إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [29]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة الجمعة والجماعة من شعائر الإسلام المهمة التي لا ينبغي التفريط فيها ولا تركها إلا لعذر من الأعذار التي جاء بها الشارع الكريم، كالمرض وموت القريب، وحضور الطعام، ومدافعة الأخبثين، وملازمة الغريم، والخوف من ظالم، وغير ذلك.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وحيا الله الإخوة الذين معنا في الأستديو.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع ونقول، وأن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً وأن يرزقنا اجتنابه، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    أيها الإخوة! كنا قد أنهينا باب الإمامة والائتمام، وأحكام المأموم، واليوم بإذنه سبحانه وتعالى ندلف إلى باب الأعذار المسقطة لترك الجمعة والجماعة.

    هذه الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة قبل الخوض فيها يجب أن نعلم أن ذكر العلماء رحمهم الله لهذا الأمر دليل على أن الأصل عندهم أنه لا ينبغي للإنسان أن يترك الجماعة في المساجد.

    ومن المؤسف أن ترى بعض الذين يريدون الخوض في صلاة الجماعة لا يتناولونها التناول الذي يقصد منه إظهار الحق الشرعي، وإظهار الدليل النبوي، وما كان عليه سلف هذه الأمة، وإنما يراد لها بطريقة أو بأخرى التخفيف على الناس، وأن ما كنا نسمعه قبل ذلك من التشديد في هذا الأمر تبين -على حد قولهم- أن المسألة لا تعدو أن تكون مسألة خلافية، مثلها مثل سائر المسائل التي بولغ فيها أكثر من الواقع المتداول عند الفقهاء، هكذا كانوا يقولون.

    والواقع أيها الإخوة أنه عند تناول كلام الأئمة رحمهم الله يجب أن نفهم مصطلحاتهم، فمصطلحات الأئمة رحمهم الله لها مدلولها، فمن غير المستساغ أن تأتي بمصطلح عند الفقهاء، أو عند أصحاب مذهب معين ثم تفهمه أنت بالمصطلح الدارج عندك أو عند أصحابك، أو عند الطرح الأكاديمي، أو الطرح الفقهي في عصر من العصور.

    إذا ثبت هذا فإن صلاة الجماعة من تلك المسائل التي انتابها ما ينتاب كثيراً من المسائل المظلومة، حيث إن بعض الناس حينما يتحدث عن صلاة الجماعة وأنها سنة أو سنة مؤكدة كما هو مذهب أبي حنيفة ، أو فرض كفاية كما هو مذهب الشافعي ، وقولان عند مالك على أنها سنة، ويقصدون بها الواجب الذي ثبت بدليل ظني، أو السنة التي هي على مذهب أبي حنيفة ، أو على أنها واجبة وجوباً عينياً كما هو المذهب عند الحنابلة، أو أنها شرط من شروط صحة الصلاة كما هو قول لبعض أهل الظاهر، وقول لبعض الحنابلة كـابن عقيل وغيره، هذه الأقوال يجب أن نتناولها بالتناول الذي كان الأئمة رحمهم الله يفهمونها.

    ولهذا اتفق الفقهاء على أن من ترك الصلاة جماعةً من غير عذر وداوم على ذلك أنه واقع في العتب، وأنه واقع في الإثم، كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، بل قد نص الحنفية والمالكية والشافعية على أنه إذا تمالأ أو اجتمع أهل بلد على ترك الجماعة في المساجد فإنهم يجب أن يقاتلوا، وهذا كله دلالة على أن ما يفهمه بعض الناس من أنها سنة مؤكدة، فيظنون أنها مثل السواك، أو مثل السنن الرواتب خطأ؛ لأن الأئمة رحمهم الله لهم مصطلحاتهم، ولهم طرقهم، ولهذا قال الموصلي صاحب الاختيار في المذهب الحنفي: ولا يسع أحداً تركها إلا لعذر، ثم قال: ويقاتل أهل بلد تركوها بالكلية.

    فهذا يدل على أن صلاة الجماعة ليست بالمعنى الذي يفهمه بعض الذين يطرحون في أطروحاتهم؛ لأن الذين يطرحون أحياناً يريدون أن يَفهموا أو يُفهموا الآخرين أن صلاة الجماعة مثلها مثل سائر المسائل الخلافية، وليس الأمر كذلك، ولهذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أهل السنن يقول إذا صلى الفجر: ( أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟ )، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بحضور الصحابة رضي الله عنهم.

    ولا أدل على ذلك من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، وإن كان أحدنا ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وإن رسول الله علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلاة )، فهذا يدل على أن سنن الهدى ليست السنة بالمفهوم المصطلحي المذهبي؛ لأن السنة تطلق على الطريقة، فمثلاً نقول: سنة النبي صلى الله عليه وسلم إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى في كتابه، وإن من سنة السلف رضوان الله تعالى عليهم أنهم يصفون الله بما وصفه به نفسه، وبما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه ليس معناها أنه مستحب أن يصف الإنسان ربه بما وصف به نفسه، بل يجب عليه أن يثبت أسماء الله كما أثبتها سبحانه لنفسه، وأن يصف الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إذا ثبت هذا فإنهم رحمهم الله قالوا: هناك أعذار يجوز للإنسان أن يترك الجماعة لأجلها، وهم مختلفون في هذه الأعذار هل هي محصورة أم موصوفة؟ لعلنا نذكر أهم هذه الأعذار.

    وبالمناسبة فإن الأصل أنه لا يجوز للإنسان أن يصلي الصلاة في غير وقتها إلا لعذر، كما إذا كان يجمع الصلاة لمثلها، وأما إذا كان لا يجمع الصلاة لمثلها، مثل ما إذا صلى الظهر ثم أخر العصر، فلا يجوز له أن يؤخرها إلى الليل، أو صلى المغرب وترك صلاة العشاء، فلا يجوز أن يؤخرها إلى الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ( أي الصلاة أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها، أو قال: على وقتها )، وقد قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وهذا أمر.

    وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، يعني: مفروضاً، فهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يصلي الصلاة في وقتها، ولما ترك صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بسبب محاربته ومقاتلته للمشركين في غزوة الخندق حتى خرج وقت العصر إلى المغرب قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً )، فهذا يدل على خطورة هذا الأمر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088541054

    عدد مرات الحفظ

    777219972