إسلام ويب

مقدمة في التفسير [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتكلم الله سبحانه وتعالى متى شاء وكيف شاء، وكلماته سبحانه على نوعين: تكوينية وجدت قبل خلق الكون، بها الخلق والتكوين والتدبير ولا يتعداها بر ولا فاجر، وتشريعية تنزل حسب الحاجة يوفق لطاعتها من وفقه الله ويعرض عنها من خذله الله. وكلمات الله التشريعية هي الوحي الذي ينزل به الأمين على رسل الله عليهم السلام بطرق مختلفة، وقد بدأ نزوله في عهد آدم عليه السلام وتوالى إنزاله على رسل الله مواكباً للعقول البشرية ملبياً لحاجاتهم، حتى كان نزول الوحي على خاتم رسل الله حيث بلغت الأمة ذروة النضج والذكاء، وللوحي عموماً والقرآن خصوصاً خاصية التأثير على كل من سمعه حتى على البهائم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى يتكلم كلاماً يليق بجلاله متى شاء أن يتكلم، بما شاء أن يتكلم به، والكلام صفة كمال في حقه سبحانه وتعالى، وقد أنزل الكتب المتضمنة لتشريعه، وهي نوع من أنواع كلماته؛ فكلماته تنقسم إلى قسمين: إلى كلمات تكوينية وكلمات تشريعية.

    الكلمات التكوينية

    الكلمات التكوينية: التي يخلق بها خلقه، ويدبر بها أمره، وهذه لا حصر لها ولا نهاية، كما قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، وكما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ [لقمان:27]، وهذه الكلمات التكوينية هي التي لا تبديل فيها، ولا نسخ، ولا تغيير؛ ولذلك قال الله تعالى: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ [الأنعام:34]، أي: للكلمات التكوينية.

    وقد بين الله سبحانه وتعالى عظم شأن الكلمات الكونية، فقال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]، وقال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فكل مرادات الله عز وجل تتحقق بين الكاف والنون، فلا يحتاج إلى معالجة، ولا يمكن أن يأخذه نصب ولا لغب ولا تعب، فخلق السماوات السبع والأرضين السبع، وما بينهن، كله كخلق نفس واحدة، كما قال الله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28]، فقدرة الله لا تتفاوت، قدرته على الكائنات جميعاً كقدرته على فرد واحد من أفرادها، خلق هذا الكون الذي ترونه باتساعه وما فيه مساو لخلق ذبابة واحدة، أو فراشة واحدة مما ترونه يطير.

    وقد كانت هذه الكلمات الكونية قبل خلق الكون، ولا ينزل بها الوحي، ولا ينزل بها الملائكة، وإنما يتكلم الله بها إذا شاء، وإذا تكلم بها، فإن أهل السماوات من الملائكة يفزعون لشدة كلامه وهوله، فلا يستطيع أحد منهم أن يفهم شيئاً منها إلا جبريل عليه السلام، فهو أمين الله على وحيه، فإذا فزع عن صدور الملائكة قالوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، فيفزع عن صدورهم بعد نهاية ذلك الفزع، يفزع عن صدورهم؛ أي: يزال عنها الفزع بعد حصول الفزع في وقت كلام الله جل جلاله، ثم بعد ذلك يصدقون به ولو لم يسمعوه؛ لأنهم يعلمون أن قوله الحق، فيقولون: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23].

    وهذه الكلمات لا انقطاع لها، فهي مستمرة، كل شيء في هذا العالم فهو بها، وكل حركة وسكون فهي بهذه الكلمات.

    الكلمات التشريعية

    والنوع الثاني من الكلمات هو الكلمات التشريعية: وهي التي يأمر بها الله وينهى، فيطيعها المهتدي ويعصيها العاصي، والكلمات الكونية لا يتعداها بر ولا فاجر، إذا قال للبر: مت، سيموت من حينه، وإذا قال للفاجر: مت، سيموت من حينه، ولا أحد يستطيع تعقيباً عليها، فالكمات الكونية لا يستطيع أحد رد كلمة منها، أما الكلمات التشريعية فإنها أمر الله الذي يأمر به عباده، فمن وفقه الله للطاعة امتثل تلك الأوامر، ومن خذله أعرض عن تلك الأوامر وخالفها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088794264

    عدد مرات الحفظ

    779086000