وهذه الآية المباركة يأمرنا فيها ربنا جل جلاله بأن نتبع سبيله، وأن نسلك طريقه بطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، وينهانا عن اتباع خطوات الشيطان، قال بعض المفسرين: (خطوات الشيطان) دروبه ومسالكه. وقال بعضهم: (خطوات الشيطان) نزغاته. وقال بعضهم: (خطوات الشيطان) نذور المعاصي، أي: أن ينذر الإنسان معصية، جاء رجل إلى عامر الشعبي رحمه الله فقال له: إني نذرت أن أذبح ولدي، فقال: هذا من نزغات الشيطان، وأمره أن يذبح مكانه كبشاً؛ فلا يجوز للإنسان أن ينذر مثل هذا النذر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ).
وجاء رجل إلى ابن مسعود واستفتاه في أن امرأته قالت: هي يهودية أو نصرانية، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك. يعني هذه المرأة كانت لها ضرة، واستبد بها الشيطان يوماً فقالت: أنا يهودية يوماً، ونصرانية يوماً، وكل مملوك لي حر إن لم تطلق امرأتك. فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: هذا من خطوات الشيطان، أي: هذا الكلام كله من الشيطان، ولا يجوز للمسلم إطلاقاً، وللأسف هذا يقع من بعض الناس، فيقول: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذا أو كذا، وهذا كله من اتباع خطوات الشيطان.
وبالجملة كل معصية لله عز وجل فهي من اتباع خطوات الشيطان، سواء كانت معصيةً بالقلب كالغش، والحسد، والبغضاء، والحقد على المسلمين، أو كانت معصيةً بالجوارح، كالنظر إلى ما حرم الله، أو سماع ما حرم الله، أو التكلم بما حرم الله، أو المشي إلى ما حرم الله، أو غير ذلك.
قال علماؤنا: وخطوات الشيطان ستة يتدرج ابن آدم فيها:
أولها وأخطرها والعياذ بالله: الشرك، فإن الشيطان يحرص على أن يوقع ابن آدم في الشرك؛ لأنه يعلم أنه إن أشرك فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، كما قال تعالى:
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً
[النساء:116]، فيوقع الإنسان في الشرك الأكبر، فإن لم يستطع أوقعه في الشرك الأصغر، فإن لم يستطع أوقعه في الشرك الخفي وهو الرياء، والعياذ بالله.
فإذا لم يستطع أن يوقعه في الشرك، ينتقل إلى الثانية التي بعدها وهي البدعة، وهي أن تشرع في الدين ما لم يأذن به الله، أو تخترع طريقةً تتقرب بها إلى الله عز وجل، وهذه الطريقة ما أمر بها الله، ولا شرعها نبينا صلى الله عليه وسلم.
والبدعة خطيرة وفي الحديث ( إن الله تعالى قد احتجب توبته عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته )، والبدعة أخطر من المعصية؛ لأن العاصي يعرف بأنه مخطئ، أما المبتدع: فيعتقد أنه متقرب إلى الله عز وجل بهذه البدعة.
وإذا ما استطاع أن يوقعه في البدعة ينتقل إلى الدرجة الثالثة وهي الكبائر، الموبقات، يوقعك في عقوق الوالدين، أو في اليمين الغموس، أو في أكل الربا، أو في أكل مال اليتيم، أو في أكل أموال الناس بالباطل، أو في الزنا، أو في قذف المحصنات الغافلات، أو في الذنوب التي يترتب عليها حد في الدنيا ووعيد بالنار في الآخرة، أو لعنة من الله أو غضب.
وإذا ما استطاع ذلك، فإنه ينتقل إلى الخطوة الرابعة وهي: الصغائر التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم المحقرات، فقال: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على العبد حتى يهلكنه). وضرب صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً بقوم كانوا في سفر؛ فأرادوا أن يوقدوا ناراً، فجعل هذا يأتي بشيء من الحطب، وهذا يأتي بشيء من خشاش الأرض، حتى أوقدوا تلك النار؛ ولذلك المؤمن يخاف من الصغائر، ويراها كجبل يوشك أن يقع عليه، وأما المنافق فإنه يراها كذبابة وقعت على أنفه فقال بها بيده هكذا.
وإذا ما استطاع أن يوقع العبد في الصغائر ينتقل إلى الدرجة الخامسة وهي: أن يشغلك بالعمل المباح عن العمل الواجب؛ فلربما ينشغل الإنسان بمداعبة أهله، أو ملاعبة ولده عن صلاة الجماعة، أو لربما ينشغل ببعض الأمور المباحة عن طلب العلم الواجب، وهذا من خطوات الشيطان.
وإذا ما استطاع، فإنه ينتقل إلى الدرجة السادسة والأخيرة وهي: أن يشغلك بالعمل المفضول عن العمل الفاضل، مثال ذلك: أن ينشغل الإنسان بقيام الليل، فيقوم يتهجد لله عز وجل حتى إذا دنا طلوع الفجر الصادق هدهده الشيطان حتى نام، ولا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فهنا شغله بالعمل المفضول وهو قيام الليل عن العمل الفاضل وهو صلاة الصبح، والله عز وجل قال: ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه )، فالفريضة أحب إلى الله من النافلة، أو حتى في العلم يشغلك بالمفضول عن الفاضل، فتجد بعض الناس ينشغل بأمور لو أنه مات وهو يجهلها ما سأله الله عنها، وفي الوقت نفسه يجهل كثيراً من مهمات الدين.
إذاً عندنا ست خطوات:
الأولى: الشرك بالله عز وجل، عياذاً بالله، فإن عجز فالبدعة عياذاً بالله، فإن عجز أوقعك في كبائر الذنوب الموبقة، فإن عجز فإنه يهون عليك الصغائر حتى تهلكك، فإن عجز شغلك بالعمل المباح عن العمل الواجب، فإن عجز شغلك بالعمل المفضول عن العمل الفاضل.
والله عز وجل يشير في هذه الآية إلى أن استطالة الإنسان في عرض المسلمين والمسلمات هو من خطوات الشيطان، وفي الحديث: ( الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم )، هذا أشد أنواع الربا، بأن ترمي المسلم بالكفر، أو ترميه بالنفاق، أو ترميه بعداوة الله ورسوله، أو ترميه بأنه زان، أو أنه كذا، أو كذا، هذا أربى الربا.