بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
هناك أحكام في الاستئذان، نبينها كما يلي:
استقبال المستأذن الباب وجعله تلقاء وجهه
صفة دق الباب
تعريف المستأذن بنفسه
الحكم الثالث: من حق صاحب البيت أن يسأل فيقول: من؟ وينبغي للمستأذن أن يعرف بنفسه تعريفاً كاملاً، فيقول: أنا فلان، أو أنا فلان بن فلان، أو يذكر لقبه: أنا الشيخ فلان، أنا الدكتور فلان، أنا المهندس فلان، أنا السباك فلان، المهم أن يذكر تعريفاً يزيل الوحشة عن صاحب البيت، ولا يقول: أنا؛ لما رواه الإمام أبو داود من حديث محمد بن المنكدر ، عن جابر رضي الله عنه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فطرقت الباب فقال: من؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا كأنه كرهها )، كره أن يقول الطارق: أنا، قال ابن كثير رحمه الله: لأن كلمة (أنا) ليست تعريفاً، وإنما تصلح لكل أحد، أي واحد ممكن أن يقول: أنا سواءً كان رجلاً أو امرأة يريد خيراً أو يريد شراً، وكذلك شعبة بن الحجاج رحمه الله، وكان عنده دعابة، طرق بابه طارق، فقال له: من؟ فقال: أنا، قال له: يا هذا! ما عندي صديق يقال له: أنا، فـ(أنا) هذه لا تصلح، عرف بنفسك تعريفاً كاملاً، وبعض الناس تستنكر من جهله إذا طرق الباب فقلت: من؟ يقول لك: يا أخي! لماذا لا تفتح؟ خائف من ماذا؟ وهذا من الجهل، وبعض الناس يطرق الباب تقول له: من؟ يقول لك: أمين، أعرفك من أين، أمين وإلا خائن؟ قل: أنا فلان ابن فلان.
صفة الاستئذان
الحكم الرابع: المرجع في الاستئذان إلى العرف، فلكل أهل بلد عرفهم في الاستئذان، نحن ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان استئذانه بالسلام، وذكرنا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يتنحنح ويبصق، ومثلاً بعض إخواننا المصريين يقول: يا ساتر! هذه من أجل أن يعلم بأنه قد جاء، وذكروا أن بعضهم كان يقال له: الدراوردي ؛ لأنه كان يقول أأدخل بالفارسية، أطلق عليه هذا اللقب، فالمسألة المرجع فيها إلى العرف.
الحكم الخامس: الإذن يتحقق من كل أحد من أهل البيت صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى.
السلام عند عدم وجود أحد بالبيت
تقديم السلام على الاستئذان
الحكمة من الاستئذان والإعلام قبل دخول البيت
الحكم الأخير: كان من عادة العرب أن الواحد منهم يدخل البيت بغير إذن ويقول: قد دخلت، فأدبنا الله عز وجل بهذا الأدب الرفيع الذي فيه سلامة قلوبنا، وراحة إخواننا، وطرد للوحشة من نفوسنا؛ لأن الإنسان فلو دخل بيت غيره بلا إذن فإن هذا يكون مبعثاً للريبة، لو لقيت إنساناً دخل بيتك من غير إذن فإنك لا تظن به خيراً، فالله عز وجل أبعد عن نفوسنا وقلوبنا كل ما يوقع بيننا عداوةً، أو بغضاء، أو وحشةً، أو شحناء، فأراح الزائر والمزور، حتى بلغ من عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر أنه ينهى الزوج أن يطرق أهله ليلاً، فلو أن الواحد منا مسافر ورجع في الليل فلا يأتي أهله؛ بل يبيت في المسجد أو في أي مكان حتى يصبح، قال صلى الله عليه وسلم: ( من أجل أن تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ) فالزوج إذا كان مسافراً فالغالب أن الزوجة لا تهتم بامتشاط، ولا تهتم باستحداد بأن تزيل الشعر الزائد في الأماكن المعلومة، فإذا علمت أن زوجها قادم فإنها تتهيأ من أجل أن يراها على أبهى هيئة، وأطيب ريح، والحمد لله أراح الله الناس الآن بالهواتف، حتى لو كان الإنسان سيحضر في نصف الليل، فإنه يخبر أهله من النهار بأني إن شاء الله سأصل في الثانية صباحاً، أو في الثالثة صباحاً، فإذا جاء يجد أهله قد تهيئوا لاستقباله، واستعدوا لمجيئه، ورحبوا بمقدمه، هذا هو أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله أن يرزقنا العمل بما نعلم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.