جاء الخطاب الشرعي عاماً للرجال والنساء، إلا ما خصه الدليل بأحدهما، وقد يكرر الخطاب للدلالة على أهمية الأمر، ومن ذلك الخطاب الوارد في آيات سورة النور في غض البصر، واستدل بهذه الآية على تسوية حرمة النظر بين الرجال والنساء، والراجح خلاف ذلك كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة
من فوائد غض البصر
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
ومن فوائد غض البصر: الرضا بما قسم الله عز وجل، والقناعة بالحلال، وبالمقابل من أطلق بصره ودامت نظراته دامت حسراته، فالذي ينظر إلى كل شيء فإنه تدوم حسراته.
وحفظ الفرج من اللواط؛ لأن الله عز وجل ذم قوم لوط ووصفهم بأنهم فاسقون، مسرفون، عادون، قوم سوء، وأنزل بهم تلك العقوبة البالغة حين جعل عاليها سافلها، وأتبعهم بحجارة من سجيل.
وأخبر ربنا جل جلاله أن غض البصر وحفظ الفرج يترتب عليه التزكية والتطهير، قال تعالى: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] أي: أطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم، ثم تهدد الله الجميع بقوله: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، لا تخفى عليه خافية، فمن أطلق بصره في الحرام وأخفى ذلك عن الناس، فالله عز وجل مطلع عليه عالم بسره.
سبب نزول قوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...)
وسبب نزول هذه الآية ما ذكره مقاتل بن حيان عن جابر بن عبد الله : أن أسماء بنت مرشدة رضي الله عنها كان لها محل في بني حارثة، وكان النساء يأتينها غير مؤتزرات يعني: غير لابسات أزراً، فتبدو خلاخل أقدامهن، وتبدو صدورهن وذوائبهن، والذوائب هي: الضفائر، وهذه المرأة الأنصارية استنكرت هذا الأمر، فقالت: ما أقبح هذا، يعني: هذا قبيح، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
نظر المرأة إلى الرجال
ومن قال من أهل العلم: بأن نظر النساء إلى الرجل كنظر الرجال إلى النساء استدل بما رواه الترمذي من حديث ابن شهاب الزهري ، عن نبهان مولى أم سلمة : أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ميمونة )، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية ، خالة عبد الله بن عباس ، وكانت آخر النساء اللائي تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوج بها بعد عمرة القضاء، وعمرة القضاء كانت في السنة السابعة من الهجرة، المقصود بأن أم سلمة قالت: ( كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ميمونة ، فاستأذن ابن أم مكتوم ، يعني جاء ابن أم مكتوم رضي الله عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احتجبا منه، فقلن: يا رسول الله! إنه رجل أعمى ليس يبصرنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟ )، يعني: إذا كان هو أعمى فلستما عمياوين، فهذا الحديث استدل به من يقول: بأن حرمة نظر النساء إلى الرجال كحرمة نظر الرجال إلى النساء سواء بسواء، لكن هذا الحديث لا يصح؛ لأن نبهان باتفاق أهل الحديث ضعيف لا يحتج بحديثه، وتشديد الشريعة في نظر النساء إلى الرجال ليس كتشديدها في نظر الرجال إلى النساء، ويدل على ذلك حديثان صحيحان:
الشاهد من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لـعائشة أن تنظر إلى الأحباش، وهم رجال.
الحديث الآخر: وهو في الصحيح أيضاً: (أن فاطمة بنت قيس أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت أم شريك ، امرأة من الأنصار، ثم قال لها: إن هذه امرأة يغشاها أصحابي)، يعني كان بيتها مفتوحاً والناس يأتون عندها يأكلون ويشربون، (ولكن اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ؛ فإنه أعمى، تضعين ثيابك ولا يراك)، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه.
فأقول: الذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- بأن تشديد الشريعة في نظر النساء إلى الرجال، ليس كتشديدها في نظر الرجال إلى النساء، وعليه فلو أن المرأة احتاجت أن تنظر إلى الرجل من غير شهوة فالأمر في ذلك واسع، أما مع وجود الشهوة فهو حرام.