إسلام ويب

أحكام الجهادللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجهاد في الإسلام متنوع إلى أنواع ومراتب، وأول أنواعه جهاد النفس ثم جهاد الشيطان ثم جهاد الكفار ثم جهاد المنافقين، وقد بين أهل العلم مراتب هذه الأنواع، كما بين فقهاء الإسلام ما يتعلق بجهاد الكفار من أحكام سواء من حيث الوجوب وعدمه، والتصرفات المشروعة والممنوعة وغيرها.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده من أنفسهم, وقد شرع الدين لمصالح العباد, فما من مصلحة إلا جاء الدين يكفلها ويضمنها, فما عرف الناس مصلحته وأثره فإن مصلحته دنيوية, وما جهلوا مصلحته وأثره فإنه مصلحته أخروية, ولذلك يقسم المتشرعون والدارسون لعلوم الشريعة أحكام الشرع إلى قسمين: أحكام تعليلية, وأحكام تعبدية, فالأحكام التعليلية: ما كانت مصلحته دنيوية, والأحكام التعبدية: ما كانت مصلحته أخروية.

    والأصل في الأحكام الأخروية -أي: التي مصلحتها أخروية- أن لا يدرك العقل مصالحها وحكمها, فالعقل لا يمكن أن يستوعب لماذا أوجب الله لطلوع الفجر صلاة ركعتين, ولزوال الشمس أربع ركعات, ولدلوكها أربع ركعات, ولغروبها ثلاث ركعات, ولغرب شفقها أربع ركعات, فهذا لا يمكن أن يصل إليه العقل؛ لكنه يدرك ما مصلحته دنيوية, كتحريم الربا, والسرقة, والزنا, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, ونحو ذلك من الأحكام التي مصلحتها دنيوية.

    والجهاد هو مما فرضه الله سبحانه وتعالى على عباده, وليس فرضه مختصاً بهذه الشريعة المحمدية الخاتمة, فقد كان مفروضاً في الشرائع السابقة, فقد فرض على أنبياء الله من لدن نوح عليه السلام أن يبذلوا جهدهم في إعلاء كلمة الله، وهذ معنى الجهاد, الجهاد مشتق من الجهد, والجُهد: هو الطاقة, بخلاف الجَهد, فالجَهد: هو المشقة, وفعل الجُهد هو: جَهِد, وأما فعل الجَهد فهو: جَهَدَ بفتح الحروف الثلاثة.

    فبذل الجهد لإعلاء كلمة الله واجب منذ نزلت الشرائع, وقد بذل نوح جهده في إعلاء كلمة الله, وتعرفون أنه مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً, ومكث بعد ذلك في الأرض في الدعوة ما الله عليم به من السنوات, نحن لا نعرف قدره ولا نقدره, لكننا نعلم أن الله خاطبه بقوله: يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ[هود:48], سلام من الله وبركات كل ذلك يقتضي طول العمر والتمتيع في الحياة الدنيا بعد هبوطه ونزوله.

    ثم بعد ذلك لم يأتِ نبي قط إلا فرض عليه الجهاد، سواء كان ذلك بالهجرة كما فرض على إبراهيم , أو بالقتال المباشر، وقد فرض ذلك على عدد كثير من الأنبياء, لكن الذي يميز هذه الأمة: أن الجهاد في الماضي لم يكن يباح لأهله الغنائم, وأحلت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصةً, فقد كان الأنبياء السابقون إذا غنموا جمعوا الغنائم فجاءتها نار من عند الله فأكلتها.

    فإذا كان فيها غلول، أي: أخذ بعض الغزاة شيئاً من الغنيمة، فإن النار تمتنع عن أكلها, وكان الأنبياء حينئذٍ يبايعون قومهم، فمن لصقت يديه بيد نبيه فذلك دليل على أن الغلول فيه وفي أصحابه, كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقد أحلت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفاً لهذه الأمة، فقد رفع الله عنها الإصر مطلقاً, أي: أن كل الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة قد رفعت عن هذه الأمة, فخاطب الله عموم الأمة بما كان يخاطب به المرسلين من قبل, فقد كان الله يخاطب المرسلين برفع الحرج عنهم, وخاطب بذلك عموم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج:78].

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث أن خطاب هذه الأمة هو خطاب الأنبياء السابقين, فقال: (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[المؤمنون:51], وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[البقرة:172]).

    فهذه الأمة مشرفة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى مكرمة, فلذلك أحل لها ما لم يحل لمن قبلها, وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أوتيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي), وذكر منهن: (وأحلت لي الغنائم), فأحلت له الغنائم ولم تحل لأحد من قبله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088470720

    عدد مرات الحفظ

    776904303