بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الرابع والخمسين في الآية التاسعة عشرة بعد المائة من سورة التوبة، وهو قول ربنا تبارك وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
[التوبة:119].
هذه الآية جاءت خاتمة للآيات السابقة التي تحدث فيها ربنا جل جلاله عن شأن المخلفين عن غزوة تبوك.
وقد تقدم أن المخلفين كانوا على أربعة أصناف:
الصنف الأول: تخلف بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعلي بن أبي طالب .
الصنف الثاني: تخلف لأن الله قد عذره لكونه مريضاً أو أعرج أو أعمى، أو لا يجد ظهراً يركبه.
الصنف الثالث: هم الذين كانوا مؤمنين صادقين، ولكن تكاسلوا وتباطئوا.
الصنف الرابع: المنافقون الذين كانوا يحلفون بالله كذباً من أجل أن يرضى عنهم المؤمنون، وما كان يهمهم رضا الله عز وجل.
سبب نزول الآية
الصادقون الذين أمرنا أن نكون معهم
أيها الإخوة الكرام! هذا النداء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
[التوبة:119] أتبعه ربنا جل جلاله بأمرين اثنين:
الأمر الأول:
اتَّقُوا اللَّهَ
[التوبة:119] أي: اتقوا الله بفعل المأمورات واجتناب المحذورات.
الأمر الثاني:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
[التوبة:119] قال أهل التفسير: هذه الجملة أبلغ في التحلي بالصدق مما لو قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اصدقوا، كما في قوله سبحانه:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
[البقرة:43]، أي: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً في سائر أموركم.
والصادقون الذين أمرنا الله عز وجل أن نكون معهم هم كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
[التوبة:119] أي: مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقال الضحاك بن قيس : مع أبي بكر و عمر وأصحابهما.
وقال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن أهل الملة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: مع الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وأعمالهم، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية.
وقيل:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
[التوبة:119] أي: مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة.
ولا يخفى أن هذه الأقوال كلها لا تعارض بينها، بل هي من تفسير العام ببعض أفراده، فعلى رأس الصادقين محمد صلى الله عليه وسلم، و أبو بكر، و عمر، وسائر الصحابة رضوان الله عليهم.
ومن الصادقين كذلك: من زهدوا في الدنيا وكفوا عن أهل الملة.
ومن الصادقين: من استقامت قلوبهم وصلحت نياتهم وأعمالهم.
ومن الصادقين: من اعترفوا بذنوبهم وتابوا إلى الله عز وجل منها.
المعنى الإجمالي للآية
الحث على الصدق في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الآية يستفاد منها فوائد:
أولها: الأمر بتقوى الله عز وجل.
ثانيها: وجوب الصدق في النيات والأقوال والأعمال.
ثالثها: بيان فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين وصفهم الله عز وجل بهذا الوصف.
رابعها: قال القرطبي رحمه الله: دلت على أن الكاذب لا تقبل شهادته، ولا خبره، ولو أنه شهد فشهادته مردودة، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها، قال معمر : لا أدري هل كذب على الله أو كذب على رسوله أو كذب على أحد من الناس.
قال الإمام مالك رحمه الله: لا يقبل خبر الكاذب في حديث الناس، وإن صدق في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: حتى لو كان لا يكذب في الأحاديث؛ لكن يكذب في كلام الناس، فإن الإمام مالك يقول: لا نقبل منه حديثاً ولا نتلقى عنه خبراً.
خامسها: قال الإمام النسفي رحمه الله: الآية تدل على أن الإجماع حجة؛ لأنه أمر بالكون مع الصادقين فلزم قبول قولهم.
أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.