إسلام ويب

ديوان الإفتاء [751]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عظم الله حرمة دم المسلم ونفسه، وجعل قتل النفس المعصومة من أقبح الذنوب، ومن أعظم الظلم، بل جعله الله تعالى أشد الذنوب بعد الشرك به، وأن من حرض أو شجع أو يسر في قتل امرئ مسلم معصوم جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، واستحق اللعن والطرد من رحمة الله وغضبه عليه، ومكثه طويلاً في النار.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:2-4].

    اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، أما بعد:

    فمرحباً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج والله الموفق والمستعان.

    وبداية أقول: بأن من الأمور المزعجة التي ينبغي التنبيه عليها ولفت الأنظار إليها تهاون كثير من الناس في سفك الدم الحرام, والاعتداء على الأرواح والاجتراء على ارتكاب أبشع جريمة بعد الشرك بالله وهي جريمة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, وهذه الجُرأة من الإنسان لا ينقضي منها العجب حين يقرأ قول الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93], لا ينقضي منه العجب حين يقرأ قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[الفرقان:68-69], حين نقرأ في صحف اليوم وأمس بأن طالباً في جامعة الرباط في كلية الطب سددت له ثلاث عشرة طعنة في أنحاء متفرقة من جسده حتى أسلم الروح لباريها, وهذا الطالب لا يبلغ من العمر سوى تسع عشرة سنة, الإنسان يعجب من هؤلاء قساة القلوب، غلاظ الأكباد، الذين لا يتقون الله عز وجل, فيرتكبون جريمة القتل بهذه البشاعة والنكارة على نفس مؤمنة وروح مسلمة, أما قرءوا هذه الآيات؟! أما سمعوا هذا الوعيد؟! أسأل الله عز وجل أن يتغمد ذلك القتيل برحمته وأن يسكنه فسيح جنته, وأن يلهم والدته وإخوانه صبراً جميلاً وأن يعوضهم خيراً.

    لكنني أقول إخوتي وأخواتي: بأن الله عز وجل خاطبنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29], قال أهل التفسير: المقصود: ولا تقتلوا إخوانكم, مثلما قال: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11], ومثلما قال: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61], ينبغي للمسلم أن ينزل أخاه منزلة نفسه, فما يصنعه مع نفسه يصنعه مع أخيه المسلم.

    الله جل جلاله حذرنا من قتل النفس؛ لأنه تعالى يعلم أن الناس إذا اجترءوا على إزهاق الأرواح وإتلاف الأنفس فإن هذا نذير شؤم؛ ولذلك أوجب ربنا جل جلاله القصاص فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى [البقرة:178], والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حرق حرقناه, ومن غرق غرقناه), يفعل بالجاني مثلما فعل؛ لأجل أن تسلم الأنفس؛ ولأجل أن يأمن الناس، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179], وقال في آية أخرى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا [المائدة:45], أي: كتبنا على بني إسرائيل في التوراة: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45], فهذا كلام ربنا في كتابه الكريم, ولذلك مطلوب من الإنسان المسلم أن يتقي الله عز وجل, وأن يملك نفسه عند الغضب, وأن يعلم أنه: (لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً), وأن: ( القتيل يأتي ملبباً قاتله يوم القيامة يقول: يا رب! سل هذا فيمَ قتلني؟), وأن التعاون على ارتكاب هذه الجريمة تحريضاً أو تيسيراً أو تشجيعاً إنما هو تعاون على الإثم والعدوان فـ: (من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب على وجهه: آيس من رحمة الله ).

    فيا معشر الشباب! ويا معشر الشيوخ! يا معشر الرجال! ويا معشر النساء! اتقوا الله في الدماء, واعلموا أن هذه الجرائم المروعة، وهذه الأساليب البشعة دخيلة على هذا المجتمع الذي عرف بأنه مجتمع مسالم متسامح تظللهم روح الإسلام مهما بلغ الخلاف بينهم, وأن المسلم لا يجرؤ على أن يسفك دم أخيه المسلم؛ لأنه يعلم أن ذلك ذنب عظيم وإثم كبير, وأن: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإذا فنيت حسناته طرح عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار), عياذاً بالله!

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسامح مع حبه وابن حبه أبي زيد أسامة بن زيد رضي الله عنهما, هذا الرجل المبارك في معركة من المعارك كان حماسه للإسلام شديداً, قاتل رجلاً من المشركين حتى استمكن منه, فلما رفع السيف ليقتله قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله, فـ أسامة رضي الله عنه أجهز عليه, ثم جاء فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام, فقال له صلوات ربي وسلامه عليه: ( أقتلته بعدما قالها؟!, قال: يا رسول الله! ما قالها إلا تعوذاً من القتل, قال له عليه الصلاة والسلام: أشققت عن صدره؟! قال: لا, قال: فلا أنت شققت عن صدره ولا أنت قبلت منه لا إله إلا الله, ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! يقول أسامة: حتى تمنيت أني ما أسلمت إلا يومئذ ), أي: تمنيت أني لو دخلت في الإسلام دخولاً جديداً من أجل أن يغفر ذنبي وتبيض صحيفتي, هكذا بلغ الحال برسول الله صلى الله عليه وسلم في تشديد النكير على ارتكاب هذا الذنب، حتى في حق الإنسان الذي يشك في إسلامه, هل قال: لا إله إلا الله إيماناً أم قالها نفاقاً من أجل أن ينجو من القتل؟ ما كلفنا الله أن نبحث عن ذلك, ولا أن نفتش عن صدور الناس, إذا كان هذا في حق هذا الإنسان المشكوك فيه, فكيف بالمسلم الذي نشأ بين أبوين مسلمين في بيئة مسلمة، وشهد له جيرانه بأنه كان يتردد على المسجد في الصلوات الخمس؛ يركع لله ويسجد ويقوم ويقعد؟!

    مهما كان الخلاف ومهما كان الذنب الذي يحصل بين الناس، خلاف على مال، خلاف في كلام على غير ذلك، ينبغي أن يعلم كل امرئ أنه ليس مخولاً في أن يباشر الأمر بنفسه، بل الواجب أن نتقي الله في إخواننا، وأن نتحرز من الدماء تماماً، حتى نلقى الله عز وجل وأيدينا طاهرة من هذه الدماء؛ لأن ذلك ذنب عظيم وإثم كبير.

    أسأل الله أن يتوب علينا أجمعين, وأن يحفظ علينا أمننا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089312768

    عدد مرات الحفظ

    783560631