بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.
أما بعد:
فيقول الله عز وجل في الآية السادسة والخمسين من سورة الأحزاب:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56].
المعنى الإجمالي في هذه الآية المباركة:
يخبر ربنا جل جلاله أنه سبحانه يثني على نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك ملائكته المقربون يثنون على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون له، ثم يأمرنا معشر المسلمين أن نصلي ونسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم تحية له وتعظيماً وإجلالاً وتوقيراً.
معنى الصلاة من الله والملائكة والمؤمنين
وصلاة الله تعالى رحمة منه وبركة، وصلاة الملائكة دعاء، وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
[الحديد:21].
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك.
وقد روى الترمذي في سننه عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم: أنهم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار.
قال الألوسي رحمه الله: عبر عن النبي صلى الله عليه وسلم دون اسمه على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه؛ إشعاراً بما اختص به من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر. انتهى كلامه رحمه الله.
ومعناه: أن الله عز وجل إذا تحدث عن الأنبياء ذكرهم بأسمائهم، أما محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل قد ذكره بوصفه وهو النبوة.
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في العمر مرة، ثم اختلفوا فيما سوى ذلك، فقال قوم: واجبة عند ذكره، وقال قوم: واجبة في كل مجلس.
قال القرطبي رحمه الله: والذي يقتضيه الاحتياط: الصلاة عند كل ذكر؛ لما ورد من الأخبار في ذلك.
وقد اختلفوا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في تشهد الصلاة المفروضة: أهي واجبة أم لا؟
والجمهور: على أنها سنة مؤكدة غير واجبة.
وفي الآية أحكام:
منزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام وحكم الصلاة والسلام على غيره
الحكم الأول: الآية تضمنت شرف النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند الله تعالى.
الحكم الثاني: وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الحكم الثالث: هذه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شعار يختص به دون غيره؛ فلا يجوز أن نصلي على غيره من أمته، وبهذا قال جمهور العلماء مع اختلافهم: هل هو محرم أو مكروه كراهةً شديدةً، أو مكروه كراهة تنزيه؟ وكذا لفظ السلام عليه، صلوات ربي وسلامه عليه.
حكم الترضي على الصحابة والقول عند ذكر بعضهم: كرم الله وجهه
الحكم الرابع: جرت عادة جمهور الأمة والسواد الأعظم من سلفها وخلفها على الترضي على الصحابة، والترحم على من بعدهم، والدعاء لهم بمغفرة الله وعفوه، وشعار المبتدعين: تخصيص علي رضي الله عنه بالسلام دون سائر الصحابة الكرام، أو تخصيصه بقولهم: كرم الله وجهه.
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا وإن كان المعنى صحيحاً، لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين.
أذكر هاهنا جملة مباحث في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
أحاديث في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
مواطن تستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
المبحث الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحبة في كل وقت، ويتأكد استحبابها في مواطن:
منها: عند افتتاح الدعاء وختمه، وعند افتتاح الخطبة بعد حمد الله والثناء عليه، ويوم الجمعة وليلتها، وبعد النداء للصلاة، وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد، وفي صلاة الجنازة، وفي صلاة العيد، وعند زيارة قبره الشريف، وإذا لبى وفرغ من تلبيته.
كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اجتناب الإشارة إلى الصلاة على رسول الله بـ(ص) أو (صلعم)
المبحث الرابع: استحب العلماء الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتب اسمه. وقال بعضهم: بل يكتفى باللفظ.
قال الخطيب البغدادي : رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيراً ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابةً، قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً.
اجتناب ما يشار به عند الصلاة على رسول الله بـ(ص) أو (صلعم)
المبحث الخامس: على المسلم أن يجتنب ما درج عليه المتأخرون من الإشارة عند الكتابة برمز: (ص)، أو (صلعم)، عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بل يكتبها كاملة أو يتلفظ بها دون كتابة، وقد نبه على ذلك السخاوي رحمه الله في شرح ألفية الحديث.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين، وصل على سيدنا محمد في الآخرين، وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.