مما لا شك فيه أن الإيمان نور، وأن الكفر ظلمات، وقد كان حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً يعيش في الظلمات حتى أدركته رحمة الله فهداه إلى الإسلام الذي هو النور، والكافر في حال كفره حاله كالميت، فإذا هداه الله إلى الإسلام فكأنه بدأ الحياة من جديد، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)
تمثيل المهتدي بعد الضلالة بمن خرج من الظلام إلى النور
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أعرض عنه صلوات ربي وسلامه عليه، وكانت جارية لـعبد الله بن جدعان في سكنها تسمع ما قاله أبو جهل للنبي عليه الصلاة والسلام، فلما جاء حمزة بن عبد المطلب من قنص له متوشحاً قوسه وكان صاحب قنص، يعني صاحب صيد.
جاء حمزة رضي الله عنه فقالت له الجارية: يا أبا عمارة لو رأيت ابن أخيك محمداً، قد سبه أبو الحكم سباً قبيحاً، قال لها: وما قال له محمد؟ -يعني: بأي شيء أجابه- قالت: لم يرد عليه، فاحتمله الغضب رضي الله عنه، وعمد إلى أبي جهل ، فوقف عليه ثم ضربه بالقوس على رأسه فشجه شجة منكرة. وقال له: أتشتم محمداً وأنا على دينه، أقول بالذي يقول، إن استطعت أن ترد علي فافعل، فقام رجال من بني مخزوم ليدافعوا عن صاحبهم، فقال لهم أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً.
رجع حمزة رضي الله عنه بعدما أعلن على الملأ أنه على دين محمد صلى الله عليه وسلم فأدركته الوساوس الشيطانية، ولعبت في نفسه الهواجس. ثم لما ضاق صدره واشتد كربه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: يا ابن أخي، إني قد قلت قولاً لا أدري والله ما المخرج منه، وإنه لقبيح بمن كان مثلي أن يقيم على أمر لا يدري أرشد هو أم غي، فحدثني فإني والله اشتهي أن أسمع حديثك.
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه عن الإسلام ويقرأ عليه القرآن حتى فتح الله مغاليق قلبه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وعلمت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعزه الله بعمه، وقد صار من ذلك اليوم المبارك أسداً من أسد الله، يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أذى حتى أدركته منيته يوم أحد رضي الله عنه.
قال: فأخذت حربتي ولم يكن لي بالقتال شأن، فرأيت حمزة كالجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هداً لا يقف له شيء، فـأردت أن أقتله، فسبقني إليه سباع بن عبد العزى ، فقال له حمزة : هلم إلي يا ابن مقطعة البظور، جئت تحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فضربه بالسيف على رأسه ضربة ففلق هامته حتى كان كأمس الدابر، قتله شر قتلة.
يقول وحشي : فهززت حربتي -وكنت رجلاً من الحبشة أجيد الرمي- حتى إذا رضيت عنها رميت بها حمزة بين ثنته وسرته فذهب ليقوم فغلبته نفسه، فتركته حتى مات، ثم جئت فأخذت حربتي ولم يكن لي شأن برجل غيره، لا يريد إلا حمزة رضي الله عنه.
وجاء المشركون بعد ذلك، فبقروا بطنه واستخرجوا كبده وقطعوا أذنه وجدعوا أنفه.