الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين،
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ
[يس:70] ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين، أما بعد:
ومن مظاهر القول على الله بغير علم: أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، قال عليه الصلاة والسلام: ( سيكون في آخر الزمان ناس كذابون دجالون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فلا تصدقوهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم، إياكم وإياهم )؛ ولذلك كان واجب على الحاكم المسلم أن يمنع هؤلاء من أن ينشروا بين الناس الترهات والأباطيل، والخرافات والأساطير، ومن أن ينشروا بين المسلمين ثقافةً لا أصل لها، ومن أن يجترئوا على التكفير والتبديع والتفسيق، والحكم على الناس بالنفاق، والاجتراء على الدماء، وما إلى ذلك من الطامات العظام.
هذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين، من فقهه الله في الدين، يدخل المسجد يوماً فيجد رجلاً يعظ الناس ويخوفهم، فقال له علي رضي الله عنه: هل علمت الناسخ والمنسوخ؟ فقال الرجل: لا، قال له علي : هلكت وأهلكت، ثم أمر بمنعه من الحديث في المسجد. هذا الذي لا علم عنده بالناسخ والمنسوخ قد منعه علي رضي الله عنه من الحديث في المسجد.
يقول مجاهد بن جبر رحمه الله: جاء رجل يقال له: بشير العدوي إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ فوقف أمامه وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ابن عباس معرض عنه لا يستمع إليه، فقال له: يا ابن عباس ! ما لك لا تسمع لحديثي، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معرض عني؟! قال له ابن عباس وهو الفقيه العالم الثبت الثقة الذي يميز الخبيث من الطيب: كنا إذا قال الرجل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغت إليه آذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول صرنا لا نقبل إلا ما نعرف. يعني: ليس كل من آتاه الله فصاحةً، ولا كل من طالت لحيته أهلاً للحديث في دين الله، وليس كل من تصدى لتدريس الناس أهلاً لذلك كما قال الأول:
تصدر للتدريس كل مهوس جهول تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
هكذا هو الحال؛ إذ كل من لم يجد عملاً قال: أنا أحدث الناس، أنا أدرس الناس، ثم يأتي بالضعيف والموضوع والمختلق المكذوب، ويقول في كتاب الله ما لا يعلم، وينشر بين الناس فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
يا معشر الشباب! يا من تخصصتم في العلوم التجريبية! أيها الأطباء! أيها المهندسون! يا من تدرسون الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وغيرها من التخصصات النادرة والعلوم النافعة! اعلموا أن الأمة بحاجة إليكم، أقبلوا على هذه العلوم التي تنفعون بها أمتكم، إن المسلمين بحاجة إلى عالم الذرة، بحاجة إلى عالم الرياضيات، بحاجة إلى عالم الكيمياء والفيزياء، ومن قال لكم: دراسة هذه العلوم حرام، فقد كذب على الله، وضلل الأمة، وأراد أن يصرف الشباب عن النافع المفيد، وأراد أن يجهل الناس، وهذا قول من لا خبرة له بالواقع، ولا علم عنده، ولم يلتمس النصح للمسلمين، أقبلوا على هذه العلوم، لا تقتحموا كتب العقيدة وكتب التفسير من أجل أن تقرءوا قراءةً سريعة ثم تخرجوا على الناس بالفتاوى التي لا خطام لها ولا زمام، هذا والله حرام.
لنترك كل علم لأهله، لمن تخصصوا فيه، لمن أفنوا أعمارهم، لمن يعرفون دقائقه، لمن يستطيعون الوصول إلى المسائل في مظانها، لمن يستطيعون التمييز بين المقبول والمردود، وبين الضعيف والقوي من أقوال أهل العلم، اتركوا هذا لأهله، وتعلموا التواضع، إذا جهل أحد مسألةً فلا يستنكفن من السؤال فيها، والرجوع إلى أهل العلم، والتواضع لهم والنزول على أقوالهم.
هذا الذي تعلمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من تكبر وشمخ بأنفه، وظن أن ذكاءه الذي أوصله إلى الجامعة كفيل له بالاستغناء عن العلماء وسؤالهم، فهذا عما قليل يضل ويضل، كم من أناس كانت عقولهم نيرة، وأفهامهم ثاقبة، وكان يشار إليهم بالبنان في علومهم التي تخصصوا فيها، فلما أصابهم الكبر أصيبوا بنكسة الأبصار والعياذ بالله؛ فنكست أبصارهم وبصائرهم.
يا معشر الشباب! لا تضيعوا أعماركم، أقبلوا على علومكم، اجتهدوا في جامعاتكم ومدارسكم، واستحضروا نيةً صالحة.
أسأل الله أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا إلى خير العلم وخير العمل.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعل بلادنا آمنةً مطمئنةً سخيةً رخيةً وسائر بلاد المسلمين، اللهم جنبنا الزلازل والمحن وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعيناً يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك، ولمن عبد الله فيه، ولجيرانه من المسلمين والمسلمات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.