إسلام ويب

تفاوت الناس في النظر إلى وجه الله يوم القيامةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتفاضل الناس في إيمانهم بقدر زيادة الإيمان ونقصانه، ويتفاوتون في رؤية الله والنظر إليه يوم القيامة بقدر أعمالهم وقربهم وبعدهم من الله، وهذا يستدعي من المؤمن أن يحرص على الارتقاء بنفسه في درجات الإيمان بالعلم أولاً ثم العمل بالعلم، ولا بد بعد ذلك من الدعوة إلى الله والصبر على الأذى الذي يرافق تلك الطريق.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن أول واجب على الإنسان هو معرفته بالله جل جلاله، وزيادة إيمانه، وتصحيح عقده، والإنسان قابل لتقوية الإيمان، وتفاضل الناس في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنما هو بحسب تفاضل إيمانهم، فالإيمان يجد ويخلق في النفوس، ويقوى ويضعف، وكل من كان أقوى إيماناً فهو أقرب إلى الله جل جلاله، وذلك أدعى لخشيته لله جل جلاله، ولطاعته له، ولهذا حرص إبراهيم خليل الله بعد أن أراه الله ملكوت السموات والأرض أن يزداد إيماناً ويقيناً، فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فلذلك علينا نحن جميعاً أن نحرص على أن نزيد إيماننا، وأن نقوي عقد الإيمان لدينا، حتى نموت ونحن مؤمنين، فهي وصية أبينا إبراهيم وابنه إسحاق وابنه يعقوب، فإنهم أوصوا جميعاً أولادهم فقالوا: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]، فلذلك لا بد أن نحرص على تقوية إيماننا، وإن تقوية الإيمان تحتاج إلى مجاهدة للنقوس، فأنتم تقرءون هذا القرآن وتسمعونه، وتعلمون بالفطرة أنه الحق، لكن تتفاوتون في إدراك معنى الحق.

    فلا بد عند تدبرنا للقرآن أن نراجعه حتى نجعله حاكماً على أسماعنا، وأبصارنا، وقوانا كلها، وأن نعلم أن ما يخبر به هو أصدق وأقوى الأخبار: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فلذلك لا بد عند مراجعتنا للقرآن، وعند سماعنا له، وعند قراءتنا له، أن نستشعر أنه هو أصدق حديث، وأنه أصدق كلام، وأن كل ما فيه فهو الفصل ليس بالهزل، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

    وإذا راجعنا أنفسنا في ذلك، فتحصل لدينا القناعة التي تقتضي أن نصل إلى علم اليقين، وأن نوقن بكل ما فيه، فنحن عندما نقرأ وصف جهنم أعاذني الله وإياكم منها، وقد ذكر الله جل جلاله أطباقها، فمن كان منا أقوى إيماناً بهذا القرآن وتصديقاً له، فكأنما ينظر إلى جهنم وهي ثلاث شعب، ويراها: تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:32-33]، فكأنها بين يديه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تدبره.

    فقد كان يخطب فتقدم فتناول شيئاً، ثم تأخر وتكعكع حتى وصل إلى الصف، فلما سلم سألوه عن ذلك، فقال: ( ما رأيت كاليوم، لقد مثلت لي الجنة في عرض الحائط فأقبلت لآخذ منها عنقوداً، ولو أخذته لنلتم منه حتى تنتهي الدنيا )، (ونلتم منه) معناه: أنفقتم منه، ( ثم مثلت لي جهنم في عرض الحائط، فما رأيت كاليوم أبشع منظراً )، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر كأنه يراه رأياً يقينياً، فلذلك يتقدم ويتأخر بين يديه.

    والإنسان المؤمن يجزم بأن ما يقوله الله جل جلاله هو الحق، فيقرأ هذه الآيات ولا ينظر إلى مشاهداته ومحسوساته ومألوفاته، بل يقدر أن هذا هو الحق المحض الذي لا يمكن أن يعتريه الريب، فكأنه يرى جهنم عياناً بين يديه، وينظر إلى موقفه هو، إذا عرض عليها وسنعرض عليها جميعاً، ونجدها: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71-72]، فالورود مجزوم به، والصدور غير مجزوم به، فالصدور إنما هو لأهل التقوى فقط، وأما من سواه فهم يردون لا محالة، لكن ورودهم إنما يأتي بالتسابق إلى الصراط: فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ [يس:66]، وهو ينصب على متن جهنم، ويستبق الناس عليه، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته، وإذا تذكر الإنسان ذلك وأيقنه، فإنه يرى المتساقطين كأنما يمر بعضهم بين يديه، وبعضهم من خلفه، وهو يراهم معه، يزدحمون معه على الصراط، ويرى الذين يقعون على وجوههم ويكبون في النار، ويرى الذين ينجون ويمرون، وهو بين الخوف والرجاء، يخاف أن يكون كأولئك الذين وقعوا على وجوههم في قعر جهنم، وهو يراهم يتردون، تمر عليهم آلاف السنين، وهم ينزلون في قعرها، ما وصلوا إليها، أعاذني الله وإياكم منها، ويرى الذين نجوا كالبرق الخاطف وهم على موعدٍ مع تحية وسلام، مع تحية الملائكة الذين يقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]، ومع سلام الملك الديان الذي يناديه فيقول: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم، فإذا الرب جل جلاله يناديهم من فوقهم: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534695

    عدد مرات الحفظ

    777184170