إسلام ويب

علم البلاغة [2]للشيخ : عبد العزيز بن علي الحربي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان للوحيين وفصيح الشعر العربي أكبر الأثر في علم البلاغة، كما أن من أكبر المؤثرين في علم البلاغة الجاحظ والزمخشري وعبد القادر الجرجاني الذي صار من بعده عالة عليه، ونظراً لتأثر البلاغة بعلم الفلسفة نشأت حركة تجديدية فيه. هذا وقد ذهب علماء البلاغة في موضوع علم البلاغة من حيث اللفظ والمعنى إلى مذاهب.

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على خير من نطق بالضاد، الذي أعطي جوامع الكلم، القائل: (إن من البيان لسحراً)، صلى الله عليه وآله وسلم.

    أما بعد:

    فإن البلاغة نشأت وتطورت وحولها مؤثرات كثيرة.

    تأثير القرآن الكريم والحديث النبوي والشعر الفصيح في علم البلاغة

    ويعد أول شيء أثر في هذه البلاغة القرآن الكريم، بلا شك؛ ولذلك كتب كثير من العلماء في إعجاز القرآن وبيان فصاحته وبلاغته، وكذلك الحديث النبوي كان هو المؤثر الثاني في تطور علم البلاغة، ومما أثر فيها أيضاً شعر الشعراء وكلام الفصحاء، وهذه الشواهد النثرية والشواهد الشعرية كلاهما أثر في تدوين البلاغة.

    تأثير كشاف الزمخشري في علم البلاغة

    وكذلك تفسير المفسرين للقرآن الكريم أيضاً فهو مما أثر في البلاغة؛ فلا شك أن الزمخشري عندما كتب كتابه الكشاف وهو توفي سنة 538هـ، عندما كتب كتابه هذا ملأه بجواهر بلاغية، ونكات ولطائف في هذا الباب استقاها من بعده، واستلها من هذا الكتاب وجعلها شروحاً وفوائد ولطائف، ولو قرأتم الكتب المطولة والمبسوطة التي كتبت في البلاغة سوف تجدون الزمخشري فيها، أو تجدون كلامه من غير عزو إليه، تجدونه موجوداً في هذه الكتب؛ لذلك الذين عنوا بالبلاغة درسوا أول ما درسوا هذا الكتاب، فدرسوا التفسير ودرسوا البلاغة من خلال هذا الكتاب.

    إلا أن مسائل البلاغة مفرقة وموزعة في هذا الكتاب، وتحتاج إلى جمع، ولا يمكن أن تجمع في كتاب واحد؛ لأنها ليست تحت أبواب خاصة، بل هي بحسب المناسبات المتعلقة بالآيات.

    والرجل كان معتزلياً فمن شأن ذلك أن ينفر الناس عن قراءة هذا الكتاب، لكن الناس كانوا مضطرين، ولابد من قراءة هذا الكتاب، واستظهار إعجاز القرآن من خلاله، وجاء بعض العلماء وحذف المسائل الإعتزالية، أو علق عليها ونبه عليها واستخرجها كما قيل بالمنقاش! فأصبح الكتاب مصفىً من هذه الناحية، لكن الذين خدموه من هذه الناحية هم قوم من الأشاعرة، فلم يكن لدينا تفسير مصفى جمع فيه هذه الفوائد البلاغية وهو لواحد من أهل السنة الذي لا تشوبه شائبة من باب الاعتزال ولا من باب الأشعرية.

    فاختصره صاحب أنوار التنزيل، وهو البيضاوي، وهو أشعري معروف، وهذا الكتاب عليه أكثر من مائتي حاشية؛ لأنه كتاب مختصر، فهو خلاصة ما في الكشاف، وحذف أيضاً ما في الكشاف من اعتزاليات، ولم يزد عليه إلا شيئاً قليلاً أو غيّر في بعض العبارات.

    والنسفي أخذ من أنوار التنزيل وأخذ من الكشاف، ولكنه أيضاً كذلك أشعري، وحينما كنا نشتغل بهذا الكتاب وبتحقيقه، وكنا عدداً من الباحثين نبهنا على هذه المسائل، وطالب العلم يستطيع أن يعرف ما هي المزالق التي يحذر الوقوع منها، وهي مسائل بسيطة، يستطيع أن يعرفها من خلال دراسته للعقيدة، وبعد ذلك ما دام معه النور الذي يمشي بين يديه فلا يحتاج إلى أن يحذر من أي شيء؛ فلا يغرنك أو لا يخدعنك ما يقوله بعض المحذرين من قراءة كتاب أنت تستطيع أن تعرف ما فيه من مزالق، إن كان لديك السلاح الذي تتسلح به والسراج الذي تستنير به.

