إسلام ويب

ديوان الإفتاء [486]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النصر وعد من الله عز وجل لعباده المؤمنين، وقد يتأخر النصر تمحيصاً للنيات، وحتى يكثر المؤمنون من اللجوء إلى ربهم، وحتى يعلموا أن النصر من عند الله وحده، وليس بقوة عدد ولا عُدد، ولحصول النصر أسباب، منها: صلاح النية والمقصد، واجتماع الكلمة، وعدم التنازع، وعدم الاتكال على النفس، والحكمة في تأخر النصر تمييز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب والصابر من الجبان

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الافتاء، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.

    وقد مضى معنا الكلام في حلقة سابقة في أن لله عز وجل حكماً بالغة في تأخير النصر عن عباده المؤمنين، قد يتأخر النصر تمحيصاً للنيات، وقد يتأخر النصر من أجل أن يكثر الناس من اللجوء لرب الأرض والسموات، ويلح عليه بالدعاء الصادق، وقد يتأخر النصر من أجل أن يعلم الناس أن النصر لا بقوة عدد ولا عُدد، وإنما: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126]، وقد يتأخر النصر: لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141]، وقد يتأخر النصر من أجل أن يبالغ المجرمون في إجرامهم، والمعتدون في اعتدائهم، فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر.

    وأقول أيها الإخوة والأخوات! بأن للنصر أسباباً يمكن أن نستنبطها من قصص القرآن، فإن ربنا جل جلاله حدثنا عن قصة طالوت وجالوت، فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى المَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:246]، الآيات، وهذه الآيات المباركات نستنبط منها أسباباً يتحقق بها نصر الله عز وجل، ومتى ما تخلفت هذه الأسباب تأخر النصر أو انعدم.

    أول هذه الأسباب: الحرص على صلاح النية، ولا ينافي ذلك أن يكون القتال ردعاً للظلم ودفعاً للعدوان، لكن لا بد أن تتمحض النية في أن هذا القتال، وهذا الجهاد انتصار لدين الله عز وجل، وغضب لانتهاك الحرمات لا غضباً للنفس، ولذلك لما قال بنو إسرائيل: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قال أهل التفسير: أظهروا التصلب والتجلد في القتال ذباً عن أموالهم ومنازلهم، فلذلك لم يتم قصدهم؛ لأنه لم يخلص لحق الله عزمهم، ولو أنهم قالو: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أمرنا، ووجب القتال علينا، لعلهم وفقوا لإتمام ما قصدوا، فلا بد أن تتمحض النية لله عز وجل ابتداءً؛ من أجل أن يحصل النصر في النهاية والعاقبة.

    ثم ثانياً من أسباب النصر: أن الإنسان قد يظن القدرة على ترك المحظور أو القيام بالمأمور، فإذا ابتلي به نكص، قال الله عز وجل: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:246]، هؤلاء الذين كانوا يجعجعون يطلبون من نبي الله موسى عليه السلام: أن يكتب عليهم القتال: لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، مثل ما قال الله عز وجل: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَأَوْلَى لَهمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهمْ [محمد:20-21]، ولذلك نبينا المختار عليه الصلاة والسلام أوصانا فقال: (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا)، قال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، ولذلك الإنسان أبداً لا يعرض نفسه للبلاء: بل يطلب من الله عز وجل العون والتسديد والتوفيق متى ما حصل البلاء بالأمر أو النهي.

    ثم ثالثاً من أسباب حصول النصر: اجتماع كلمة أهل الحل والعقد، أي: أن يجلس هؤلاء ليبحثوا عن الطريق الذي تستقيم به أمورهم، ويفهمونه جيداً، ثم يعملون به، ولذلك هؤلاء الملأ راجعوا نبيهم صلوات الله وسلامه عليه في أن يجعل لهم قائداً تجتمع عليه كلمتهم، ويتوحد قصدهم.

    ثم من أسباب النصر كذلك: عدم التنازع، فإن هؤلاء الناس بدءوا ينازعون نبيهم لما قال لهم: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، قيل: كان دباغاً، وقيل: بل كان جزاراً، يعني: كان يمتهن مهنة ربما لا تكون ذات شأن في أعين كثير من الناس، ولذلك اعترضوا قالوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247].

    ثم من أسباب النصر: عدم الاتكال على النفس، فإن الاتكال على النفس سبب الفشل والخذلان، والاستعانة بالله والصبر والالتجاء إليه سبب النصر والفوز، ولذلك لما قالوا لنبيهم: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، نتيجة لذلك: لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، ولما اتكلوا على الله عز وجل، وأخلصوا نيتهم حصل النصر: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ [البقرة:250-251].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521507

    عدد مرات الحفظ

    777100944