بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الرابع عشر في الآية الثامنة عشرة بعد المائة من سورة آل عمران؛ قول الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
[آل عمران:118].
سبب نزول الآية
معاني مفردات الآية
تولي غير المسلمين للمناصب في الدولة الإسلامية
بعض الناس يقول: ما مر على المسلمين زمان شر من هذا الزمان، وهذا القول ليس بصحيح، فقد مر على المسلمين أزمنة سوء هي شر مما نحن فيه الآن، ففي بعض الأزمنة كان اليهود هم أصحاب المناصب وأصحاب الشورى في الدولة الإسلامية، حتى قال بعض الفقهاء:
أحبابنا نوب الزمان مريرة وأمر منها إمرة السفهاء
فمتى يفيق الدهر من نكباته وأرى اليهود بذلة الفقهاء
يتمنى أن يأتي زمان يرى فيه اليهود أذلة كذلة الفقهاء والعلماء، فقد كان العلماء مبعدين، وقد أقصوا ونحوا، وبالمقابل الكفار من اليهود وغيرهم رفعوا وأُجلوا.
وهذه الآية عملت عملها في زمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا لا يتخذون بطانة من دون المؤمنين.
فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ومعه غلامه، وكان كاتباً حاسباً حافظاً، يعني: خازناً جيداً، فـعمر رضي الله عنه أعجب به، فقال له: لو قرأت علينا شيئاً من القرآن؟ فقيل له: لا يستطيع يا أمير المؤمنين! أن يقرأ، فقال: أجنب هو؟ يعني: عليه جنابة قالوا: لا. بل نصراني، فضرب عمر رضي الله عنه أبا موسى وقال له: أتتخذ بطانة من دون المؤمنين، لا تصدقوهم وقد كذبهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله.
قال ابن كثير رحمه الله: ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولذلك قال تعالى:
لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً
[آل عمران:118]، فهناك وظائف أيها الإخوان! فيها إجماع من أهل العلم على أنه لا يجوز أن يتولاها غير المسلم، ومنها:
الإمامة الكبرى أي: الحكم، فلا يجوز أن يتولاها غير المسلم؛ لأنها خلافة موضوعة لحراسة الدين وسياسة الدنيا به، ولا يمكن أن يحرس الدين من لا يدين به، ولا أن يسوس الدنيا به من لا يدين به.
كذلك: منصب قيادة الجيش لا يمكن أن يتولاه غير المسلم.
كذلك: القضاء، وأمر الزكاة، فهذه كلها مناصب ذات صبغة دينية، لا يتولاها غير المسلم.
ومنها كذلك: المناصب التي فيها اطلاع على أسرار الدولة المسلمة ومعرفة بأحوالها الباطنة الدقيقة، فلا ينبغي أن يتولى ذلك غير المسلم، ولا المنافقون وأهل الأهواء.
الآيات الواردة في تحريم موالاة الكفار
من صور موالاة الكفار في الزمن الحاضر
وفي هذه الآية فوائد، منها: حرمة اتخاذ الكافرين أولياء وخواص من دون المؤمنين إذا كانوا على الأوصاف الأربعة التي ذكرت في الآية:
الوصف الأول:
لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً
[آل عمران:118]، أي: لا يقصرون فيما فيه ضرركم وفسادكم وإفساد الأمر عليكم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
الوصف الثاني:
وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ
[آل عمران:118]، أي: يتمنون ضرركم حالاً ومآلاً في دينكم ودنياكم.
الوصف الثالث:
قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
[آل عمران:118]، يظهرون تكذيب نبيكم صلى الله عليه وسلم وكتابكم، وينسبونكم إلى الحمق والجهل، ولا شك أن من اعتقد حمقك وجهلك فإنه لا يحبك.
الوصف الرابع: ما يظهرونه على ألسنتهم من علامات الحقد أقل مما في قلوبهم منه.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.