الزواج سبب من أسباب الغنى وجلب الرزق، وقد حث الشارع الأولياء أن يختاروا لبناتهم وأخواتهم صاحب الدين ولو كان فقيراً، وأمر الرجال أن يختاروا ذات الدين، وقد كان الصالحون يعرضون بناتهم وأخواتهم على الرجل الصالح؛ لأنه سيحفظ ابنتهم ويصونها ويكرمها، ويعاشرها بالمعروف.
الحث على تيسير سبل النكاح واختيار الزوج الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
وبالمقابل أيضاً لا بد أن يزوج الإنسان بنته لصاحب الدين، فلا تزوج بنتك إلا لتقي، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، فالله عز وجل قال: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، ومطلوب منا التيسير في الصداق، والتيسير في إجراءات النكاح وما إلى ذلك من أجل أن نشجع على صيانة المجتمع المسلم من كل أسباب الانحراف.
وقد أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يخطب إحدى بنات الأنصار لـجليبيب ، وكان رجلاً من أصحابه فقيراً، لا يؤبه له، فالنبي صلى الله عليه وسلم كلم أباها، قال له: ( أرأيت ابنتك فلانة؟ قال: بلى، قال: إني أريدها )، النبي عليه الصلاة والسلام قال لوالدها: إني أريدها، ( قال: حباً وكرامة يا رسول الله! قال: لـجليبيب )، يعني: الرجل فهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريدها لنفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لـجليبيب )، ( فقال: دعني أستأمر أمها )، طالما الحكاية فيها جليبيب دعني أشاور ( فذهب إلى أمها فقال لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم يريد ابنتك، فقالت: حباً وكرامة ونعم الزوج هو، قال: لا لنفسه بل لـجليبيب ، فالمرأة غضبت قالت: أجليبيب ابنه؟ ) جليبيب هذا ولده؟ ( أجليبيب ابنه؟ رددتها ثلاث مرات، والبنت الصالحة الطيبة تسمع هذا الكلام، قالت لأبيها وأمها: أتردون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكحوني يعني: زوجوني، فزوجت هذه الفتاة من ذلك الفقير المسكين جليبيب ، دخل في غزوة من الغزوات، والنبي صلى الله عليه وسلم بعدما وضعت الحرب أوزارها بدأ يسأل: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: فلاناً، ثم سأل: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: فلاناً، وبدءوا يعدون، قال: لكنني أفقد جليبيباً، فقام يبحث عنه عليه الصلاة والسلام فوجده صريعاً بين ستة قد قتلهم، فقال عليه الصلاة والسلام: قتل ستةً ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، ثم حمله على ساعديه صلى الله عليه وسلم، فوضعه في لحده، يقول الصحابي: والله ما له سرير سوى ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: ما رأيت امرأةً أنفق في الأنصار منها )، يعني: هذه التي تزوجها جليبيب كانت أغنى امرأة في الأنصار رضي الله عنها.
قد يعترض بعض الناس فيقول: تزوجت فافتقرت، وبعض الناس يقول لك: والله كنت غنياً، فلما عرست افتقرت، وبعض الناس يقول: تزوجت فقيراً فازددت فقراً، أو ربما يطيل لسانه يقول لك: أصل المرأة هذه فقر، ونحن وعندنا يقين بأن الله لا يخلف الميعاد جل جلاله، وهو وعد فقال: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، ولذلك ذكر المفسرون في هذه الآية تأويلات:
قالوا: التأويل الأول: ليس المقصود دوام الغنى، وإنما قد يتحقق ولو لفترة محدودة، يعني الآن أما تلاحظون بأن الإنسان إذا تزوج تأتيه أشياء ما كانت على باله؟ هذا يأتيك بخروف، وهذا يأتيك بعشاء، وهذا يأتيك بسرير، وهذا يأتيك بكذا، وهذا يضع في جيبك شيئاً، وناس يأتونك بمظروف يقولون: هذا من إخوانك في الجامع، فهذا غنى.
ولو أنك ما تزوجت لم يكن أحد يعطيك شيئاً، لا خروف، ولا سرير، ولا صحن، ولا ملعقة، فالنكاح كان سبباً لغناك.
التأويل الثاني قيل: المراد بالغنى غنى النفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس )، فالإنسان الذي يتزوج يغني الله عز وجل نفسه، يغنيه بالحلال الطيب عن الحرام.
فالمقصود أن الإنسان الذي يتزوج ثم يفتقر أو يزداد فقراً إما لخلل في نيته، وإما لعوج في سلوكه، فأحدهم يتزوج ثم يبحث عن الحرام وتجدون بعض الناس عنده زوجة لكنه -والعياذ بالله- يتلصص، وربما يذهب إلى الزنا، والعياذ بالله، وربما ينظر إلى الغلمان والمردان، وربما يحاول أن يتوسل ويتوصل إلى الحرام، فمثل هذا ما اتقى الله، والإنسان الذي ما يتقي الله لا يجعل الله له من أمره يسراً، فنحن على يقين من هذه الآية، وقد جربت ووجد أثرها، فكثير من الناس تزوج فأغناه الله، ولذلك يا معشر الشباب! أقدموا ولا تحجموا.