إسلام ويب

بداية المجتهد - كتاب الحج [6]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أركان الحج والعمرة الطواف بالبيت الحرام، وللطواف كيفية وشروط ومستحبات، فإن أكمل الحاج أو المعتمر الطواف فإنه يذهب إلى الصفا والمروة ويسعى بينهما، فإذا انتهى حلق أو قصر إن كان معتمراً أو متمتعاً، وتبدأ أعمال الحج يوم التروية، فيبيت بمنى ليلة عرفة، ثم ينطلق بعدها ليقف بجبل عرفات ويدعو الله بتضرع وانكسار.

    شروط الطواف

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    يقول المؤلف: [ وأما شروطه، يعني -شروط الطواف- فإن منها حد موضعه، وجمهور العلماء على أن الحجر من البيت، وأن من طاف بالبيت لزمه إدخال الحجر فيه ]. وقد ذهب عامة أهل العلم خلافاً لـأبي حنيفة إلى أن من طاف وقد دخل ما بين الحجر والبيت، أن هذا الشوط ليس بصحيح، وأنه يجب عليه أن يعيد هذا الشوط، فإن طال الفصل إطالةً عرفية؛ فإنه يجب عليه أن يعيد هذه الأشواط كلها، فإن لم يفعل؛ فإنه لم يطف، ويترتب عليه أحكام من ترك الطواف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت الكعبة ولصيرتها على قواعد إبراهيم )، وفي رواية: ( ولأدخلت الحجر منها )، وهذا يدل على أن الحجر من البيت، ومن طاف وقد دخل ما بين الحجر والبيت؛ فإنه لم يطف حول البيت.

    وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يصح طواف من دخل ما بين الحجر والبيت؛ لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، قال: ويصدق عليه أنه طاف.

    والراجح: هو قول عامة أهل العلم.

    إذا ثبت هذا: فعلى القول الراجح يشرع الطواف بالبيت في أي ساعة شاء الحاج أو المعتمر، ولا يدخل هذا في أوقات النهي كالصلاة، فإن أوقات النهي خمسة: بعد الفجر، وبعد طلوع الشمس إلى ارتفاعها، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تصفر، ومن بعد اصفرارها إلى غروب الشمس، وقد ذهب الشافعي رحمه الله وجماعة من فقهاء الحديث والأثر إلى أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يطوف أي ساعة شاء، لما ثبت عند الإمام أبي داود و الترمذي و الدارمي و النسائي وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث جبير بن مطعم : ( يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار )، وهذا هو الراجح.

    الطهارة في الطواف

    يقول المؤلف: [ واختلفوا في جواز الطواف بغير طهارة، مع إجماعهم على أن من سننه الطهارة ].

    الطهارة للطواف اختلف فيها العلماء: فذهب مالك و الشافعي و أحمد أن الطهارة للطواف شرط، وأن من طاف من غير طهارة فلا يصح طوافه، واستدلوا على ذلك: بأمره عليه الصلاة والسلام عائشة كما في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري )، وفي رواية مسلم : ( حتى تغتسلي )، والمؤلف ذكر أنها أسماء بنت عميس ، وهذا خطأ، والصحيح أنها عائشة وليست أسماء بنت عميس .

    والدليل الآخر: ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام )، وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً، والصواب: أن عطاء رواه عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً، وأكثر الرواة رووه موقوفاً، عطاء بن يسار عن طاوس عن ابن عباس هكذا فيما أحفظ.

    ثم إنه لو صح هذا الحديث فإنه لا يدل على الشرطية، فإن الشرطية أمر زائد على الأمر؛ لأنك تقول للشخص: لا تفعل كذا أو افعل كذا، فإن فعل خلافه فلا يلزم منه بطلانه، لكن ربما يترتب عليه أمر من الأمور، كما لو ترك المصلي ناسياً أو جاهلاً التسبيح في الركوع أو السجود، فإن صلاته تصح بشرط سجود السهو، وهذا ما يسميه العلماء: الجبران، حيث يجبره بسجود السهو.

    والقول الثاني في المسألة، وهو مذهب أبي حنيفة ، ورواية عند الإمام أحمد : أن الطهارة للطواف واجبة، ولا ينبغي له أن يطوف بلا طهارة، ومن فعل فإن كان قريباً من البيت وجب عليه أن يعيد، فإن بعد جبره بدم؛ لأن غاية ما يقال فيه: إن الطهارة للطواف واجبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري )، وفي رواية: ( حتى تغتسلي )، ومن ظن أن الأمر هنا لأجل الحيض فقد أبعد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( حتى تغتسلي )، ولو كان لأجل الحيض لقال: حتى ينقطع عنك الدم.

