أيها المسلمون عباد الله! المتأمل في أحوال الناس اليوم يجد أن علاقة المسلم مع المسلم في الغالب لا تعدو أن تكون مجاملات باردة، وتلطفاً في الحديث إذا لقيه، وتعارفاً خفيفاً طفيفاً، كما قال ابن الجوزي رحمه الله: أكثر الناس اليوم معارف، وقل أن يوجد فيهم صديق ظاهر، أما الأخوة والمصافاة فقد نسخ أثرها فلا وجود لها، والحديث رواه أبو نعيم رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( قل أن يوجد في آخر الزمان درهم حلال، أو أخ يوثق به )، لم؟ لأن همة الناس تعلقت بالدنيا، إذا تآخوا إذا تصافوا إذا تعاونوا فمن أجل الدنيا، أما أولئك الكبار الصالحون الأبرار الذين تعلقت همتهم بالآخرة، فقد كانت أخوتهم صافية، كانت أخوة صادقة، أخوة في الله عز وجل يحب المرء المرء لا يحبه إلا لله، لا يحبه لدنيا ولا لقبيلة ولا للون ولا لجنس ولا لتجارة ولا لعلاقة ظاهرة، وإنما هي محبة في الله عز وجل محبة من أجل الله.
أيها المسلمون عباد الله! هذا الخلق الكريم الأخوة في الله، تعلمها الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سمعوه يقول: ( ليتنا نرى إخواننا! قالوا: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإنما إخواني قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني ).
تعلم الصحابة هذه الأخلاق الفاضلة الكريمة، فكان عمر رضي الله عنه يقبل رأس أبي بكر ويقول له: لولا أنت بعد الله لهلكنا، يعني: حروب الردة رضي الله عنه وأرضاه، لما قال له بعض الناس: أنت خير أم أبو بكر ؟ بكى عمر رضي الله عنه، وقال: ليتني كنت شعرة في صدر أبي بكر ، والله لليلة لـأبي بكر مع رسول الله في الغار خير من عمر وآل عمر، كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وكنت أضل من بعير أهلي.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه رئي عليه كساء كثيراً ما يلبسه حتى بلي، فقيل له: ما هذا الكساء؟ نراك حريصاً عليه حفياً به؟ قال: كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب ، إن عمر بن الخطاب ناصح الله فنصحه الله.
كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: نعم الأخ أخي، إذا لقيته قبلني، وإذا غبت عنه عذرني.
الحسن البصري رضي الله عنه دخل عليه بعض إخوانه، فوجده نائماً على سريره، وعند رأسه سلة فاكهة، فأخذها وبدأ يأكل منها، فلما استيقظ الحسن قال له: جزاك الله خيراً، هكذا وجدناهم، هكذا وجدناهم، يعني: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دخل أحدهم بيت أخيه أكل من طعامه، وانبسط على فراشه، دون إخلال بآداب الإسلام.
يا أيها المسلمون يا عباد الله! ما أحوج الناس إلى هذه المعاني في زمن ينتصر الناس فيه للقبيلة، ينتصر الناس فيه للجنس للعنصر للدنيا، إذا أحب أحدهم أحب من أجل دنياه، وإذا أبغض أبغض من أجل دنياه، أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها، لا يصرف سيئها إلا هو، توبوا إلى الله واستغفروه.