أيها الإخوة الكرام! يستفاد من الآية فوائد:
أولها: تحريم السؤال عما لم ينزل الله حكمه في القرآن، ومثاله الآن سؤال بعض الناس، أحياناً مشافهة يكون وأحياناً يأتي كتابة، يقول فيه: سؤال القبر بأي لغة هو؟ هل صحيح أنه بالسريانية؟ يا أخي! بالسريانية، بالإنجليزية، بالفرنسية، بالعربية، المهم أعد للسؤال جواباً، أما اللغة هذه فلست مكلفاً بمعرفتها بأي لغة يتكلم معنا ربنا يوم القيامة؟
ومن ذلك أيضاً:
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
[النمل:40]، من هذا الذي عنده علم من الكتاب؟
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ
[القصص:11]، من هي أخته؟ وبعض المفتين لما انزعج قال له: وأنت تريد تخطبها؟! ما شأنك بها؟ أخت موسى ما اسمها؟ وأخو يوسف ما اسمه؟ ويبدأ يفرع ويولد أسئلة لا يترتب عليها عمل.
وقد كان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سئل عن الأمر يقول: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم قد كان، حدث فيه بالذي يعلم، وإن قالوا: لم يكن قال: ذروه حتى يكون، يعني: لم يكونوا يجيبون عن مسائل افتراضية، وقد عهد في الفقه مدرسة يقال لها: مدرسة الأرأيتية، الذين يقولون: أرأيت لو كان كذا فحصل كذا، أرأيت لو كان كذا فحصل كذا.
يقول ابن عباس رضي الله عنه: ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، منها:
يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ
[البقرة:217]،
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ
[البقرة:222]، وشبهه، ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم، والأثر رواه الدارمي.
قال ابن عبد البر رحمه الله: من سأل مستفهماً راغباً في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثاً عن معنىً يجب الوقوف في الديانة عليه فلا بأس به، فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره.
ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى:
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
[النحل:43].
ومما يستفاد من الآية: بيان سعة عفو الله عز وجل؛ حيث لم يؤاخذهم بالعقوبة ولم يعاجلهم بالعذاب.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.