بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الثالث والخمسين في الآية الثامنة والثلاثين، قول ربنا تبارك وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
[التوبة:38].
سبب نزول الآية
معاني مفردات الآية
المعنى الإجمالي للآية
المعنى الإجمالي لهذه الآية المباركة: يوجه الله الخطاب للمؤمنين: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله! ما لكم إذا قيل لكم: اخرجوا غزاة في سبيل الله لجهاد أعدائه تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ورغبتم في مساكنكم؟ أرضيتم بحظ الدنيا عوضاً من نعيم الآخرة وما أعد الله للمتقين في جنانه؟ فما الذي يستمتع به المستمتعون في الدنيا في عيشها ولذاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته إلا يسير حقير تافه، فاطلبوا -أيها المؤمنون- نعيم الآخرة وشرف الكرامة التي عند الله لأوليائه بطاعته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع )، يعني: الآن الواحد منا لو ذهب إلى البحر فغمس أصبعه ثم أخرجها، ما هي النسبة التي أخذها من ماء البحر؟ كذلك الدنيا بالنسبة للآخرة:
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل
[التوبة:38].
وهاهنا بشارة نسأل الله أن يجعلنا من أهلها، روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع قائلاً يقول: (إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة) يعني: مليون حسنة. فقال أبو هريرة : بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة، ثم تلا هذه الآية:
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
[التوبة:38] ).
إن هذه الآية يدركها المرء حق الإدراك، ويفهمها تمام الفهم إذا نزل به الموت، وعاين ما أعد الله عز وجل لأهل طاعته وما أعد الله لأهل معصيته، فالإنسان إذا كان في السكرات يفتح له باب إلى الجنة وباب إلى النار، فإذا كان من المؤمنين الطيبين -جعلنا الله منهم- يقال له: يا عبد الله! هذا مقعدك في النار، قد أبدلك الله به مقعداً في الجنة، وإذا كان من الصنف الآخر عياذاً بالله! يقال له: يا عبد الله! هذا مقعدك في الجنة قد أبدلك الله به مقعداً في النار.
ويحكى أن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي وهو والد الرجل الفاضل والإمام العادل عمر بن عبد العزيز ، هذا الرجل الذي كان والياً على مصر، لما نزل به الموت دعا بكفنه، قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع الكفن بين يديه نظر إليه فقال: أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟! يعني: هذا الذي تركته كله من الدور والقصور والحرير والنعيم والذهب والفضة ما أخرج إلا بهذا؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول: أف لك من دار إن كان كثيرك لقليل، وإن كان قليلك لقصير، وإن كنا منك لفي غرور.
وبعض هؤلاء الخلفاء لما كان في آخر أمره أمر بأن يُركبوه، وطاف فوجد غسالاً يعصر الملابس ويضربها من أجل أن تجف، فجعل يقول: ليتني كنت غسالاً، يعني: وجد هذه الدنيا لا تساوي شيئاً، ولا تنفع.