بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
فيقول الله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ
[النور:27].
القراءات الواردة في كلمة (بيوت)
معاني المفردات
من تطبيقات هذه الآية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت سعد بن عبادة ؛ فقال: السلام عليك ورحمة الله، فرد سعد بصوت لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: وعليك السلام ورحمة الله، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فرد سعد ثلاثاً دون أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع عليه الصلاة والسلام، فتبعه سعد وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما سلمت تسليمةً إلا وهي بأذني، وقد رددت عليك لا أسمعك، وإنما أحببت أن تكثر من السلام علينا والبركة، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت، وقرب إليه زبيباً؛ فأكل عليه الصلاة والسلام، ثم دعا قائلاً: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة )، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذه القصة رواها مطولةً الطبراني من رواية قيس بن سعد بن عبادة ، وكذلك رواها أبو داود من حديث ثابت البناني ، عن أنس فالنبي صلى الله عليه وسلم طبق هذه الآية، جاء فاستأذن ثلاثاً ثم رجع.
ومن تطبيقات هذه الآية كذلك ما قالته زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: كان عبد الله إذا أتى البيت لا يدخل حتى يعلم أهله بتنحنح أو ببصاق، كراهة أن يهجم منهم على ما يكره، فـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا أتى بيته الذي فيه امرأته ما كان يدخل حتى يعلمهم بتنحنح أو بصاق بأنه قد جاء، كراهة أن يهجم منهم على ما يكره.
فالله عز وجل قال:
لا تَدْخُلُوا
[النور:27]، أيها المؤمنون
بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
[النور:27]، حتى تعلموا أهلها، وتشعروا بالأنس منهم، ويحصل منكم سلام؛ لأن الدخول بغير إذن قد يوقع بصر الإنسان على شيء من العورات، والعورات كما يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: ليست العورات عورات الجسد فقط، وإنما هناك عورات الطعام، فقد يكون الإنسان مثلاً في آخر الشهر يتغدى عدساً أو فولاً مثلاً، أو غير ذلك من طعام لا يحب لغيره أن يراه، وهناك عورات الأثاث، فأحياناً البيت لا يكون مرتباً، ولا يكون على حالة مهيأة لاستقبال الضيوف، وهناك عورات اللباس، فأحياناً الإنسان عورته مستورة، ولكنه يجلس بلباس لا يليق أن يراه غيره عليه، وهناك عورات المشاعر النفسية، بمعنى أن الإنسان أحياناً يكون في ضيق، وأحياناً في هم وغم وكرب، وأحياناً يكون بينه وبين زوجه شجار وعراك، أو بينه وبين أولاده تغاضب وتنافر، وليس مهيأً لاستقبال أحد، كما يقول الناس بلسانهم: اليوم الجو مكهرب، فليس من الحكمة أن يأتي الإنسان في كل وقت ويريد من الناس أن يستقبلوه في كل وقت، وقد عذرنا ربنا جل جلاله، فقال:
لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا
[النور:27].
ثم بين ربنا جل جلاله أن هذا التشريع إنما هو لخيرنا ولراحتنا ولنفعنا،
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النور:27]، (لعلكم تذكرون)، أي: لعلكم دائماً تتذكرون نعمة الله عليكم، ورحمة الله بكم، وإحسانه إليكم، حين وضع لكم هذه التشريعات المحكمة، وهذه الأحكام المبينة.
وكلمة (لعلكم) للمفسرين فيها وجهان:
الوجه الأول: بأن لعل بمعنى اللام، أي: ذلكم خير لكم لتتذكروا، ومنه قول القائل:
فقلتم لنا: كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كلمع سراب في الملا متألق
فقوله: (كفوا الحروب لعلنا نكف) أي: لنكف.
الوجه الثاني: لعلكم على بابها من الترجي، ولكن الترجي في حيز المخلوقين لا في حيز الخالق جل جلاله، فالله لا يترجى، وإنما الذي يترجى المخلوق.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.