    تأثير الفلسفة في علم البلاغة

    كان أيضاً من المؤثرات على البلاغة الفلسفة؛ فإنها أثرت في البلاغة تأثيراً بليغاً؛ بحيث إن كثيراً من الذين اشتغلوا بالفلسفة اشتغلوا بالبلاغة؛ كـالسكاكي وعصام والشريف الجرجاني والطيبي وغيرهم من العلماء، هؤلاء أشربوا حب الفلسفة والعلوم الكلامية فدخلت على أساليبهم عبارات المنطقيين والفلاسفة، وهذا أمر ينبغي أن نخرجه من البلاغة، وسوف أذكر بعد ذلك ما هي الأشياء التي ينبغي أن نصفي البلاغة منها، منها هذه الأشياء، ومنها التعريفات، في علم البلاغة وفي كل علم؛ فإننا نجد أن التعريفات الاصطلاحية جرينا على قراءتها ودراستها وتدريسها في كل فن من الفنون؛ في الفقه وفي الفرائض وفي الأصول وفي الاعتقاد وفي البلاغة، وفي غير ذلك من العلوم.

    ولاشك أن العلوم الإسلامية تحتاج إلى تنقية، وتحتاج إلى تيسير، وتحتاج إلى تهذيب، وهناك أشياء واصطلاحات لا نحتاج إليها، وهنالك فرق انقرضت وانتهت، نحن ليس عندنا الآن جهمية، وليس عندنا كرامية، هنالك فرق كثيرة انقرضت وانتهت، لا حاجة إلى أن ندرسها دراسةً مفصلة، ويكفي أن نعرفها كتاريخ، الذي بقي معنا الآن من المعتقدات المخالفة لمذهب أهل السنة هو الذي نحتاج إلى أن نعرفه، كذلك ما يتعلق بالتعريفات كما ذكرته لكم نحتاج إلى أن نحذف مثل هذه التعريفات، ونحتاج إلى أن نخرج الاصطلاحات المنطقية التي ملئت بها البلاغة، والتي ملئ بها أصول الفقه، والتي ملئت بها كتب الفقه، وكذلك التفسير نحتاج إلى تفسير مصفى، تفسير ابن كثير لا يكفي يحتاج معه إلى شيء آخر يكمله، تفاسير نحتاج إلى أن نخرج منها الإسرائيليات، وتفاسير نحتاج إلى أن نخرج منها أقوال الفلاسفة والمتكلمين التي لا فائدة فيها، وتفاسير أخرى ليست من التفسير في أي شيء، وإنما هي موسوعات ومبسوطات يرجع إليها الإنسان إذا احتاج إلى مسألة نحوية، أحياناً كنت أجد فيها الحل لمسائل نحوية بالتفصيل، ولا أجدها في كتب النحو؛ لأن هذه الكتب المبسوطة كأنما ألفت في النحو، ولم تؤلف في التفسير.

    هنالك تعريفات اصطلاحية لا نحتاج إليها، والانتقاد عليها من جهتين: إما أننا لا نحتاج إليها، وإما أن هذا التعريف تعريف بأسلوب منطقي لا يكسبنا معرفة، ولكنه يكسبنا تعقيداً؛ فلا نستطيع أن نتوصل إلى ما نحتاج إلى معرفته بأسلوب سهل، وقد مر بكم هذا كثيراً؛ كمثل تعريف الشرط، وتعريف المانع، وتعريف السبب، وتعريف الأشياء المعروفة، يعرفون الشرط بأنه: (ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته)؛ وأنا أذكر حينما درست هذا التعريف وكان يشرحه لنا أستاذ لم يستطع أن يفهم الطلاب معنى هذا التعريف إلا بعد مشقة وصعوبة، وعندما جاء إلى كلمة (لذاته) وهي كلمة أعقد من ذنب الضب لم يستطع أن يفهمها هو، والأستاذ أو الشيخ إذا كان يشرح لعدد من الناس مسألة من المسائل ولم يفهمها أحد منهم فاعلموا أنه ليس بفاهم؛ لأن الذي يفهم ما يقول يستطيع أن يفهم؛ لابد أن يفهم، لابد أن يكون هناك من يفهم، إلا إذا كان جميع الحاضرين ليس لهم عقل؛ فهذا أمر آخر، أما من كان له عقل وإدراك - أي إدراك - فإنه إذا فهمته بأي أسلوب من الأساليب ولم يفهم، وانتقلت إلى أسلوب آخر ولم يفهم، وأسلوب ثالث ولم يفهم؛ فالعلة إما أن تكون فيك وإما أن تكون فيه، ولابد، وهكذا في تعريفات كثيرة، ذكرتها في كتاب صغير اسمه جدوى التعريفات الاصطلاحية في علوم الشريعة والعربية.

