أولاً: عليك أن توقن أن المتفرد بالرزق هو الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
[فاطر:3].
وقال تعالى:
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
[سبأ:24].
وقال سبحانه:
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
[يونس:31].
ولذلك عاب ربنا على الكفار المجانين فقال:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ
[النحل:73], أي: ما يستطيعون لهم رزقاً ولا يملكون لهم رزقاً.
وقال على لسان الخليل عليه السلام:
إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
[العنكبوت:17].
ثانياً: عليك أن توقن أن الله جل جلاله متكفل برزق من في السموات ومن في الأرض من الإنس والجن والدواب والوحوش والطيور والحشرات, كما قال في تلك الآية التي جمعت فأوعت:
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا
[هود:6]. وفي آية سورة العنكبوت:
وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ
[العنكبوت:60].
قال ابن كثير رحمه الله: لا تحمل رزقها. أي: لا تطيق جمعه ولا تحصيله, ولا تدخر شيئاً, (الله يرزقها). أي: يقيض لها رزقها على ضعفها ويسيره عليها.
فالله جل جلاله يبعث إلى كل مخلوق رزقه، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم مخافة الإملاق, فقال الله عز وجل لهم:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
[الأنعام:151], وفي آية أخرى قال:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
[الإسراء:31].
قال أهل التفسير: كما أن الوالد سبب في رزق الولد, فقد يكون الولد سبباً في رزق الوالد, والله على كل شيء قدير.
ثالثاً: عليك أن تؤمن بأن الله يرزق من في السموات ومن في الأرض من غير كلفة ولا مشقة ولا ثقل, بل لو قام الخلق كلهم أجمعون في صعيد واحد، وكل منهم سأل ربه مسألته, فأعطى كان إنسان ما يريد, ما نقص ذلك من ملك الله شيئاً جل جلاله, فيده سحاء, وخزائنه ملأى لا يغيضها عطاء.
رابعاً: الله جل جلاله يرزق ولا يرزق:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
[طه:132] .
وفي آية أخرى:
قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ
[الأنعام:14] .
وقال تعالى أيضاً:
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ
[الذاريات:57-58].
خامساً: الله سبحانه لا يختص برزقه من آمن في الحياة الدنيا, وإنما الرزق للجميع؛ ولذلك إبراهيم عليه السلام قال:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ
[البقرة:126], فإبراهيم عليه السلام يريد الرزق لمن آمن:
مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
[البقرة:126], قال الله عز وجل:
وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ
[البقرة:126], فحتى الكافر الله عز وجل يرزقه، قال تعالى:
اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ
[الشورى:19].
سادساً: أن الله سبحانه متحكم في أرزاق عباده, يعطي ويمنع, يبسط ويقدر, يوسع ويضيق, وفق علمه وحكمته سبحانه, وقد علم أن من عباده من لا يصلحه إلا الفقر, وأنه لو اغتنى لفسد, كما قال الله عز وجل:
كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى
[العلق:6-7]؛ ولذلك الفقر خير له، وهو لا يعلم أن الفقر خير له.
وبعض الناس الغنى خير له؛ لأن الغنى وسيلة إلى الجنة؛ قال الله عز وجل:
وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ
[النحل:71].
وقال:
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
[الإسراء:30].
ثم قال:
وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ
[الشورى:27].
وقال تعالى:
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
[الزخرف:33], أي: في الكفر:
لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا
[الزخرف:33-35].
يعني: أن الله عز وجل يقول: لو أن الكفار جميعاً جعلت لهم بيوتاً من فضة وبيوتاً من ذهب, وأبواباً ومتعتهم لصار الناس جميعاً كفاراً.
ألا نلاحظ اليوم أن كثيراً من الناس عنده شك في الدين بدعوى أن الكفار ممتعون, وبلادهم رخية, أرزاقهم دارة, عيشتهم طيبة, والمسلمون بخلاف ذلك.
فتجد كثيراً من الناس عنده هذه الشبهة, ولولا أن الله جعل بعض الكفار في ضعة وفي شدة عيش وبؤس حياة كمثل الكفار الوثنيين في الهند أو في تايلند أو غيرها .. ربما لكفر كثير من الناس, نسأل الله العافية والسلامة، قال الله:
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
[الزخرف:33], أي في الكفر والضلال:
لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا
[الزخرف:33-35], قال الله عز وجل:
وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
[الزخرف:35].
سابعاً: كثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله, وهذه شبهة عند كثير من الناس, فهو يظن أن الله وسع عليه؛ لأنه يحبه، لا, فالدنيا ليست مقياساً؛ ولذلك المسكين صاحب الجنة حكى الله عنه في القرآن هو وصاحبه:
فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً
[الكهف:34-36], قال:
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا
[الكهف:36].
والوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل السهمي وكلاهما كافر صنديد, ( صنع خباب بن الأرت له سيوفاً, ولم ينقده الثمن, أي: ما دفع الثمن, ولما جاء خباب يريد الثمن قال له: يا خباب ! أليس يزعم محمد صاحبك أنا إذا متنا بعثنا, وكانت لنا جنات؟ قال: بلى. قال له: فذرني إلى ذلك اليوم حتى أعطيك الثمن, فوالله ما أنت وصاحبك بخير عند الله مني, فأنزل الله عز وجل:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا
[مريم:77-79] لا هذا ولا ذاك
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا
[مريم:79-80] ), أي: لن يأتي معه مال ولا بنون.
وقال تعالى:
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
[سبأ:35].
وقال أيضاً:
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ
[المؤمنون:55-56].
وقال سبحانه:
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى
[سبأ:37].
ولذلك أعظم الناس وسيد الناس وخير الناس محمد صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاء، يتقلب على فراشه من شدة الجوع.