    ثم إن أبا العباس بن تيمية رحمه الله قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأجل الدخول في المسجد، فالحائض ممنوعة من الدخول في المسجد.

    والجمهور يقولون بخلاف ذلك، قالوا: لأنه لو أريد من عائشة ألا تدخل المسجد لقال: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تدخلي البيت، فيشمل الدخول ويشمل الطواف، أما وقد قال عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي: ( غير ألا تطوفي بالبيت )، فإنه جائز أن تدخل البيت من غير طواف، ولو تأملت هذا لرأيته حسناً من الجمهور اعتراضاً على أبي العباس بن تيمية .

    القول الثالث: وهو قول حماد بن أبي سليمان و سليمان التيمي و شعبة كما نقل ذلك ابن أبي شيبة واختاره ابن تيمية : أن الطهارة سنة، والغريب أن الذين قالوا: إن الطهارة سنة، قيل لهم: ما ترون في دخول الحائض المسجد؟ قالوا: جائز، قلنا: ما ترون في طواف الحائض؟ قالوا: لا تطوف، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن الحائض لا تطوف بالبيت، ومن قال: إنها سنة، يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ألا تطوف بالبيت، إلا على قول من قال: إن الحائض إنما منعت من الطواف لأجل دخول المسجد، وهذا الدليل منها، وهذا لا إشكال، لكن الإشكال على الذين يجوزون دخول الحائض المسجد، ويمنعون الحائض من الطواف، ويقولون: الطهارة سنة، وهذا تناقض في الأقوال!

    على كل حال: الراجح -والله أعلم- أن الطهارة ليست بشرط ولا سنة، ولكنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة ، ورواية عند الإمام أحمد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، حتى تطهري )، ومعنى تطهري: لفظ مشترك، واللفظ المشترك كما يقول جمهور الأصوليين: أنه يعمل به على جميع معانيه، ما لم يخالفه اللفظ بأن يكون المعنيان متضادين، فإذا كان المعنيان غير متضادين؛ فإنه يجوز حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه، كما يقول جمهور الأصوليين.

    وعلى هذا فقوله: ( حتى تطهري ) يعني: تطهري من الحيض، وتطهري من الحدث الأصغر، وفي رواية أيضاً: ( حتى تغتسلي )، وهذا يدل على أصل الطهارة، ومما يدل على ذلك كما يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: أن عائشة كما في الصحيحين قالت: ( إن أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توضأ ثم طاف )، قال: وقد فعله عليه الصلاة والسلام بياناً لمجمل القول، وهو قوله: ( خذوا عني مناسككم )، والفعل إذا خرج بياناً لمجمل القول؛ دل على وجوبه، كقاعدة المالكية و أبي العباس بن تيمية ، ولكن ابن تيمية يقول: دل على أنه مأمور به، وهذا التخريج جيد، لكنه ليس ظاهراً في الاستدلال.

    إذا قلنا: إن الطهارة واجبة، فهي واجبة في كل شوط، فلو طاف ثلاثة أشواط ثم أحدث في الرابع، فإن استطاع أن يتوضأ ويرجع قريباً؛ فإنه لا يستأنف بل يبدأ في الشوط الرابع، وهذا قول عند الحنابلة، وقول عند الشافعية، وهذا أظهر والله أعلم.

    يقول المؤلف: [القول في أعداده وأحكامه.

    وأما أعداده فإن العلماء أجمعوا على أن الطواف ثلاثة أنواع: طواف القدوم على مكة، وطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، وطواف الوداع، وأجمعوا على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة، وأنه المعني بقوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وأنه لا يجزئ عنه دم، وجمهورهم على أنه لا يجزئ طواف القدوم على مكة عن طواف الإفاضة إذا نسي طواف الإفاضة ].

    بعبارة أوضح عامة أهل العلم يقولون: لو طاف المفرد أو القارن طواف القدوم، وسعى سعي الحج ولم يكن قد طاف طواف الإفاضة؛ فإنه لا يكون طواف القدوم بدلاً عن طواف الإفاضة.

    وذهب مالك و أحمد رحمه الله في رواية إلى أن من طاف طواف الوداع ونسي طواف الإفاضة؛ فإن طواف الإفاضة يجزئ عنه طواف الوداع، خاصةً لمن بعد عن ذلك، وهذا كثيراً ما نسأل عنه، بعض النساء تقول: قبل عشر سنوات، قبل عشرين سنة، ما أذكر أني طفت طواف الإفاضة، ولا أذكر أني طفت طواف الوداع، لكني أذكر أني طفت لكن ما أدري أيهما، نقول: هذه بتلك، ولا حرج في ذلك؛ لأن عبادة الحج تختلف عن غيرها من العبادات.

