أيها المسلمون عباد الله! إن الصدقة لا تقع من الله بموقع القبول إلا إذا تحققت فيها شروطها:
إخلاص النية لله سبحانه
وأول هذه الشروط: أن تكون للعبد فيها نية صالحة، يريد ما عند الله من أجر وجزاء، كما قال بعض الصالحين: من لم يرَ نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير إلى صدقته ضرب بها وجهه وما قبلها الله منه، حين تبذل الصدقة لا بد أن ترى نفسك أحوج إلى الأجر والثواب من حاجة الفقير إلى تلك الصدقة، لا بد أن تبتغي بها وجه الله عز وجل:
إن الصنيعة لا تعد صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع
لا بد أن تكون لك نية خالصة لله عز وجل.
وضع الصدقة في مستحقيها
عدم اتباع الصدقة بالمن والأذى
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل، وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله! فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
ولا يخفى عليكم إخوتي في الله! ما نزل في الناس في هذه البلاد من بلاء وغلاء، غلت الأسعار غلاء فاحشاً، وصار كثير من الناس إذا وجد طعاماً في إفطاره لا يجد طعاماً في سحوره، وكثير من الناس يعانون مسغبة وضيقا، نسأل الله أن يفرج عنا أجمعين.
أيها المسلمون عباد الله! تقربوا إلى الله عز وجل بالنفقة في هذا الشهر، وأولى الناس بنفقاتكم أرحامكم، الأقرب فالأقرب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالأرحام خيراً، وهذا الغلاء الذي نزل قد أصاب طوائف عديدة من أبناء هذا الشعب، ولكن مما يؤلم النفس ويوجع القلب أن يكون الجوع والمسغبة يعاني منه صغارنا، وفلذات أكبادنا، أطفالنا وطلابنا في مدارسنا، كثير من هؤلاء الأطفال لا يجد ما يفطر عليه، كما حدثنا المدرسون الثقات، يلزمون فصولهم في ساعة الإفطار لا يخرجون منها، يوهمون الناس بأنهم يذاكرون وأنهم يقرءون، لكنهم لا يريدون الخروج من الفصول؛ لئلا يفتضح أمرهم ولئلا يعرف بأنهم لا يملكون فطوراً.
أيها المسلمون عباد الله! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: ( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم )، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أيما أهل عرصة باتوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله )، فهؤلاء الصغار بحاجة إلى من يمد لهم يد العون، بحاجة إلى من يدخل عليهم السرور، بحاجة إلى من يعينهم على نشأة سوية في تحصيل دروسهم، وفي استذكار موادهم؛ من أجل أن ينشئوا وهم محبون لهذا المجتمع لا حاقدون عليه.
وهناك جماعة من الشباب الأخيار، نذروا أنفسهم لمشروع رائد خصصوه لإطعام هؤلاء الصغار، تحت شعار وضعوه: مجتمع لا يجوع فيه الصغار، منظمة مجددون، والآن أفلحوا في أن يطعموا ثلاثة وستين ألفاً من التلاميذ، وبعضهم في أطراف ولاية الخرطوم.
أيها الإخوة الكرام! هذا مشروع لا غبار عليه ولا شبهة فيه، ولا شك أنه باب من أبواب الخير، فإن هؤلاء الصغار مظنة لأموال الزكاة، وهؤلاء الصغار موضع للصدقات، وهؤلاء الصغار يمكن أن توقف عليهم الأوقاف، وهذا المسجد المبارك على مقربة منه مدارس في شرقه وفي غربه، نرجو أن تصل تبرعاتكم وصدقاتكم وزكواتكم إلى هؤلاء من أجل أن نكفل، لا أقول مدرسة واحدة، بل عدداً من المدارس، يجد الدارسون فيها من أولادنا طعاماً في الصباح يعينهم على إكمال بقية يومهم، واستيعاب ما يلقى عليهم من علوم، فمن استطاع أن يتبرع ولو بأقل القليل فليفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا فقال: ( سبق درهم مائة ألف درهم )، درهم واحد عند الله خير من مائة ألف درهم ( قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: رجل عنده درهمان فتصدق بأحدهما فقد تصدق بنصف ماله، ورجل عنده مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف فبذلها ).
أيها المسلمون عباد الله! أروا الله عز وجل من أنفسكم خيراً، وابذلوا أموالكم ترجون ما عند الله من أجر وثواب، وقد قدروا أن إفطار التلميذ الواحد خلال عام دراسي كامل لا يزيد على أربعة وتسعين جنيهاً، أربعة وتسعون جنيهاً خلال عام دراسي كامل تكفل للتلميذ إفطاراً، يستطيع التلميذ أن يجد وجبة تعينه على تلقي دروسه، وتعينه على الاستيعاب.
أسأل الله عز وجل أن يعيننا على فعل الخيرات، وأن يوفقنا لبذل الصدقات، وأن يختم لنا بخير، وأن يجعل عواقب أمورنا إلى خير.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم بارك لنا في شهر رمضان، اللهم تقبل منا ما مضى، وبارك لنا فيما بقي، وأعنا على الصيام والقيام، واجعلنا ممن صامه إيماناً واحتساباً، وممن قامه إيماناً واحتساباً، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا به حتى نلقاك، اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، ارفع عنا البلاء والغلاء والوباء والزلازل، والمحن وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم غير حالنا إلى أحسن حال، أطعم جائعنا واكس عارينا واهد ضالنا ورد غائبنا، واجمع كلمتنا، واغفر ذنوبنا، وطهر قلوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، واشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وحسن أخلاقنا، ووسع أرزاقنا، وبلغنا آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، واجعل حبك أحب الأشياء إلينا، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا، واقطع عنا حاجات الدنيا بدوام الشوق إلى لقائك.
اللهم إذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقرر أعيننا من عبادتك يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك مما لا نعلمه، ونعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجمع سخطك، نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.
اللهم يا سميع الدعاء يا قريب الرجاء نسألك أن تفرج عن إخواننا المسلمين في الصومال، اللهم أطعم جائعهم يا أرحم الراحمين، اللهم نفس كروبهم يا أكرم الأكرمين، اللهم ارفع عنهم مقتك وغضبك يا خير المسئولين ويا خير المعطين، اللهم عجل فرج إخواننا في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن، اللهم خلصهم من شر شياطين الإنس والجن يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك ولمن عبد الله فيه، ولجيرانه من المسلمين والمسلمات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.