إسلام ويب

تفسير سورة النور - الآية [21]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه نهى عباده المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان، وذلك أن للشيطان خطوات يستدرج فيها العبد، فأول خطواته الشرك فإذا عجز عنه انتقل إلى البدعة، ثم إلى الكبائر الموبقات، ثم إلى المعاصي والسيئات، ثم إلى الاشتغال بالمباح وترك الواجب، كما أنه يصد عن العبادة بتعليلات كاذبة ويحسن المعصية حتى الوقوع فيها

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    ففي الآيات التي سبقت وهي قوله تعالى: يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور:17-18].

    بين جل جلاله أن بعض الناس يرتكب ذنباً يظنه صغيراً يسيراً لكنه عند الله عظيم كبير، قال سبحانه: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].

    وهنا في هذه الآية يخاطب الله جماعة المؤمنين فيقول لهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21].

    قرأ نافع و أبو عمرو بن العلاء و حمزة بن حبيب و ابن كثير في رواية البزي بإسكان الطاء: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان)، وقرأ الباقون بضمها.

    والخطوات: جمع خطوة، وهي المسافة ما بين القدمين عند المشي، فالإنسان إذا مشى فإن ما بين قدمه وقدمه الأخرى يسمى خطوة.

    قوله: الشَّيْطَانِ [النور:21].

    (الشيطان): مشتق من شطن إذا بعد، ومنه يقال: بئر شطون إذا بعد قعرها، وقيل: من شاط إذا احترق، والشيطان هو ذلك الكائن الذي صيره الله عز وجل سبباً لإغواء بني آدم بعدما امتنع من السجود لآدم عليه السلام وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76]، وقد أحل الله عليه لعنته، وطرده من جنته، وأوجب له النار ولكل من اتبعه، فقال تعالى: اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:18].

    ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].

    هذه جملة شرطية، أداة الشرط (من)، وفعلها (يتبع)، وجواب الشرط (فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)، (فإنه) ضمير الشأن يعود إلى الشيطان، والفحشاء والمنكر سبق بيان الفرق بينهما في قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]، وذكرنا بأن المنكر: ما استقر قبحه في الشرع، والفحشاء: ما استقر قبحها في العقل والشرع معاً، يعني: أن العقل يحكم بقبحها، وجاء الشرع مصدقاً لحكم العقل، أما المنكر فما حكم الشرع بقبحه، والمثال للمنكر التحلي بالذهب أو الحرير بالنسبة للرجال، فهذا منكر، أما الفحشاء فالزنا، واللواط، وما أشبه ذلك من الجرائم الكبيرة.

    قال سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا [النور:21] أي: ما طهر، مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً [النور:21]، و(من) هنا زائدة لتوكيد المعنى، وتقدير الكلام: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم أحد أبداً، فإن (من) قد تدخل على الفاعل، وقد تدخل على المفعول، كما في قول الله عز وجل: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ [المائدة:19]، المعنى: ما جاءنا بشير ولا نذير.

    قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:21].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088465051

    عدد مرات الحفظ

    776887491