إسلام ويب

أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [4]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على الاعتكاف في رمضان؛ لإدراك ليلة القدر، فاعتكف لذلك العشر الأول، ثم الوسطى، واستقر به الأمر في العشر الأواخر، وكان ينقطع في معتكفه عن الناس للخلو بربه سبحانه، ومدارسة القرآن الكريم، وكان لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    أكلة السحور والاغتسال من الجنابة لمن أدركه الصبح وتعجيل الفطر والدعاء عنده

    فقد تقدم معنا الكلام عن بعض أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه في رمضان، فتبين لنا أن من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه كان يحرص على أكلة السحر، وكان يؤخرها ويعجل فطره، ويفطر على رطبات فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.

    وأنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو إذا أفطر فيقول: ( ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله ).

    وعرفنا أن من هديه صلوات ربي وسلامه عليه كذلك أن الفجر كان يدركه أحياناً وهو جنب من جماع فيغتسل ويصوم؛ فعلم بذلك أنه لا حرج على الإنسان أن ينام جنباً وقد نوى الصيام.

    وألحق بهذا أن المرأة إذا طهرت من الحيض قبيل الفجر، فإنها تنوي الصيام ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ فإن الصيام لا يشترط له الطهارة.

    التيسير على الناس بالتبرد والادهان والسواك

    ومن هديه صلوات ربي وسلامه عليه أخذه بالتيسير، ومحاولته تخفيف مشقة العبادة على نفسه وعلى الناس؛ ولذلك كان يصب الماء على رأسه وهو صائم.

    وقد أخذ بهذه السنة أصحابه رضوان الله عليهم؛ فكان أنس بن مالك رضي الله عنه ينغمس في حوض فيه ماء بارد وهو صائم، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو من أحرص الناس على متابعة السنة، يبل ثوبه ثم يلتحف به وهو صائم.

    وكذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا كان يوم صوم أحدكم، فليصبح دهيناً مترجلاً.

    وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه يتمضمض ويستنشق وهو صائم، وقد أوصى لقيط بن صبرة رضي الله عنه، وقال له: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).

    وكان من هديه أن يستاك وهو صائم، كما قال عامر بن ربيعة رضي الله عنه: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي )، يعني: رأيته مرات كثيرة.

    وأكثر العلماء على أنه لا فرق بين أن يكون السواك قبل الزوال أو بعده، وفي أول النهار أو آخره، وأنه لا فرق أن يكون بعود يابس أو عود رطب، وكذلك أقول: لا فرق بين أن يكون بعود الأراك أو بفرشاة ومعجون، لكن الإنسان يحتاط ألا يصل إلى جوفه من ذلك شيء.

    وصاله صلى الله عليه وسلم وصومه في السفر

    ومن هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه كان يواصل الصيام أحياناً، وربما واصل أسبوعاً، ومنع الصحابة من محاكاته في ذلك، وأخبرهم أن هذه خصوصية له، فقال: ( إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني )، ورخص لمن أراد الوصال أن يواصل إلى السحر ولا يزيد.

    وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه في السفر أنه كان يصوم أحياناً ويفطر أحياناً، وقد خير حمزة بن عمرو لما سأله، فقال له: ( إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر )، فلا مانع من أن يصوم المسافر أو أن يفطر، ولا ينبغي أن يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

    وكذلك من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه ما كان يخرج من الصيام إلا برؤية محققة أو بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً.

    قيامه الليل مع تنوع ركعاته وقراءته للقرآن فيه

    وقد أوصانا صلوات ربي وسلامه عليه بأن نحرص على القيام في رمضان، وأخبرنا بأن: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).

    وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه لا يزيد في صلاته بالليل على إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غير رمضان، وكان يطيل القيام وينوع في ذلك؛ فأغلب حاله أنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى، ثم يوتر قبل طلوع الفجر بواحدة.

    وأحياًناً كان يصلي على غير هذه الهيئة؛ ( فلربما صلى أربعاً لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعاً لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم أوتر بثلاث )، ولربما صلى ثمان ركعات لا يجلس إلا في آخرهن، ثم يقوم فيأتي بتاسعة، ثم يصلي ركعتين، فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة.

    ولربما صلى خمساً متصلات، ثم صلى ستاً يسلم بعد كل ركعتين، وهذا كله سنة.

    وما كان من هديه أن يقوم الليل كله صلوات ربي وسلامه عليه، بل أخبرنا أن ( خير الصيام صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً )، وأن ( خير القيام قيام داود، كان ينام من الليل نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه ).

    وكان يقسم الليل ثلاثاً، ينام في نصفه الأول ثم يقوم في ثلثه ثم ينام في سدسه الأخير؛ من أجل أن يقوم لصلاة الفجر نشيطاً.

    وكان صلوات ربي وسلامه عليه يخلطه بقراءة قرآن وغيره؛ تقول عائشة رضي الله عنها: ( ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً إلا رمضان ).

    صلاته منفرداً في القيام خشية أن يفرض مع طول قيامه فيه

    وكان من هديه في قيام الليل أن يقوم منفرداً، فلا يقوم لصلاة جماعة إلا إذا حصل هذا اتفاقاً؛ مثلما صنع ابن عباس رضي الله عنه حين قال: ( بت عند خالتي ميمونة ، أرقب قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عليه الصلاة والسلام: هل نام الغلام؟ فقالوا: لا بعد، ثم سأل: هل نام الغلام؟ فقالوا: لا بعد، قال: فتناومت )، يعني: تظاهرت بأني قد نمت، ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقمت إلى يساره، قال: فأخذني برأسي من وراء ظهره حتى أقامني عن يمينه )، فـابن عباس صلى تلك الليلة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وثبت عن حذيفة بن اليمان رضوان الله عليهما، أنه قال: ( قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح سورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة! فأتمها، ثم افتتح النساء، فقلت: يركع عند المائة! فأتمها، ثم افتتح آل عمران حتى أتمها، ثم ركع فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فلم يزل يقول: لربي الحمد، لربي الحمد، لربي الحمد، حتى كان قيامه قريباً من ركوعه، حتى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه ).

    وكان عليه الصلاة والسلام يقوم من الليل منفرداً؛ مخافة أن يفرض القيام على أمته، فلما زال هذا المحظور وتوفي نبينا عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو المحدث الملهم، الموفق المسدد - لما رأى الناس يبتدرون السواري بعد صلاة العشاء، ولهم بالقرآن دوي كدوي النحل، يصلي الرجل منفرداً، وقد يصلي بصلاته جماعة من الناس، يعني: إما منفردين وإما جماعات جماعات؛ جمعهم كلهم على أقرئهم وهو: أبي بن كعب رضي الله عنه، ولربما ساعده في الصلاة تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.

    وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يطيل صلاة القيام، وكذلك أصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531709

    عدد مرات الحفظ

    777166693