إسلام ويب

شرح الورقات [1] - معنى أصول الفقهللشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعد الإمام أبو المعالي الجويني من الأئمة الأعلام في علم الأصول، وممن ساروا على طريقة أهل الكلام في تقسيماتهم، ويعتبر علم أصول الفقه من العلوم الأساسية في فهم النصوص ودلالتها، وأقسام الأحكام الشرعية وأنواعها.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً.

    أبو المعالي الجويني هو إمام الحرمين؛ لما اشتهر به من العبادة والشهرة العلمية، وهو من فقهاء الشافعية وأئمتهم في الأصول، ويعد أبو المعالي الجويني من المتكلمين الذين كتبوا في علم النظر وعلم الكلام، وكذلك صنف في فقه الشافعية، ودافع عن علم الكلام زمناً، ثم قرر الرجوع عن كثير من ذلك، ولا سيما ما ذكره في الرسالة النظامية، وبين أن مذهب السلف هو المذهب الحق، وكلامه هناك كلام فاضل، ولكنه مجمل، ما فصله تفصيلاً، فهذا من المقامات الحسنة عنده وإن كان فيها إجمال، والمقصود أن أبا المعالي من أئمة أصول الفقه في مذهب الإمام الشافعي ، وإذا صح هذا التقسيم جاز لنا أن نقول: إن أبا المعالي يعد من الأصوليين الذين كتبوا في علم الأصول بفهم ثاقب، فإن بعض من كتب في الأصول كتبوا فيه وهم على درجة من الفهم، لكنهم ليسوا على تحقيق بين في معانيه، بمعنى آخر أنك كما تتصور التقليد في الفقه فتستطيع أن تميز الفقيه المحقق عن المقلد، فكذلك يمكنك التمييز بين الأصولي المحقق والأصولي المقلد.

    يعتبر أبو المعالي من المحققين، وله كتب في الأصول أشهرها وأقواها كتاب "البرهان" وهو كتاب محقق في الأصول، وإن كان قد بناه على طريقة علم الكلام فهذا شأن سبق التنبيه إليه.

    وكتب أبو المعالي هذه الرسالة المختصرة وسماها "ورقات في أصول الفقه" ، وهي من أجود المختصرات من جهة التعريف بأوائل هذا العلم الشريف، وهو علم أصول الفقه الذي هو معرف بأدلة التشريع ورتبها، وبالدلالات وأنواعها ومقاماتها، وبالاجتهاد وصفة المجتهد، فمن فقه من الأصول هذا فقد فقه علم الأصول، وإلا صار فيه جامعاً وحافظاً ومقلداً لكنه ليس فقيهاً، ورتبته العالية - أعني هذا العلم - أن يكون فقهاً مدركاً؛ ليحسن تطبيقه وليتأتى انتظام تطبيقه في مسائل الفقه، لكن ربما مما أغلق شيئاً على كثير من الأذهان أن جمهور كتب الأصول التي جاءت بعد الإمام الشافعي أثر فيها لغة علم الكلام، فصار ينص كثير منهم أن مستند هذا العلم جمل أو أصول، ويجعلون علم الكلام منها، ويريدون به علم أصول الدين، فأثر علم الكلام من جهة الصياغة اللفظية، وكذلكم الآلة وهو علم المنطق، فإن كثيراً من المتكلمين اعتنوا بالمنطق، وجعلوه معياراً في كتابة علم الأصول، وهؤلاء درجات من حيث التأثر، فـأبو حامد صاحب "المستصفى" رحمه الله يعد من المتأثرين في صياغة الأصول على معيار المنطق؛ ولهذا غلب على كتابه التجريد، وقل فيه المثال الفقهي، فهو كتاب نظرية، ولكنها نظرية هي من تحصيل أبي حامد ، فمادة النقل الصرف في كلام أبي حامد قليلة؛ فأثره واستقراؤه بين فيه، كما ترى أثر واستقراء الشاطبي في كتاب "الموافقات"، فمادة النقل عند الشاطبي يسيرة، وهكذا الكتب بعضها تكون مادة النقل فيها كثيرة، وبعضها تكون قليلة، والذين قلت مادتهم لا شك أنهم استفادوا ممن سبقهم، لكن فرق بين الاستفادة التي تقع نقلاً عن معين، والاستفادة التي تقع استقراءً لمتنوع مختلف مع ما يضيفه إليه اجتهاده وإدراكه للشريعة فيكتب، فهذا الذي استقرأ المتنوع من الكتب وما معه من فقه الشريعة وعلمها، ثم يكتب فهذا في الغالب يكون أكثر تحقيقاً في كل العلوم.

    ولهذا امتاز ابن قتيبة في اللغة وصار يقال: إنه خطيب أهل السنة، و الجاحظ خطيب المعتزلة؛ لبيانه وقوة سبكه، وقد سئل عن هذا البيان فقيل له: أهو من السابقين؟ قال: هو قول السابقين غاض ثم فاض، فليس هو إياه، وليس هو غيره. يقصد أن هذا كلام السابقين .. هذا شعر العرب وشعر الجاهليين، وفصاحة الفصحاء، وبيان العرب وبلاغة العرب، غاض في نفسه وفي عقله، ثم فاض كتابة، فليس هو إياه، وليس هو غيره بمعنى أنه ليس هذا ما قاله امرؤ القيس مثلاً، لكن لو لم يقرأ شعر امرئ القيس وشعر طرفة وشعر الشعراء وفصاحة الفصحاء ما استطاع أن يكتب بهذه الدرجة من البيان والبلاغة، وهكذا في علم الأصول بعضهم مستوعب استيعاباً دقيقاً فيكتب نظرية دقيقة، بغض النظر عن اختلاف الآراء التي قد يقال: إن هذا رأي راجح أو مرجوح، وبعضهم يكثر في كلامه النقل والتقليد، فهذا كله علم شريف على كل حال، لكن إنما يشار إليه؛ لأن الزمان أقل، والوقت والعمر أقل مما أتيح من العلم والكتب، فيكون طالب العلم في قراءته في العلم كله منتخباً.

    فالمقصود أن أبا المعالي من محققي علماء الأصول من جهة قوة الاستيعاب لهذا العلم، وهو عالم جليل ذكي، وإن كان وقع في علم الكلام وطريقته التي أثرت على كثير من آرائه في مسائل أصول الدين، وهذا مما يؤخذ عليه وهو معروف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536253

    عدد مرات الحفظ

    777190526