إسلام ويب

تفسير سورة الكهف - الآيات [9-16]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يقص الله علينا في كتابه الكريم أروع القصص، وقد قص علينا في سورة الكهف قصة أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من بطش أعداء الله وظلمهم، فجعلهم الله آية لمن خلفهم لتتجلى عظمة الله وقدرته في نصرة عباده وأوليائه.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

    سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً * وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً [الكهف:9-16].

    هذا أوان الشروع في بيان قصة أصحاب الكهف، وقد تقدم معنا الكلام أن المشركين بعثوا النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط إلى يهود المدينة ليسألوهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم اليهود: سلوه عن فتية خرجوا في الدهر الأول ما خبرهم؟ فإن خبرهم كان عجباً، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات يبين فيها قصة هؤلاء الفتية، ولم يذكر الله عز وجل أسماءهم، ولم يبين على وجه القطع عددهم، ولم يبين مكان الكهف الذي أووا إليه، ولا في أي عصر عاشوا، وأبهم ربنا جل جلاله ذلك كله؛ لأن المقصود: العظة والعبرة، كما قال: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى [يوسف:111].

    لكن من باب البيان سأذكر خبراً واحداً في بيان قصة هؤلاء الفتية مما أورده شيخ المفسرين الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره، حيث ذكر عن محمد بن إسحاق رحمه الله قال: مرج أمر أهل الإنجيل، وعظمت فيهم الخطايا، وطغت فيهم الملوك، حتى عبدوا الأصنام، وذبحوا للطواغيت، وفيهم على ذلك بقايا من أمر عيسى بن مريم عليه السلام، متمسكين بعبادة الله وتوحيده، فكان من ملوكهم ملك من الروم يقال له: دقيانوس ، كان واحداً من الملوك الذين انحرفوا عن دين المسيح عليه السلام، حيث عبد الأصنام، وذبح للطواغيت، وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين المسيح عليه السلام، فكان ينزل في قرى الروم، ولا يترك في قرية ينزلها أحداً ممن يدين بدين عيسى إلا قتله، فقد كان طاغيةً من طواغيت الأرض، يحمل الناس على رأيه، وعلى دينه، وسلفه في ذلك فرعون الذي قال: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى [غافر:29]، وقال: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]، فلا يدع أحداً ممن يدين بدين عيسى بن مريم إلا قتله، حتى يعبد الأصنام، ويذبح للطواغيت، فإما أن يترك دين المسيح، فيعبد الأصنام، ويذبح للطواغيت، وإما أن يقتل، حتى نزل هذا الملك الظالم مدينة فتية أصحاب الكهف، فلما نزلها كبر ذلك على أهل الإيمان، فاستخفوا منه، وهربوا في كل وجه.

    وكان دقيانوس قد أمر حين قدم أن يتتبع أهل الإيمان فيجمعوا له، واتخذ شرطاً من الكفار من أهلها، يعني: أنه عين شرطةً وأحسن تدريبها، وإعدادها من أجل أن تتبع المؤمنين الذين هم على دين المسيح بن مريم، فيجمعونهم من الأماكن التي يستخفون فيها، ويؤتون بهم إلى دقيانوس ، فكان يقدمهم إلى المجامع التي يذبح فيها للطواغيت، أي: الأماكن التي نصب فيها تلك الأصنام، وأمر الناس بأن يذبح لها، فكان يأتي بهؤلاء المؤمنين إلى تلك المجامع، فيخيرهم بين القتل، أو عبادة الأصنام والذبح للطواغيت، فمنهم من يرغب في الحياة ويفظع بالقتل فيفتتن، ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل، يعني: أن بعضهم أخذ بالعزيمة فنجا، وبعضهم فتن فهلك، فلما رأى ذلك أهل الصلابة من أهل الإيمان بالله جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقتلون ويقطعون ثم يربط ما قطع من أجسادهم فيعلق على أسوار المدينة من نواحيها كلها، من أجل أن يكونوا عبرةً لغيرهم، وعلى كل باب من أبوابها، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان، فلما رأى أولئك الفتية ما نزل بإخوانهم حزنوا حزناً شديداً، حتى تغيرت ألوانهم، ونحلت أجسامهم، واستعانوا بالصلاة، والصيام، والصدقة، والتحميد، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، والدعاء، والبكاء، والتضرع إلى الله عز وجل، وأخذوا بالأسباب التي جعلها الله تفريجاً وتنفيساً، قال صلى الله عليه وسلم: ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً )، وقال الله عز وجل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وذكر الله عز وجل يرضي الرحمن، ويجعله مع العبد، فيضمن العبد بذكر الله معية الرب جل جلاله.

    وكانوا فتية أحداثاً أحراراً من أبناء أشراف الروم، وكانوا ثمانية، ثم ذكر الطبري رحمه الله أسماءهم، ولا تعنينا، فهؤلاء الفتية وصل خبرهم إلى الملك الظالم، فقالوا له: إن فتيةً على غير دين الملك، يستخفون بذلك، ويعبدون رباً غير رب الملك، فأمر دقيانوس بأن يؤتى بهم، فجاءوا وقد فاضت أعينهم بالدموع، وعفرت وجوههم بالتراب، فقال لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم أسوةً لسراة أهل مدينتكم، ولمن حضرها من الناس؟ اختاروا: إما أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح الناس، وإما أن أقتلكم؟ فتكلم كبيرهم -أي: أكبر هؤلاء الفتية- فقال له: إن لنا إلهاً نعبده، ملأ السموات والأرض عظمة، وهذا تأويل قول الله عز وجل: إِذْ قَامُوا [الكهف:14] أي: بين يدي الملك الظالم، فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً [الكهف:14]، لن ندعو من دونه إلهاً أبداً، ولن نقر بهذا الذي تدعون إليه أبداً، ولكن نعبد الله ربنا، له الحمد، والتكبير، والتسبيح من أنفسنا خالصاً أبداً، فإياه نعبد، وإياه نسأل النجاة والخير، فأما الطواغيت فلن نقر بها أبداً، ولسنا بكائنين عباداً للشياطين، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عباداً لها بعد إذ هدانا الله، فتكلموا بهذا الكلام الواضح أمام هذا الطاغية الظالم، فأمهلهم؛ لأنهم أبناء الأشراف، وسراة القوم، وعلية الناس، أمهلهم أياماً: إما أن يرجعوا عما هم عليه، وإما أن يلحقهم بإخوانهم الذين ما نقم منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض، فهؤلاء الفتية كان من خبرهم ما قص الله عز وجل من أمرهم أنهم اعتزلوا قومهم، وأووا إلى الكهف، وتضرعوا إلى الله عز وجل أن ينشر عليهم من رحمته، ويهيئ لهم من أمرهم مرفقاً، فاستجاب الله دعاءهم، وحقق رجاءهم، وأجرى لهم تلك الكرامات العظيمة، والآيات الباهرة، وعصمهم من ذلك الطاغية الجبار، وجعلهم عبرةً للآخرين، فهذه خلاصة قصة هؤلاء الفتية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522982

    عدد مرات الحفظ

    777115715