إسلام ويب

تفسير سورة النور - الآيات [4-5] الثانيللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يمكن الجزم بمرجع عود الاستثناء في الجمل أو المفردات المتعاطفة لورود العود في القرآن الكريم إلى البعض وإلى الكل، وأما إذا قذف العبد حراً فقد قال بعض العلماء بأنه يجلد ثمانين جلدة؛ لكون القذف حق للآدمي، وقيل بل يجلد أربعين جلدة قياساً على حد الزنا، والحكم في ما إذا قذف الحر عبداً أنه حد عليه في الدنيا ولكن في الآخرة، وألفاظ القذف تنقسم إلى نوعين صريح وكناية ولكل منهما ألفاظه وحكمه.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

    يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5].

    تقدم معنا الكلام أن هاتين الآيتين الكريمتين تتناولان شأن الاعتداء على الأعراض باللسان بعدما كان الكلام في الآيات السابقة عن الاعتداء على الأعراض بالفعال.

    وتقدم معنا الكلام في نحو من عشر مسائل تناولتها هاتان الآيتان الكريمتان:

    المسألة الأولى: في سبب النزول: هل هي نازلة في شأن قذفة أمنا عائشة رضي الله عنها، أو أنها على عمومها؟

    المسألة الثانية: في معنى القذف، وعرفنا أن القذف: هو الرمي بفاحشة توجب حداً أو نفي النسب.

    المسألة الثالثة: في معاني الإحصان في القرآن، وعرفنا بأن الإحصان في القرآن أطلق على ثلاثة معان: على معنى التزويج كما في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ [النساء:24]، وكما في قوله: فَإِذَا أُحْصِنَّ [النساء:25]، ثم المعنى الثاني: على العفة كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [المائدة:5]، وكما في قوله: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ [النساء:25].

    ثم المعنى الثالث: أطلق الإحصان مراداً به الحرية، ومنه قول الله عز وجل: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ [النساء:25]، أي: نصف ما على الحرائر من العذاب.

    المسألة الرابعة: أن هناك قرينتين في الآية دالتان على أن المراد بالرمي هنا الرمي بالفاحشة:

    القرينة الأولى: ذكر المحصنات بعد الكلام عن الزناة والزواني.

    القرينة الثانية: قول ربنا جل جلاله: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، وليس ثمة جريمة يشترط فيها شهود أربعة إلا جريمة الزنا عياذاً بالله، وألحق بها بعض العلماء ما كان مثلها من الاعتداء على الأعراض، من إتيان الذكران، أو إتيان النساء النساء.

    المسألة الخامسة: لماذا خص الله النساء بالذكر، فقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، مع أن العلماء مجمعون على أن حكم قذف الذكور كقذف الإناث؟ قلنا: لأن الله عز وجل يعلم بأن قذف المرأة أضر من قذف الرجل، ولذلك خصهن بالذكر.

    أو على قول بعض المفسرين: بأن (المحصنات) صفة لموصوف محذوف، وتقدير الكلام: والذين يرمون الأنفس المحصنات، أو الذين يرمون الفروج المحصنة.

    المسألة السادسة: في أن هذه الآية متناولة بعمومها لجميع القذفة، ودل القرآن على استثناء الأزواج، فلو أن الزوج قذف زوجته فإنه لا يطالب بشهود أربعة، وإنما يحلف هو أربع مرات بالله الذي لا إله إلا هو أن هذه المرأة قد وقعت في الفاحشة، وإن كانت حاملاً فإنه يقول: وهذا الحمل -ويشير إليها- الذي في بطنها ليس مني، وفي المرة الخامسة يقول: علي لعنة الله إن كنت كاذباً، ولو أن المرأة نكلت عن اليمين فإنه يقام عليها حد الزنا، وتدرأ عنها الحد بأن تحلف أربع مرات بأنها ما قارفت زنا، وأن هذا الحمل الذي في بطنها وتشير إليه هو من هذا الرجل وتشير إليه، ثم في المرة الخامسة تقول: غضب الله علي إن كان صادقاً، ويترتب على ذلك أحكام أربعة سيأتي بيانها إن شاء الله عند الكلام عن اللعان.

    المسألة السابعة: في الاستثناء في قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا [النور:5]، أجمع أهل العلم على أن الاستثناء لا يرجع إلى العقوبة الأولى، وهي قوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، فمن تاب من القذف فإن توبته تنفعه ديانةً ولا تنفعه قضاءً، وأجمعوا على أن الاستثناء يؤثر في العقوبة الثالثة وهي قوله تعالى: وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [النور:4]، واختلفوا في الثانية وهي الشهادة، فلو أنه تاب هل تقبل شهادته كما قال الجمهور أو ترد أبداً كما قال أبو حنيفة النعمان عليه من الله الرضوان؟

    المسألة الثامنة: في تعريف الفسق، عرفنا أن الفسق: هو الخروج، وأنه في الشرع: الخروج عن طاعة الله بارتكاب كبيرة، أو الإصرار على صغيرة.

    المسألة التاسعة: عرفنا أن القذف من كبائر الذنوب بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات، وعد من بينهن: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).

    المسألة العاشرة: في قول الله عز وجل: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[النور:4]، وأن الجلد يقال فيه مثل ما قيل في قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2].

    المسألة الحادية عشرة: في قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [النور:4-5]، هل هذه التوبة تقتضي أن يكذب القاذف نفسه، أو أنه يكتفى بأن يتوب إلى الله ويصلح حاله؟ وأن قول الله عز وجل: فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ [النور:13]، في قوله سبحانه: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ [النور:13]، أي: في حكمه لا في علمه جل جلاله، فالقاذف قد يكون صادقاً ورأى الجريمة رأي عين، لكنه إذا تكلم بما رأى وعجز أن يأتي بالشهود فإنه في حكم الله يقام عليه الحد، وإن كان صادقاً في نفس الأمر.

    المسألة الثانية عشرة: قلنا: بأن هذه الآية نصت على عقوبة القاذف في الدنيا، وهناك آية أخرى بينت عقوبته في الآخرة، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:23].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087496736

    عدد مرات الحفظ

    772676211