وقد جاء في فضلها عليها من الله الرضوان نصوص كثيرة، من ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه: ( أن عمرو بن العاص سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة ، قال: من الرجال؟ قال: أبوها )، يعني: أحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضوان الله عليهما.
وورد في فضلها قوله صلوات ربي وسلامه عليه: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء سوى مريم بنت عمران ، و خديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ).
قال ابن حجر رحمه الله: فضل الثريد على سائر الطعام أنه أيسر مضغاً وأسهل بلعاً، وكذلك كانت عائشة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة الكرام! توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنها، وبقيت بعده أكثر من أربعين سنة تعلم الناس وتفتيهم وتوضح لهم ما أشكل عليهم، حتى قال العالم الفذ والصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث إلا وجدنا عند عائشة منه علماً، وقال مسروق بن الأجدع وهو تلميذها: أحلف بالله! ما رأيت أعلم بفقه ولا شعر ولا طب من عائشة ، ولقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يأتونها فيسألونها عن الفرائض والأحكام.
وهذه المرأة المباركة رضوان الله عليها كانت آية من آيات الله في الجود، كانت كريمة معطاءة، بعث إليها معاوية بقلادة من سبعين ألف دينار فقسمتها في أمهات المؤمنين، وإنها لترقع جيب درعها، يعني: تلبس ثياباً مرقوعة رضي الله عنها.
وبعث إليها عبد الله بن الزبير بمائة ألف درهم، فجعلت تضم هذه في صرة، وهذه في صرة، وتبعث بها إلى فقراء المدينة، وكانت صائمة رضي الله عنها، فلما غربت الشمس قالت لجاريتها: قربي إلي فطوري، فقربت إليها خبزاً وزيتاً، فرحمتها الجارية، يعني: رقت لحالها، فقالت لها: يا أم المؤمنين! هلا اصطفيت لنفسك درهمين ابتاع لك بهما لحماً، فقالت لها عائشة : لو ذكرتني لفعلت، ما تتذكر نفسها رضي الله عنها من طيبات الدنيا.
( وقد بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشارة عظيمة، سألته يوماً: قالت: يا رسول الله! من من أزواجك معك في الجنة؟ قال: أنت منهن )، فهي من المبشرات بالجنة عليها من الله الرضوان.
وهذه المرأة الصالحة لما نزل بها الموت، وكان عند رأسها ابن أخيها عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي بكر رضوان الله عليهم، جاء عبد الله بن عباس يستأذن، فقيل لها: إن ابن عباس في الباب؟ قالت: ما لي بــابن عباس حاجة، يدخل علي، فيثني علي، يعني كانت رضي الله عنها متواضعة، لا تريد من الناس ثناء ولا شكوراً، ولا تريد لأحد أن يزكيها، فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن : إن ابن عباس من صالحي ولدك، دعيه يدخل، فقالت له: إن أحببت فأذن له، فدخل عليها ابن عباس رضي الله عنه، وكان فقيهاً، عالماً، ومن فقه الإنسان أنه إذا حضر إنسان وهو في السياق، في سكرات الموت يبشره برحمة الله، يبشره بعفو الله، يبشره بأنه سيقدم على رب كريم.
دخل ابن عباس رضي الله عنه، فقال لــعائشة : أبشري يا أم المؤمنين! ما بينك وبين القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تفارق روحك جسدك، كنت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وما كان يحب إلا طيباً، وأنزل الله براءتك في قرآن يتلى في محاريب المسلمين إلى يوم القيامة، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول الله صلى الله عليها وسلم ليطلبها، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها، فأنزل الله آية التيمم بسببك، قالت له: إيه، يا ابن عباس ! ليتني كنت نسياً منسياً. انظر ما غرها هذا الثناء رضي الله عنها، ولا تلك التزكية، بل قالت تلك الكلمة: يا ليتني كنت نسياً منسياً.
وهذه الآيات في سورة النور دليل قاطع على أن أمنا رضي الله عنها حصان، رزان، وأن أمنا مبرأة مما رماها به أهل النفاق، وقد توعد الله ابن سلول لعنه الله، فقال:
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
[النور:11]، فلا يحب عائشة ، ولا يثني عليها، ولا يهوى سيرتها إلا مؤمن طيب، ولا يبغضها، ولا يذكرها بسوء إلا منافق شانئ.
أسأل الله أن يرزقنا حبها.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.