من فضل الله ورحمته أن حذر عباده المؤمنين من أن يتبعوا خطوات الشيطان ونزغاته، وذلك لأنه يأمر بكل فعل وقول قبيح، وخطوات الشيطان لها صور عديدة، يعملها الشيطان لإغواء بني آدم.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ...)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين. أما بعد:
وسبب نزول هذه الآية ما قاله الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: أخرج البخاري و مسلم وأهل السنن وغيرهم حديث عائشة الطويل في سبب نزول هذه الآية بألفاظ متعددة، وطرق مختلفة، حاصله: أن سبب النزول هو ما وقع من أهل الإفك الذين تقدم ذكرهم في شأن عائشة رضي الله عنها.
وقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:21] أي: سميع لمن يشيع الفاحشة ويروجها في مجتمع المؤمنين، ويقذف الغافلات المؤمنات المحسنات الطيبات، عليم بما في نفسه من محبة إشاعة الفاحشة في مجتمع المؤمنين، عليم بمن كان في نفسه كراهة للفاحشة وبعد عنها فيجازي كلاً بما يستحق.
المعنى الإجمالي للآية
والمعنى الإجمالي لهذه الآية:
أن الله عز وجل يقول لكم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله! لا تسلكوا سبل الشيطان وطرقه، ولا تقتفوا آثاره بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وإذاعتها فيهم، وروايتكم ذلك عمن جاء به، فإن الشيطان يأمر بالفحشاء.
فالله عز وجل يعظ المؤمنين الطيبين من أمثال: حسان بن ثابت ، و حمنة بنت جحش ، و مسطح بن أثاثة رضوان الله عليهم، هؤلاء الذين تكلموا بحسن نية وبمسارعة في شأن أمنا عائشة رضي الله عنها، والله تبارك وتعالى يقول لهم: هذا الذي فعلتموه إنما هو من اتباع خطوات الشيطان، وهي موعظة للمؤمنين جميعاً.
قال أهل العلم: كل شر وفساد إنما هو من تزيين الشيطان، فالشيطان يحرص على أن يوقع المؤمن في الشرك بالله عز وجل وهو الذنب الذي لا يغفر، فإن عجز حرص على إيقاع العبد في البدعة؛ بأن يشرع في الدين مالم يأذن به الله، ويخترع من عنده طريقة يتعبد بها لله عز وجل، وهو يعلم بأن البدعة أخطر من المعصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى قد احتجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته )، ثم إن عجز عن إيقاع الإنسان في البدعة فإنه يوقعه في الكبائر الموبقات المهلكات، فإن عجز انتقل به إلى الصغائر التي يستحقرها الإنسان ويستصغرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحقرات الذنوب! فإنهن يجتمعن على العبد حتى يهلكنه )، فإذا عجز عن الصغائر فإنه يشغل الإنسان بالعمل المباح عن العمل الواجب، أي: يشغله بالعمل المباح عما أوجب الله عليه من فرائضه وحدود دينه، فإن عجز عن ذلك شغله بالعمل المفضول عن العمل الفاضل، وهذه كلها من خطوات الشيطان.
نماذج وصور من تلبيسات الشيطان
أيها الإخوة الكرام! وهنا نذكر بعض الصور من تلبيسات الشيطان
منها: أن رجلاً سأل ابن مسعود فقال له: إني حرمت على نفسي أن آكل طعاماً، وسمى الطعام الذي حرمه. فقال ابن مسعود : هذا من نزغات الشيطان، كفِّر عن يمينك وكل.
ومنها: أن رجلاً سأل الشعبي رحمه الله أنه نذر لله أن يذبح ولده. فقال له: هذه من نزغات الشيطان، وأمره أن يذبح كبشاً.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي رافع قال: غضبت علي امرأتي، أي: حصل بينه وبين زوجته خلاف كالذي يحصل بين سائر الناس، فقالت امرأته وهي غضبى: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية إن لم تطلقني. يعني والعياذ بالله! تحلف على نفسها بملة غير ملة الإسلام، تقول: أنا سأصير يهودية، وأصير نصرانية إن لم تطلقني، فأتى أبو رافععبد الله بن عمر فقال له ابن عمر : إنما هذه من نزغات الشيطان، وأفتاه بأن يستبقي امرأته.