إسلام ويب

شرح الورقات [10] - الأفعالللشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشمل دليل السنة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، والأصل عموم ما دل عليه إلا ما استثناه الشرع، والسنة الفعلية لا تدل على الوجوب بذاتها، وإنما بدليل قولي، أما الإقرار ففيه تفصيل بينه أهل العلم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فعل صاحب الشريعة لا يخلو: إما أن يكون على وجه القربة والطاعة أو غير ذلك، فإن دل دليل على الاختصاص به يحمل على الاختصاص، وإن لم يدل لا يخصص به؛ لأن الله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، ومن بعض أصحابنا من قال: يحمل على الندب، ومنهم من قال: يتوقف عنه ].

    أقسام أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ودلالتها

    قوله رحمه الله تعالى: (فعل صاحب الشريعة) هذا بحث في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أنها على قسمين: إما أن يكون على وجه القربة، أو لا يكون كذلك، ثم ذكر أن ما كان على وجه القربة من النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأصل أنه يحمل على عدم الاختصاص به، إلا أن يدل الدليل على كونه خاصاً، وما ذكره أبو المعالي هو الذي عليه الجمهور من أهل الأصول، وهو الراجح: أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التعبدية، التي تكون على وجه القربة، الأصل فيها أنها ليست خاصة به؛ لأنه مبلغ عن الله، ومحل للاقتداء، وقد قال الله جل وعلا -كما استدل المصنف-: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، والأدلة غير هذه الآية كثير؛ ولهذا فإن مذهب من جعل الأصل الاختصاص بعيد، بل الأصل أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تكون عامة له ولأمته يقتدون به، إلا ما دل الدليل على التخصيص.

    أقوال العلماء في دلالة أفعال النبي عليه الصلاة والسلام التعبدية

    ثم إذا قلنا: إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست خاصة به إلا بدليل على مذهب الجمهور وهو الراجح؛ فماذا يقتضيه الفعل من الحكم؟

    ذكر المصنف في هذا ثلاثة مذاهب، قال: منهم من حمله على الوجوب، ومنهم من حمله على الندب، ومنهم من قال بالتوقف.

    وينبه في ذكر النظار الأصوليين للمسائل إلى أنه ليس بالضرورة أن الخلاف الذي يسمونه يكون حاصراً، وإن كان ليس كثيراً، لكن ربما وقع أن الأصولي يسمي الخلاف على قولين أو ثلاثة ولا يكون أحد هذه الأقوال هو الراجح أو المعتبر في المسألة، وهذا لا يكون عامة في سائر كتابه، لكن يقع في بعض المسائل، وله أمثلة كمسألة التحسين والتقبيح العقليين، فإنهم يذكرون فيها مذهبين مشهورين، وهذان المذهبان كما هو متقرر ليس أحدهما هو الصحيح، فكذلك قوله هنا، وإن كانت هذه المسألة أخف بكثير. إنما إطلاق القول بالوجوب، أو إطلاق القول بالندب، هذا يفسر على أحد وجهين: إن أريد بالوجوب أنه يكون واجباً باعتبار أعيان الفعل؛ فهذا فيه نظر، وإن كان مراد من قال: الوجوب والندب باعتبار الأصل، فهذا متجه في تفسير المذاهب، وعليه فيكون ما يذكره أبو المعالي على هذا التفسير جامعاً للقول الراجح أو القول المعتبر.

    بمعنى: أن مراده بقوله: أنه يكون على الوجوب. أي: باعتبار الأصل، كما قالوا في الأمر: إن الأصل فيه الوجوب. ولكنه يخرج عن ذلك، فكذلك الفعل عند من قال من الأصوليين بأنه على الوجوب، أو من قال على الندب أراد من حيث الأصل، ومن توقف فقال: إن الفعل لا يقع فيه أصل يكون هو الغالب فيه، وإنما الفعل يفسر بغيره، ولما كان يفسر بغيره صار متردداً بين الأحكام، فتارة يدل على الإباحة، وتارة يدل على الوجوب، وتارة يدل على الندب، فمذهب من يقول بالتوقف معتبر على هذه الطريقة: أن الفعل من صاحب الشريعة يفسر بغيره، فإذا كان في أعمال القرب -وهو القسم الذي ذكره المصنف هنا- فهو يفسر بغيره، إما على الوجوب، أو على الندب.

    توجيه رأي الجمهور في دلالة أفعال النبي عليه الصلاة والسلام التعبدية

    والراجح في هذه المسألة: هو الذي عليه الجمهور أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تدل على الوجوب بذاتها، أي: أن الفعل من حيث هو مجرد لا يدل على الوجوب، بل الأصل فيه -إذا أريد وضع أصل في هذه المسألة- أن اقتضاءه للندب أحكم من اقتضائه للوجوب، وهذا مذهب الجمهور، لكنه يخرج عن كونه للندب إلى كونه للوجوب لما يتصل به من الشواهد، أو ما يسمى بالقرائن، فما يتصل به من الشواهد يكون كذلك؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما اتصل فعله بأمره اختلفوا كثيراً في مسألة الوجوب في الحج؛ فإنه قال: ( خذوا عني مناسككم )، فهذا حديث مجمل، لم يكن في فعل معين، فلم يقل: خذوا عني الطواف، أو خذوا عني هذا الفعل، في نسك معين، إنما قال: ( خذوا عني مناسككم )، فكان في جملة المناسك، وأفعاله وقعت في حجته مفصلة، فلما وقع فعله مفصلاً، وأمره جاء على هذا الإجمال؛ صار هناك الخلاف في تحقيق المناط وتنقيحه بين ما يقتضيه الأصل في الفعل، وما يقتضيه الفعل باعتبار اتصال الشاهد به، وهو قوله: ( خذوا عني مناسككم )، فصار بعض فعله يفسر أنه على الوجوب، ونجد أنهم لا يجعلون محض الفعل شاهد الوجوب؛ لأنهم يقررون في الأصول: أن الفعل من حيث الأصل عند الجمهور يقتضي الندب، فيجعلون شاهد هذا الفعل أنه ارتقى للوجوب وهو حديث: ( خذوا عني مناسككم )، لكن لا نجد أن فقيهاً التزم بأن هذا الحديث -مع أنه قول وأمر- يقتضي أو يدل على وجوب كل فعل من أفعال الحج، فإن بعض أفعاله داخلة في قوله: ( خذوا عني مناسككم )؛ لأنها من النسك، ومع ذلك أجمعوا على أنها مستحبة ولا تكون واجبة.

    ومثله في الصلاة: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وإن كان حديث النسك أكثر دلالة من حديث الصلاة، فالمقصود أن الراجح إذا قرر في الفعل أصلاً قيل: الأصل فيه الندب.

    وهذا بيان المذاهب الثلاثة التي ذكرها أبو المعالي رحمه الله.

    دلالة أفعال النبي عليه الصلاة والسلام غير التعبدية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإن كان على وجه غير القربة والطاعة فيحمل على الإباحة في حقه وحقنا ].

    قوله: (فإن كان على غير وجه القربة) أي: التقرب لله والتعبد والطاعة، وأداء وصف بياني الثاني، أو عطف يريد به أن يبين المقصود إذا كان على غير القربة والطاعة فهو يقتضي في حقه الإباحة، وكذلك في حقنا، كسائر أفعاله العادية عليه الصلاة والسلام، لما أكل من هذا الأكل، أو لبس من هذا اللباس، أو ركب هذا النوع من الدابة، أو أعجبه هذا الطعام، أو ما إلى ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088540674

    عدد مرات الحفظ

    777218845