إسلام ويب

تفسير سورة النور - الآية [2] الأولللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرمت الشريعة الإسلامية الزنا، بل وعدته من أقبح الأعمال، كما شرعت للحفاظ على العرض والنسل حدوداً لا يجوز تعديها؛ فمن تعداها أقيم عليه الحد؛ ومن أجل هذا الأمر حرمت الأسباب الداعية إلى ذلك كالخلوة والنظر المحرم واللمس والخضوع بالقول ونحوها، كما شرعت الزواج لإحصان الفرج، وسمحت بالتعدد بالنسبة للرجال، كل ذلك حفاظاً على المجتمع، ووقاية له من الوقوع في الفاحشة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    فقد افتتح ربنا جل جلاله هذه السورة المباركة بهذه الجملة الخبرية، فقال: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:1].

    بين ربنا جل جلاله في هذه الآية أن هذه السورة المباركة قد اشتملت على جملة وطائفة من الأحكام الواضحات، وأنها نازلة من عنده جل جلاله، وقد فرض علينا العمل بها؛ من أجل أن يحصل لنا الذكرى والانتفاع.

    ثم شرع جل جلاله في بيان هذه الأحكام مفصلة؛ فقال جل من قائل: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2].

    معاني المفردات في هذه الآية المباركة:

    قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ، الزنا في اللغة: هو الوطء المحرم.

    وفي الشرع: هو الوطء من غير نكاح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين.

    وقيل: هو إيلاج فرج في فرج محرم شرعاً، مشتهاً طبعاً، ويقال لفاعله من الذكور: زان، ويقال لفاعلته من الإناث: زانية، وفيه لغة بالمد، يقال: الزنا، ويقال: الزنآ.

    قوله تعالى: فَاجْلِدُوا ، (فاجلدوا)، الجلد: هو ضرب الجلد، يقال: جلده إذا ضرب جلده، مثلما يقال: بَطَنه إذا ضرب بطنه، ورَأَسه إذا ضرب رأسه، وجَبَهه إذا ضربه في جبهته، فالجلد هو ضرب الجلد.

    قال تعالى: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، (منهما): الضمير يعود إلى المذكورين أولاً وهما الزانية والزاني.

    وقوله: مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ، (الرأفة) هي: أرق الرحمة، وقوله: فِي دِينِ اللَّهِ ، (الدين) هنا بمعنى: الحكم، وكلمة الدين في القرآن من الألفاظ المشتركة التي تطلق على عدة معان، مثل كلمة الأمة، فكلمة الأمة تطلق ويراد بها الطائفة من الناس، كما في قول الله عز وجل: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ[القصص:23]، وتطلق كلمة الأمة على المدة الزمنية، كما في قوله سبحانه: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ[هود:8]، وكما في قوله سبحانه: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ[يوسف:45]، وتطلق الأمة في القرآن على الملة والمعتقد، كما في قوله تعالى: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ[الزخرف:22]، أي: على ملة ومعتقد.

    وكذلك كلمة الدين تطلق ويراد بها عدة معان، ومن معانيها: الجزاء، كما في قوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وتطلق على المعتقد، كما في قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، وإطلاقها على المعتقد سواء كان معتقداً حقاً أو باطلاً؛ ولذلك مثلما نقول: دين الإسلام، نقول: دين اليهودية ودين النصرانية.. وهكذا، وتطلق كلمة الدين على الحكم، ومنه قوله تعالى: مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ[يوسف:76]، أي: في حكم الملك.

    فهنا قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، أي: في حكم الله.

    ثم قال تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، (اليوم الآخر): هو يوم القيامة، وسمي آخراً؛ لأنه آخر أيام الدنيا.

    قال سبحانه: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ، (وليشهد) بمعنى: يحضر، فالشهود بمعنى: الحضور.

    وكلمة الشهادة في القرآن تطلق ويراد بها عدة معان:

    تطلق ويراد بها الإخبار بحق للغير على الغير، كما سيأتي معنا في قوله سبحانه: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ[النور:6]، وتطلق على العلم، كما في قوله سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ[آل عمران:18]، وتطلق على الحضور، كما في قوله سبحانه: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6]، أي: حاضر، سبحانه وتعالى.

    وقوله سبحانه: طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، (الطائفة): العدد من الناس، وسيأتي الحديث عنها هل المراد بالطائفة من الواحد إلى الألف أو المراد بها الاثنان فما فوق، أو المراد بها الأربعة، أو المراد بها العشرة فما فوق، فهذه أربعة أقوال في المراد بمعنى الطائفة:

    فإما أن يكون المراد بالطائفة مطلق العدد من الواحد إلى الألف؛ استدلالاً بقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا[الحجرات:9]، وهذه الآية نازلة في اقتتال رجلين، أو أن يكون المراد بالطائفة الاثنان فأكثر، كما في قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ[التوبة:122]، أو المراد الأربعة فما فوق، أو المراد العشرة فما فوق.

    قال تعالى: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، المؤمن اسم فاعل من الإيمان، والإيمان في اللغة: هو التصديق، وفي الشرع: هو التصديق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالأركان.

    وقول الله عز وجل: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ[النور:2]، كلمة الرأفة، فيها قراءات ثلاث:

    (رأفة) و(رافة) بتسهيل الهمزة، وهي قراءة السوسي ، ثم هناك قراءة بفتح الهمزة: (ولا تأخذكم بهما رآفة في دين الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088543170

    عدد مرات الحفظ

    777229797