    وقد قال الشافعية والحنابلة: من أحرم بالحج عن الغير ولم يكن قد حج عن نفسه؛ فإن حجته ولو انتهت تنقلب إلى حجة نفسه، وهذا يدل على أن الحج له خصيصة وأنه ليس كغيره من العبادات، وإن كنا نقول: الأولى بالحاج إذا كان قد طاف للوداع، ولم يكن نوى طواف الإفاضة، الأولى له أن يعيد، لكنه لو ذهب بعيداً؛ فإن قول المالكية ورواية عند الحنابلة فيه قوة، والله أعلم.

    طواف التمتع

    يقول المؤلف: [ وأجمعوا أن من تمتع بالعمرة إلى الحج أن عليه طوافين: طوافاً للعمرة لحله منها، وطوافاً للحج يوم النحر على ما في حديث عائشة المشهور ].

    هذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال: هل المتمتع يلزمه سعيان أم سعي واحد؟ الواقع أن في المسألة خلافاً، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المتمتع يلزمه سعيان؛ لأن السعي الأول إنما هو سعي عن العمرة، وقد أخذ عمرةً تامة، فيلزمه سعي آخر لحجه، فلا يدخل هذا بذاك، خاصةً وأنه ربما يأخذ عمرة ولم يكن قد نوى الحج، أو أنه ربما أخذ عمرةً في أشهر الحج عن والده، وحجةً عن والدته؛ فيكون متمتعاً، فلو لم نوجب عليه إلا سعياً واحداً؛ لكان سعي هذا لوالده وليس لأمه.

    وهذا القول قوي، ومما يستدل له: ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( وأما الذين أحلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنما طافوا طوافاً آخر بعد عرفة )، قال أهل العلم: قول عائشة : ( طوافاً آخر بعد عرفة ) إنما تقصد بذلك السعي؛ لأنهم كلهم بعد عرفة قد طافوا طواف الإفاضة؛ ولهذا تقصد عائشة طوافاً آخر، يعني السعي، وبعضهم يقول: إن هذه اللفظة مدرجة من كلام الزهري ، كما يقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وبعضهم يقول: إنه أخطأ فيها بعض الرواة.

    وذهب أحمد في رواية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: إلى أن المتمتع لا يلزمه إلا سعي واحد عن حجه وعمرته، واستدل على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: ( وكفانا السعي قبل عرفة عن حجنا وعمرتنا )، وفي رواية قال: ( لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً )، قالوا: ومن المعلوم أن جابراً كان متمتعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـجابر : ( لسنا ننوي إلا الحج لا نعرف العمرة، حتى إذا كنا بسرف قال لنا صلى الله عليه وسلم: من كان منكم قد ساق الهدي؛ فليكن قارناً، ومن لم يسق الهدي فليجعلها عمرة، قلنا: أي الحل؟ قال: الحل كله )، قالوا: فهذا يدل على أن جابراً كان متمتعاً، ومع ذلك قال: ( لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً )، وهذا القول أيضاً قوي، إلا أن القول الأول أحوط وأقوى من حيث النظر.

    أعيد باختصار: جمهور الفقهاء يرون أن المتمتع يلزمه سعيان، وذهب أحمد في رواية، وهو قول جابر بن عبد الله ، وقول بعض الصحابة أيضاً ذكرهم ابن عبد البر كـسعد و ابن عمر و ابن مسعود : أن المتمتع يلزمه سعي واحد، والقول الأول أقوى من حيث النظر.

    ومما يقوي قول الجمهور: أن عائشة رضي الله عنها قالت: ( يا رسول الله! يصدر الناس بنسكين، وأصدر بنسك واحد )، وتقصد عائشة : أن الذين أخذوا عمرة وأخذوا حجاً صدروا بنسكين، و عائشة كانت قارنة، وطافت طوافاً واحداً، وسعت سعياً واحداً، ومن المعلوم أن المفرد طوافه الأول سنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً ).

    مما يدل على أن غير القارن يجب عليه أن يأخذ طوافين وسعيين، ولا يجزئ إلا في حق القارن، وهذا أظهر، فإن كلمة الإجزاء دليل على أن ضده الكمال، وخص ذلك في القارن، وهذا أيضاً كما قلت: قوي من حيث النظر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088541006

    عدد مرات الحفظ

    777219840