهو في واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين )، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود وفي أهل السنن من حديث أبي هريرة هذه الصورة الأولى.

    الصورة الثانية: أن يدرك المأموم إمامه في سجود للسهو بعد السلام، بمعنى: لو أن الإمام إذا جلس في التشهد الأخير ثم سلم ثم سجد للسهو، فإن المأموم المسبوق هل يسجد للسهو أم لا يسجد؟

    اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:

    القول الأول: أن المأموم المسبوق إذا سها إمامه وسجد بعد السلام، إن المشروع إنه إذا سلم الإمام فإن المأموم لا يسلم، بل ينتظر، فإذا سجد الإمام للسهو سجد المأموم معه، ثم إذا جلس الإمام وأراد أن يسلم فسلم فإن المأموم يقوم فيكمل صلاته، هذا القول الأول.

    وللتوضيح أكثر قالوا: إن المأموم المسبوق الذي أدرك إمامه في التشهد الأخير، فإن كان الإمام سجد للسهو بعد السلام، فإن المشروع في حق المأموم أن ينتظر إمامه ولا يسلم معه، فإذا سلم الإمام ثم سجد للسهو سجد المأموم المسبوق معه، ثم قام فأكمل صلاته.

    والقول الثاني في المسألة: وهو أن الإمام إذا سلم من صلاته فقد انفتل المأموم عن إمامه، فإذا سجد الإمام بعد ذلك للسهو بعد السلام، فإن المسبوق لا يسجد، بل الواجب عليه أن يقوم؛ لأنه بمجرد سلام إمامه انفصلت صلاة الإمام عن صلاة المأموم، ثم يكمل المأموم الصلاة، فإذا جلس لتشهده الأخير فإنه يفعل مثل ما فعل إمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فيأتم به بالتشهد الأخير، فيسلم ثم يسجد للسهو ثم يسلم.

    والراجح هو القول الثاني؛ وهو أن المسبوق إن أدرك إمامه في التشهد وكان حقه قبل السلام، وجب على المسبوق أن يسجد قبل السلام، وإن أدرك إمامه في سجود سهو بعد السلام، فالراجح أن المأموم بمجرد سلام إمامه ينفتل عن إمامه ويكمل صلاته، فإذا جلس في التشهد الأخير، فإنه يسلم ثم يسجد السهو ثم يسلم، هذا هو الراجح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما روى أحمد و الترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

    وجه الدلالة: فبمجرد سلام إمامه فقد انفتل المأموم عن إمامه، وهذا القول هو القول الراجح.

    الصورة الثالثة: إن سها إمام المسبوق ولم يسجد للسهو، ثم قام المسبوق، فإن المشروع في حقه أن يسجد؛ للنقص الذي لم يسجد معه إمامه.

    فتلخص أنها ثلاثة أحوال:

    الحال الأولى: إذا سها إمامه وسجد معه، وإن كان بعد السلام، فإن الراجح أنه إذا سلم انفتل المأموم عن صلاته، فإذا جلس للتشهد الأخير سلم، ثم سجد للسهو ثم سلم.

    الحال الثانية: إذا سها المسبوق في صلاته فترك واجباً، فإننا نقول: لو لم يكن مسبوقاً لما جاز له أن يسجد؛ لأجل ألا يخالف الإمام، أما المسبوق فإنه إذا جلس للتشهد الأخير، فإنه إن كان سجود قبل سلام سجد قبل السلام، وإن كان بعد سلام سجد بعد السلام.

    الحال الثالثة: وهي حالة ما إذا ترك الإمام واجباً ولم يسجد له، فإذا قام المسبوق وأكمل صلاته، فإن المشروع في حقه أن يسجد للسهو؛ لأن إمامه لم يسجد، فكان ذلك من واجبات الصلاة، ولم يفعلها الإمام فيفعلها المأموم، وإنما قلنا: لا يفعل في الأولى؛ لأنه إنما كان تبعاً لإمامه.

    وبهذا نكون قد أنهينا باب سجود السهو، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088581989

    عدد مرات الحفظ

    777478451