إسلام ويب

مفهوم الحكمة في الدعوةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحكمة نعمة عظيمة وخير كبير في كل الأمور، يحتاجها كل مسلم وخوصاً الدعاة وذلك لأنها تقرب البعيد، وتسهل الصعب، وتوصل إلى النتائج المرجوة. ولهذا فهي تقتضي اللين والرفق والخبرة مع ترتيب الأولويات؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في دعوتهم وسيرتهم، كما أن لها جانبين، نظري وتطبيقي، والآخر أهم؛ لأنه هو الذي يحقق معنى الاقتداء ويأتي بثماره يانعة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا[البقرة:269]، وقد جعل الله تعالى الحكمة من وسائل الدعوة، فيحتاج المسلمون إلى تعلم الحكمة؛ لأنها أولاً خير كثير، كما أخبر الحكيم الصادق بذلك، ومن أصدق من الله حديثاً، ويحتاجون أيضاً إلى تعلمها لأنها وسيلة من وسائل دعوتهم وقد أمرهم الله جميعاً بهذه الدعوة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن نفسه وعن أتباعه بأنها طريقه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[يوسف:108]؛ فاحتاج الناس إلى تعلم هذه الحكمة نظراً وتطبيقاً.

    ولا يمكن أن يكون الإنسان حكيماً بمجرد النظر، ولا يمكن أن يكون حكيماً إلا بعد التطبيق؛ لأن الحكمة علم وخبرة؛ فجانبها العلمي هو الازدياد من الحجة؛ فإن الحجة تحصل بها الحكمة؛ ولذلك أطبق أهل التفسير على أن تفسير قول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا[البقرة:269] أن معنى ذلك: أن من أوتي العلم فقد أوتي خيراً كثيراً، وكذلك في الآيات التي عطفت الحكمة فيها على الكتاب أطبق أهل التفسير على أن المقصود بالحكمة فيها السنة كقول الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34]، وكقوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[آل عمران:164]، فالحكمة في هذه الآيات إنما يقصد بها السنة، فلذلك يحتاج المسلم من الناحية النظرية إلى تعلم العلم ليكون حكيماً.

    ومن الناحية التطبيقية يحتاج إلى ممارسة حكمة العلم التي بها يتم نوره وبها تتنزل السكينة في قلبه، ومن لم يمارس ذلك على يد مدرب قلما ينجح فيه.

    إن الحكمة التي أرشدنا الله إليها هي وسيلة من وسائل الدعوة السبع التي بينها في كتابه، وهي من أنجح هذه الوسائل وأحسنها ولهذا ابتدأ الله بها في هذه الآية فقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125]؛ فقد ذكر فيها ثلاث وسائل ابتدأها بالحكمة؛ إيذاناً بشرفها وتوصيلها إلى المقصود منها، وقد نص أهل العلم على أن الحكمة هنا في هذه الآية المقصود بها: وضع الشيء في موضعه، بأن يوضع الجد في موضعه والهزل في موضعه والسيف في موضعه ولين الكلام في موضعه.

    لا شك أن للإنسان في أي مجال من مجالات الكلام ثلاث مقامات:

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088787707

    عدد مرات الحفظ

    779042882