    وقد هجم هجمة شرسة شيخ الإسلام ابن تيمية على الذين يعنون بالتعريفات المنطقية، وعلى مسألة الحد وبناء المعارف على التعريفات، هنالك جزئيات ينبغي أن نتخلص منها في كتبنا وعلومنا في أشياء كثيرة جداً، يعني مثلاً الفرسخ، له حد معروف ومسافة معروفة، والفرسخ كذا وكذا من الأميال، والميل كذا وكذا من الأذرعة، والذراع قالوا بعد ذلك: إن الذراع هو كذا وكذا من الأصابع، وكل إصبع كذا وكذا من حب الشعير، وكل شعيرة بمقدار سبعين شعرة، وهذه الشعرات لابد أن تكون من بغل من البغال، يعني شعرات بغل، وبعد أن انتهى هذا الذي حد لنا هذا الحد وفصل لنا هذا التفصيل، تبرع واحد من العلماء فنظمها أيضاً، وجاء إنسان آخر فشرحها لنا، فانظروا كم ضاع من الوقت! ضيع وقته، وضيع وقت غيره، وضيع وقتنا، وضيع الصفحات التي كتب فيها مثل هذا الكلام الذي لا نحتاج إليه؛ فعليك أن تعرف ما هي الطرق المختصرة التي توصلك إلى العلم؟

    لو تقرأ تعريف الاستعاذة، الاستعاذة التي هي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هنالك تعريف مطول، لو قرأته ما عرفت ما هي الاستعاذة، أما كان لهذا المعرف أن يقول لنا: إن الاستعاذة هي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟! أما كان يكفي أن يقول: الاستعاذة هي كذا وكذا؟! كان يكفيه هذا، ولكن القوم مغرمون بمثل هذه التعقيدات، ألفوها ثم إنهم بعد ذلك لا يستسيغون إلا ما كان على هذا المنوال، وقل كذلك في تعريف الأشياء الطبيعية، هل هناك حاجة إلى تعريف الحب الذي أنت تشعر به؟! وأي تعريف في الدنيا لا ينفعك بشيء، ولا يزيدك حباً، ولا يزيدك شيئاً في هذا الباب، هل تحتاج إلى هذا التعريف؟! هل تحتاج إلى تعريف الغضب الذي قالوا: إنه غليان دم القلب لإرادة الانتقام؟! هذه التعريفات هي التي جعلتهم بعد ذلك يحرفون في صفات المولى عز وجل؛ لأنهم عرفوا الغضب بهذا المعنى، وهذا المعنى ينبغي أن ينطبق على كل غضب، غليان دم القلب لإرادة الانتقام.

    تعريفات الأشياء الإلزامية لا يحتاج إليها، الحب هو الحب، والغضب هو الغضب، والنوم هو النوم، كذلك الأمور العادية، والأمور المطعومة والمشروبة، وكل العالم يتعاملون ويتبايعون ويشتري بعضهم من بعض، وليس هنالك أحد يحتاج إلى تعريف شيء من الأشياء؛ فلماذا نحن إذا جئنا إلى كتاب البيع عرفناه، وإلى كتاب كذا عرفناه؟! إن كان هنالك تعريف اصطلاحي خاص عرفياً أو شرعياً فإننا حينئذ ربما نحتاج إليه، ونأتي بهذا التعريف، ولنا شرط أيضاً في هذا التعريف، وهو أن يكون بأسلوب سهل، وليس على طريقة المنطقيين والفلاسفة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088800090

    عدد مرات الحفظ

    779119045