إسلام ويب

التكافل في الإسلامللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرم الله الظلم على نفسه وحرمه على عباده، وجعل له عواقب في الدنيا والآخرة، ومن عواقب الظلم حصول الفتن بين المسلمين، ولهذه الفتن أسباب كثيرة منها الغيبة والنميمة والتجسس ونحوها، ولا يدفع هذا إلا بالأخوة بين المسلمين وترابطهم والتكافل فيما بينهم لدفع الشر وأسبابه، وجلب الخير وأسبابه، وبهذا يكون المجتمع آمناً من كل الشرور.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    خطر الظلم وعاقبته

    فإن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، وفي ذلك يقول جل جلاله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[فصلت:46]، ويقول رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه في الحديث القدسي الصحيح: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم وبين عاقبة أمر الظالمين؛ فعاقبة أمرهم هي الخسران المبين كما قال الله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ[الشعراء:227]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ).

    فالظلم ظلمات يوم القيامة بين يدي الإنسان، وهو أحوج ما يكون إلى النور في ذلك اليوم عندما تنسد الأبواب أمامه، وينصب الجسر على متن جهنم، وهو أرق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم؛ فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته؛ فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس على وجهه في نار جهنم.

    في ذلك الوقت يحتاج الناس إلى النور حاجة شديدة، ولكن الظلم يكون ظلمة في وجوه أصحابه، وقد وصف الله حالهم بقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا[البقرة:19-20]، فهذا الحال لا يرضاه المؤمن لنفسه، وقد حذره منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أعذر من أنذر، وقد أنذرنا الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقام علينا الحجة به جميعاً.

    فعلينا جميعاً أن يتذكر حال الظالمين يوم القيامة، وأن نحذر من الظلم بكل أنواع وشتى ضروبه وأقسامه، ولنتذكر ما أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: ( كنت أجلد غلاماً لي في الطريق، فإذا صوت من ورائي يقول: اعلم أبا مسعود ! فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام؛ فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله؛ قال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار ).

    فليتذكر كل من زينت له نفسه الظلم والانتقام أن الله تعالى أقدر عليه منه على من يريد ظلمه، وعلينا جميعاً أن نحذر وبال الظلم ونتائجه التي تتعدى أصحابه؛ فإن شؤمه يصل إلى الشعوب كلها؛ فما من شعب يشيع فيه الظلم إلا عوقب بعقوبة عامة، والعقوبات العامة هي من أمر الله تعالى وكيده لا ترد بالحيلة.

    الابتعاد عن الظلم سبب للأمن

    فلذلك لا بد أن نعلم أن من الأمن والأمان والرخاء الابتعاد عن الظلم؛ فهو سبب لكل ذلك، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل في كل الشئون وحض عليه في كل الأمور، وبه قامت السموات والأرض.

    والعدل يقتضي الصدق في حال الغضب وفي حال الرضا، قال الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:8]، وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:2]، وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ[النحل:126].

    فالعدل مطلوب من الإنسان في خاصة نفسه، وفي شهادته على أهله، ومطلوب من كل من تولى أمراً من أمور هذه الأمة في رعيته، وهو أمانة يخاطب عنها الإنسان، ويسأل عنها بين يدي الله تعالى في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

    ولذلك فإن ترك العدل في أية رعية يتولاها الإنسان تكون سبباً لسخط الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ما من راع إلا والله تعالى هو الذي استرعاه على رعيته، وهو سائله عنها، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )، وقد صح في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من راع يتولى أمر اثنين من أمتي يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ فلا بد من الحذر من الظلم، ولا بد من الحرص على العدل في الأقوال والأفعال، ولا بد من إشاعة هذا المفهوم وإطلاقه في الناس جميعاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089156527

    عدد مرات الحفظ

    782253703