القرآن حافل بذكر الشخصيات النسائية المؤمنة، ومن هذه الشخصيات: خولة بنت ثعلبة، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وآسية بنت مزاحم.
ذكر خولة بنت ثعلبة في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
أيها الإخوة الكرام! خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها بعد نزول هذه الآيات صار لها مكانة، وصار لها شرف؛ ولذلك لما كان عمر رضي الله عنه أميراً للمؤمنين استوقفته وقالت له: إيه! يا ابن الخطاب ! لقد عهدتك في سوق عكاظ ترعى الغنم بعصاك تدعى عميراً، ثم لم تمضِ الأيام حتى صرت عمر ، ثم لم تمض الأيام حتى صرت أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر ! فقال بعض من كانوا مع عمر : يا أمير المؤمنين! تقف لهذه العجوز وتنصت لها هذا الإنصات! فقال عمر: دعني فهذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فــعمر أحرى أن يسمع لها.
ولم يكن لــأم كلثوم رضي الله عنها زوج، لكنها بعد الهجرة زوجها النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الوحيد الذي ذكر باسمه في القرآن، ثم طلقها زيد فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فأنجبت له إبراهيم و حميداً رضوان الله على الجميع.
فلقي عمر رضي الله عنه أبا بكر وكأن في عينيه عتاباً، وكأنه يقول لــأبي بكر : قد أبدلني الله من هو خير منك، فقال له أبو بكر : يا عمر ! ما منعني أن أجيبك إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، وما كنت لأفشي سره، ولو تركها لنكحتها، وكانت حفصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مكانة ومنزلة، وكانت هي و عائشة و صفية حزباً، كما قالت عائشة : كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم حزبين، فحزب فيه عائشة و حفصة و صفية ، وحزب فيه أم سلمة و سودة و زينب وبقية أزواجه صلوات الله وسلامه عليه.
أيها الإخوة الكرام! كان عمر رضي الله عنه يحذر حفصة دائماً، وهكذا الأب الصالح، يقول لها: يا بنية! لا يغرنك هذه التي أعجبها جمالها، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، يعني قال لها: لا تصدقي عائشة، فـعائشة لها مكانة خاصة، ثم يخوفها، فيقول لها: ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك! وفعلاً: ما توقعه عمر رضي الله عنه حصل بعد حين، فقد طلقها النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عمر يحثو التراب على رأسه ويقول: ما يعبأ الله بــعمر ، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ( يا رسول الله! إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بــعمر ، راجع حفصة فإنها صوامة، قوامة، فراجعها النبي عليه الصلاة والسلام )، وبقيت عنده رضي الله عنها إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام وقد توفيت بعده بثلاثين سنة، وكانت وفاتها سنة إحدى وأربعين للهجرة وهو العام المعروف بعام الجماعة.
ذكر آسية بنت مزاحم في القرآن
المرأة الرابعة: آسية بنت مزاحم ، وكانت امرأة طيبة، مؤمنة، صالحة، جعلها الله تحت رجل من شرار خلقه، وهو فرعون اللئيم، آمنت بموسى ورب موسى وهارون، فخرج فرعون -لعنه الله- على الملأ من قومه فقال: ما تقولون في آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها خيراً، فقال لهم: أما علمتم أنها قد اتخذت رباً غيري؟ فقال القوم السفهاء، الذين استخفهم بسفهه وطيشه فأطاعوه، قالوا له: اقتلها، فسمر يديها ورجليها، لعنة الله عليه! ثم بدأ يعذبها من أجل أن ترجع عن دينها، فدعت وتضرعت بهذه الضراعة التي سجلها القرآن، قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ[التحريم:11]، فأراها الله عز وجل ذلك البيت كما قال أبو العالية رحمه الله: أن الله أراها بيتها في الجنة فتبسمت وهي تعذب، كانوا يجلدونها ويعذبونها، ويؤذنها في حر الشمس، وقد سمروا يديها ورجليها، فتبسمت، فقال لهم فرعون: ألم أقل لكم إنها مجنونة، انظروا نحن نعذبها وهي تتبسم! فقالت: وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ[التحريم:11]، أي: من هذا الزوج الخبيث، الكافر، وَعَمَلِهِ[التحريم:11]، أي: شركه بالله عز وجل شرك التعطيل، وصدوده عن الإيمان بموسى عليه السلام، فاستجاب الله عز وجل دعاءها.
روى ابن عساكر في تاريخه: ( أن خديجة رضي الله عنها لما كانت في سكرات الموت، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا خديجة ! إذا قدمت على ربك فأقرئي ضرائرك مني السلام، فقالت: يا رسول الله! هل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكني أشعرت أن الله زوجني في الجنة آسية بنت مزاحم و مريم بنت عمران وأخت موسى ).