إسلام ويب

أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [3]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن معرفتنا بأحواله عليه الصلاة والسلام في جميع أعماله وخاصة في الصيام تعيننا على حسن الاقتداء به، ومن تلك الأحوال عبادته لربه عز وجل وتلذذه بها، وحرصه على تعجيل الفطر وتأخير السحور ودعائه عن الإفطار وغيرها، وعند إصابته لجنابة وترخصه كالتبرد بالماء والتقبيل، واختصاصه بالوصال ووجوب القيام، وجواز صومه وفطره في السفر، وتنوعيه في أدعية الاستفتاح وعدد ركعات القيام مع حرصه على الأئمة حسني الصوت والأداء، وكذا المساجد المعدة مع اهتمامنا بطول القيام.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وعدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    هذا هو الدرس الثالث في هذه الدورة المباركة، وقد تقدم معنا الكلام في الدرس السابق عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدوم رمضان، وعرفنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يتهيأ لاستقبال رمضان بصيام أيام كثيرة من شعبان، وأنه صلوات ربي وسلامه عليه كان معنياً ببيان أحكام الصيام لأصحابه قبل قدوم رمضان.

    وكذلك كان يبشرهم عليه الصلاة والسلام بما أعد الله من الأجر والثواب لمن صاموا وقاموا وأحسنوا في رمضان.

    وأنه ما كان يدخل في الصيام إلا ببينة، إما برؤية الهلال أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً.

    والكلام في هذا الدرس -إن شاء الله- عن: أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان.

    بمعنى: كيف كان صومه وقيامه واعتكافه وقراءته للقرآن؟ وما هي أنواع الخير وأصناف البر التي كان يحرص عليها صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا كله مما سنعرض له في هذا الدرس إن شاء الله.

    وبداية أقول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعبد الخلق لربه جل جلاله، وما عرفت الدنيا إنساناً عبد ربه وأحسن فيما بينه وبين مولاه مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ربنا جل جلاله وصفه بالعبودية في أعلى المقامات وأفضلها، فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ[الإسراء:1]، وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ[الكهف:1]، وقال: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا[البقرة:23]، وقال سبحانه: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ[الزمر:36]، وقال عن نفسه صلوات ربي وسلامه عليه: ( إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد ).

    ومن عبوديته صلوات ربي وسلامه عليه لربه: أنه كان يتلذذ بالعبادة، فما كان يراها تكليفاً شاقاً ولا أمراً ممضاً؛ وإنما كان يجد فيها لذة وحلاوة وأنساً، وكان يشتاق إلى العبادة؛ ولذلك كان في الصلاة يقول لـبلال : ( أرحنا بها يا بلال ).

    وكذلك في قيام الليل، كما ثبت من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي، فقالت: يا رسول الله! إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل حجره، ثم بكى حتى بل لحيته، ثم بكى حتى بل الأرض، فلا يزال يبكي صلوات ربي وسلامه عليه حتى جاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة، فقال: يا رسول الله! لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟، فقال له عليه الصلاة والسلام: لقد نزلت علي آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] ) الآيات العشر إلى آخر سورة آل عمران.

    فعبادته صلوات ربي وسلامه عليه كانت عبادة المحب، عبادة الذليل بين يدي العزيز جل جلاله، عبادة المشتاق، وليست عبادة من يرى العبادة تكليفاً يريد أن يلقيه عن كاهله، ويريد أن يبرئ ذمته وأن يتخلص منه على أي وجه كان، بل هي عبادة المجود المتقن الذي يجد فيها لذة وحلاوة وأنساً، ويدخلها بشوق.

    ومن ذلك عبادة الصيام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545861

    عدد مرات الحفظ

    777241783