إسلام ويب

تفسير سورة الكهف - تساؤلات في قصة الخضرللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أساليب القرآن ذكر القصص التي تكون موعظة للعباد، ومن ذلك قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، وقد اختلف العلماء في نبوة الخضر وفي حياته وموته، وليس لأحد من الناس الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مستدلاً بخروج الخضر عن شريعة موسى عليهما السلام.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

    وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    أما بعد:

    في الدرس الأخير كان الكلام عن بعض المسائل التي يكثر سؤال الناس عنها في قصة موسى مع العبد الصالح عليهما السلام، وهذه الأسئلة خلاصتها: هل الخضر نبي أو ولي؟ وهل هو حي أم ميت؟ وهل هو أفضل من نبي الله موسى؟ وهل يسع أحداً الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مثلما وسع الخضر الخروج على شريعة موسى عليه السلام؟ ثم آخر هذه الأسئلة: لماذا قال الله عز وجل: فَأَرَادَ رَبُّكَ [الكهف:82]؟

    الخضر عليه السلام بين النبوة والولاية

    أول هذه المسائل: هل الخضر نبي أم ولي؟

    أقول: الإمام الماوردي رحمه الله حكى في المسألة ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن الخضر عليه السلام نبي.

    القول الثاني: أنه ولي.

    القول الثالث: أنه من الملائكة.

    قال الإمام النووي رحمه الله في القول الثالث: وهذا غريب باطل، أي: القول بأن الخضر من الملائكة غريب باطل، والذي عليه أكثر أهل العلم أن الخضر عليه السلام نبي، وقد دل على ذلك أمور ستة:

    الأمر الأول: قول الله عز وجل على لسان الخضر: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82]، فدل ذلك على أنه نبي يوحى إليه.

    الأمر الثاني: قول الله عز وجل: آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65]، وفي القرآن الكريم تطلق كلمة الرحمة مراداً بها النبوة، كقول الله عز وجل: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:31-32]، أي: النبوة.

    وقول الله عز وجل: وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [القصص:86]، أي: نبوة.

    وكذلك كلمة العلم، كما في قول ربنا سبحانه: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء:113]، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:68].

    الأمر الثالث: استدل على نبوة الخضر بكونه أعلم من موسى عليه السلام، وما ينبغي أن يكون الأعلم من النبي إلا نبياً، لكن هذا الدليل حقيقةً أجيب عنه بأن الخضر عليه السلام كان أعلم من موسى في نوع من العلم، وليس في مطلق العلم، وقد يوجد نبي ويكون عند بعض خلق الله من العلم ما ليس عنده، كما قال الهدهد لسليمان عليه السلام: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، وكما كان الصحابة يشيرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور هم أخبر بها منه صلوات ربي وسلامه عليه.

    الأمر الرابع: أن الخضر قد وقع منه عدوان على النفس، وإتلاف للمال، والعدوان على الناس في أنفسهم وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله عز وجل؛ لأن الله تعالى حصر طرق الإنذار في الوحي، فقال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ [الأنبياء:45].

    الأمر الخامس: أن موسى عليه السلام تواضع معه، وتأدب في خطابه وحديثه، فقال له: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف:66]؟ وكذلك قال له: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الكهف:69]، مع أن الخضر قد أغلظ له في الكلام حين قال: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الكهف:68].

    الأمر السادس: أنه ينبغي الاعتقاد بنبوته؛ لئلا يتذرع أهل الباطل بذلك في دعواهم بأن الولي أفضل من النبي.

    هذه جملة الأمور التي قررها جمهور العلماء في الاستدلال على أن الخضر عليه السلام نبي، ولا شك أن النبي أرفع درجةً من الولي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539327

    عدد مرات الحفظ

    777207915