إسلام ويب

الخوف والرجاءللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الحياة الدنيا دار امتحان لا دار بقاء، فلا بد للإنسان فيها من عمل يقربه إلى الله، وهو في هذا بين خوف ورجاء، خوف يحجزه عن المعصية ورجاء يعدل من ذلك الخوف فيسير إلى الله بجناحين لكي لا يسقط في أثناء سيره إلى الله، فلا بد من التوازي في تحصيل الخوف والرجاء، وهناك وسائل تزيد الخوف وأخرى تنمي الرجاء.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدار دار امتحان وابتلاء، ويبلو فيها عباده المؤمنين، ومن نجح منهم في الامتحان نال بذلك الخلود في دار المقام، ومن رسب في الامتحان، لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، وقد جعل الله سبحانه وتعالى المؤمن في هذه الدار ضيفاً غريباً؛ لأنه عابر سبيل، وهذه هي حياة المؤمن الطبيعية في الحياة الدنيا, فليس له أن يركن إلى شيء من متاعها، ولا أن يرغب في التعمير فيها والبقاء، فهي دار زوال، ولذلك فلو كان في التعمير والبقاء فيها خير لناله خير البشر وأزكاهم وأحبهم إلى الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعش في عمره الدنيوي فوق هذه الأرض إلا ثلاثاً وستين سنة، وكذلك عدد كبير من خيرة أصحابه, فـأبو بكر الصديق لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و عمر بن الخطاب لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و علي بن أبي طالب لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و الزبير و طلحة لم يعيشا إلا ثلاثاً وستين سنة، و بلال بن رباح لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة.

    وكذلك عدد كبير ممن بعدهم من أئمة الهدى، منهم من عاش دون ذلك، ومنهم من عاش في هذه الحدود، وهذا يدل على أن المهم في هذا العمر هو النجاح في الامتحان إذا نحج الإنسان فيه ولو بلحظة واحدة، فذلك كاف كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي أتاه وهو في الصف أمام العدو، فقال: ( يا رسول الله! أسلم وأقاتل، أم أقاتل ثم أسلم؟ فقال: أسلم ثم قاتل، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وقاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عمل قليلاً وأجر كثيراً )، فهذا الرجل نحج في الامتحان مع أنه لم يعش بعد إيمانه، وبعد أن أبصر الطريق إلا لحظات محصورة.

    ومثل ذلك ما حصل يوم بدر لفتى من الأنصار زودته أمه بتمرات، فكان يأكلهن في وجاه الصف، فسمع رسول صلى الله عليه وسلم يزجي الصف وهو يقول: ( تقدموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقال: عرضها السماوات والأرض، بخ بخ! إني لشحيح إذا عشت حتى آكل هذه التمرات، فرمى بقيتهن، وتقدم فقاتل فقتل )، فلذلك لا بد أن يحرص المؤمن فيما يعمره سواء كان قليلاً أو كثيراً فوق هذه الأرض، أن يكون ناجحاً في الامتحان، وأن يعرف أنه ليس كسائر الحيوانات التي تعيش ولا معنى لعيشها، ولا لحياتها.

    فأنتم عندما ترون الكبش يضجع ويذبح تستشعرون حياة البهائم، وأنها لا معنى لها، وعندما ترون أن ما يتنافس فيه المتنافسون من أهل الدنيا من متاعها إنما هو عبارة عن رزق لبقاء الرمق في البدن، تحسن الفأرة جمعه، وتحسن النملة جمعه، وتحسن الخلائق كلها جمعه، كل ذلك يدلكم على أن هذا الإنسان كائن شريف، وأنه لم يخلق لمثل هذا، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب للمؤمنين جميعاً: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088798280

    عدد مرات الحفظ

    779106602