إسلام ويب

تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حكى الله تعالى بعض علامات الساعة وأهوالها، ومن ذلك يأجوج ومأجوج، والنفخ في الصور، ومن أهوال يوم القيامة عرض جهنم للكافرين، لأنهم اتخذوا من دون الله أولياء وضل سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    يقول تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً [الكهف:99-106].

    تقدم معنا الكلام في الدرس الذي مضى عن الرحلة الثالثة للعبد الصالح ذي القرنين عليه السلام، وأنه لما بلغ بين السدين قبل أرمينيا وأذربيجان كما قال بعض المفسرين، وجد في تلك المنطقة قوماً لغتهم غريبة، ما استطاع تراجمة ذي القرنين أن يفهموا مرادهم، وأن يفقهوا قولهم، وهؤلاء القوم مثلما كانوا لا يُفقهون فإنهم كانوا لا يَفقهون، فاستخلص ذو القرنين عليه السلام من كلامهم بأنهم يشكون من أمتين من الناس يأجوج ومأجوج، وهما أمتان من بني آدم كثير عددهم، شديد بأسهم، وأنهم مفسدون في الأرض، وكان إفسادهم في الأرض عاماً بالظلم والجور والغشم والعلو في الأرض، وغير ذلك من أنواع الفساد.

    وعرضوا على ذي القرنين عليه السلام أن يجعلوا له خراجاً؛ أي: يفرض له مال يجمعونه من أفرادهم في مقابل أن يقيم بينهم وبين أولئك المفسدين سداً حائطاً حائلاً يمنع خروجهم عليهم، وكان ذو القرنين عليه السلام عفيفاً عظيماً كعادة أنبياء الله ورسله وأوليائه لا يطلبون من الناس أجراً، قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ [الكهف:95]، أي: ما آتاني الله عز وجل من أسباب القوة والتمكين خير مما تعرضونه علي من المال، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ [الكهف:95]، أي: كل الذي أريده منكم عمالاً أقوياء أستعين بهم في بناء السد، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً [الكهف:95]، (ردما) مشتق من الثوب المردم أو المتردم، وهو الذي تكون رقاعه بعضها فوق بعض.

    آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف:96]، (الزبر): جمع زبرة وهي القطعة الكبيرة، فرص هذه القطع بعضها فوق بعض، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف:96] -أو (بين الصُدُفين) أو (بين الصُدْفين) قراءات- وهما قمتا الجبل، قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً [الكهف:96]، أتى بالنحاس المذاب فأفرغه بين هذا الحديد المنضد المرصوص، فصار سداً قوياً منيعاً، قال الله عز وجل: فَمَا اسْطَاعُوا [الكهف:97] أي: يأجوج ومأجوج، أَنْ يَظْهَرُوهُ [الكهف:97] أي: أن يعلوا عليه ويتسلقوه، وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً [الكهف:97]، أي: ما استطاعوا أن يحدثوا فيه ثقباً يخرجون به على الناس.

    وتقدم معنا الكلام أن يأجوج ومأجوج من بني آدم بنص حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا آدم! أخرج بعث النار من ولدك، فيقول آدم: وما بعث النار؟ يقول الله عز وجل: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فقال الصحابة: فمن يكون ذلك الواحد يا رسول الله؟! قال عليه الصلاة والسلام: إن يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، وإن أمتي بين الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود )، فيأجوج ومأجوج من بني آدم، وهم قوم مفسدون لا خلاق لهم، وخروجهم من علامات الساعة الكبرى، كما قال الله عز وجل: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنهم لا يتركون شيئاً رطباً إلا أكلوه، ولا شيئاً يابساً إلا أفسدوه، وأنهم يظهرون في الأرض الفساد، حتى إن المسيح بن مريم عليه السلام يحرز من معه من المؤمنين إلى الطور، يعتزلون حذراً من هؤلاء المفسدين، وما زال المسيح يرغب إلى ربه ويدعوه، فيرسل الله عليهم النغف )، أي: يرسل عليهم الدود ( يتسلط عليهم في أعناقهم حتى يفنيهم، ثم يرسل الله طيراً كأعناق البخت، فتحمل جثثهم وتلقي بها حيث شاء الله، ثم ينزل الله عز وجل من السماء مطراً، فيغسلها من زهمهم ونتنهم، وتحل البركة في الأرض، وتنبت نباتها بعهد آدم ) كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    عادة الأنبياء والأولياء في إرجاع الفضل لله تعالى

    ذو القرنين عليه السلام بعدما بنى السد قال: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الكهف:98]، أي: هذا السد رحمة من ربي؛ لأنه كان سبباً دون تفادي أولئك القوم الفاسقين، وهكذا عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دائماً يرجعون الفضل إلى الله عز وجل مثلما قال سليمان حين رأى عرش بلقيس بين يديه في ظرف وجيز وزمن يسير: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل:40].

    كذلك ذو القرنين عليه السلام لم يرجع الأمر إلى عبقريته وذكائه، وإنما قال: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي [الكهف:98]، وأذن الله في خروج يأجوج ومأجوج قبل قيام الساعة.

    (جعله دكاً) بمعنى مدكوكاً، المصدر بمعنى اسم المفعول، أو جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الكهف:98]، والدكاء ظهر الناقة المستوية التي ليس لها سنام، وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً [الكهف:98].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536689

    عدد مرات الحفظ

    777191450