بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الرابع والستين في الآية السادسة والخمسين من سورة الأحزاب، قول ربنا تبارك وتعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56].
معاني مفردات الآية
معنى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
وفي معنى السلام ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: السلامة من النقائص والآفات لك ومعك، أي: مصاحبة وملازمة؛ فيكون السلام مصدراً بمعنى السلامة، كاللذاذ واللذاذة، والملام والملامة، ولما في السلام من الثناء عدي بـ(على)، لا لاعتبار معنى القضاء، أي: قضى الله عليك السلام كما قيل؛ لأن القضاء كالدعاء لا يتعدى بـ(على) للنفع، ولا لتضمنه معنى الولاية والاستيلاء لبعده في هذا الوجه.
الوجه الثاني: السلام مداوم على حفظك ورعايتك ومتول لك وكفيل بك، ويكون السلام هنا اسم الله تعالى، ومعناه على ما اختاره ابن فورك وغيره من عدة أقوال: ذو السلامة من كل آفة ونقيصة ذاتاً وصفة وفعلاً جل جلاله. وقيل: إذا أريد بالسلام ما هو من أسمائه تعالى فالمراد: لا خلوت من الخير والبركة، وسلمت من كل مكروه؛ لأن اسم الله تعالى إذا ذكر على شيء أفاد ذلك.
الوجه الثالث: الانقياد على أن السلام من المسالمة وعدم المخالفة، والمراد الدعاء بأن يصير الله العباد منقادين مذعنين له عليه الصلاة والسلام، ولشريعته، وأما تعديته بعلى فلما فيه من الإقبال، فإن من انقاد لشخص وأذعن له فقد أقبل عليه.
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: والراجح عندي هو الوجه الأول، يعني بذلك: السلامة من النقائص والآفات لك ومعك.
المعنى الإجمالي للآية
أيها الإخوة الكرام! المعنى الإجمالي لهذه الآية:
إن الله وملائكته يبركون على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: إن الله يرحم النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو له ملائكته ويستغفرون له، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء، فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وحيوه تحية الإسلام.
قال البخاري رحمه الله: قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء.
وقال ابن عباس : (يصلون) أي: يبركون. هكذا علقه البخاري .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً.
إخوتي الكرام! في الآية الكريمة فوائد:
منها: قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: فيه تشريف للملائكة عظيم، حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحداً.
دخول رسول الله في خطاب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ...)
الصلاة على النبي كلما ذكر اسمه
الجمع بين الصلاة والسلام على رسول الله
إخوتي الكرام! ومن فوائد الآية: أنها تضمنت الأمر بشيئين:
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم عليه، ولم تقتض جمعهما في كلام واحد وهما مفرقان في كلمات التشهد، فالمسلم مخير بين أن يقرن الصلاة والتسليم معاً فيقول: صلى الله على محمد والسلام عليه، أو أن يقول: اللهم صل على محمد والسلام على محمد، فيأتي في جانب التصلية بصيغة طلب ذلك من الله وفي جانب التسليم بصيغة إنشاء السلام بمنزلة التحية له، وبين أن يفرد الصلاة ويفرد التسليم، وهو ظاهر الحديث الذي رواه القاضي رحمه الله في الشفا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقيت جبريل فقال لي: أبشرك أن الله يقول: من سلم عليك سلمت عليه، ومن صلى عليك صليت عليه ).
وعن النووي رحمه الله أنه قال بكراهة إفراد الصلاة والتسليم، يعني: لا تقل: اللهم صل على محمد وتسكت، ولا تقل: عليه السلام، أو اللهم سلم على محمد وتسكت، بل اجمع بينهما.
قال ابن حجر : لعله أراد خلاف الأولى.
التسليم على غير الأنبياء
الصلاة على غير الأنبياء
الدعاء لرسول الله بالرحمة
أيها الإخوة الكرام! الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة في كل وقت، ويتأكد استحبابها في مواطن منها: عند افتتاح الدعاء وختمه، وعند افتتاح الخطبة بعد حمد الله والثناء عليه، ويوم الجمعة وليلتها، وبعد النداء للصلاة.
وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد، وفي صلاة الجنازة، وفي صلاة العيد، وعند زيارة القبر الشريف، وعند التلبية الفراغ منها.
يستحب للمسلم أن يقتصر في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على ما ورد في الآثار الثابتة عنه من كيفية معلومة، وما ينبغي له أن يحدث صلوات من عنده؛ لئلا يستدرك على الشرع باستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وقد استحب العلماء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتب اسمه، وقال بعضهم: بل يكتفى باللفظ.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيراً ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة، قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً.
وعلى المسلم أن يجتنب ما درج عليه المتأخرون من الإشارة برمز (ص) أو (صلعم) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يكتبها كاملة أو يتلفظ بها دون كتابة، وقد نبه على ذلك السخاوي رحمه الله تعالى في ألفية الحديث.
أسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين.