إسلام ويب

سبيل المؤمنينللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كتب الله البلاء لعباده في هذه الدار، وبين لهم سبيل النجاة فيها، وهو سبيل المؤمنين، وهو صراط الله المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وهو شامل لجميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله تعالى يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ [القصص:68].

    وقد قال في محكم التنزيل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51].

    يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

    وقد أراد بحكمته البالغة أن يجعل هذه الدار الدنيا مسرحاً للصراع بين الحق والباطل، فجعلها دار امتحان وابتلاء، لا يجد فيه الإنسان سعادةً أبديةً مستمرة، وإنما يبلونا الله فيها بالخير والشر، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، فيتعاقب فيها الخير والشر على الإنسان امتحاناً له وابتلاءً، هل يثبت على طريق الله وسبيله الذي ارتضاه أم يمكث العهد الذي بينه وبين الله فيرتد على عقبيه؟ وقد جعل الله فيها فتناً عظيمة تصرف الذين لا يرتضي الله خدمتهم للدين عن سلوك طريقه، ولله الحكمة البالغة؛ فلذلك من حكمه في هذه الصوارف التي تصرف الناس عن طريق الحق أنه جل جلاله علم بحكمته أن الناس سينقسمون يوم القيامة إلى قسمين فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105]، وقد ضمن الله للجنة أهلها، وضمن للنار ملأها، فلا بد أن يكون في الدنيا منهم من أهل الجنة، ومنهم من أهل النار، ومنهم من أهل السعادة، ومنهم من أهل الشقاء؛ فلذلك صرف الله الذين لا يرتضيهم بهذه الصوارف فانصرفوا عن سبيل الله، ومنهم من لم ير السبيل أصلاً، ولم يهتم به ولم يرده، ومنهم من رآه ولم يصل إليه، ومنهم من رآه ووصل إليه وأراده ولكنه لم يسلكه، ومنهم من رآه وأراده وسلكه لكنه تساقط عنه في الأثناء، وقليل منهم من سلكه ثم وصل.

    وهذه الصوارف تعهد الله بها إذ قال: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146].

    وقال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:46-47]، وقال تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9]، وقال تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

    والذين ارتضى الله تعالى سلوكهم لهذا الطريق يختارهم له ويختاره لهم ويثبتهم عليه، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    فأولئك يوفقهم الله سبحانه وتعالى لسلوك طريق الحق، ويختارهم له، فهم قبل خلقهم قد اختيروا وهيئوا لسلوك الطريق، فجاءت جوارحهم منقادةً للطاعة، وجاءت قلوبهم مطمئنةً بالحق، لا يشكون ولا يرتابون، وهم مهيئون قبل الخلقة لأن يكونوا من أهل الجنة، ولأن يسلكوا طريق الجنة؛ ولذلك إذا ابتلوا بأنواع البلاء فإنه لا يصرفهم عن طريقهم الذي سلكوه واختاروه قيد أنملة، كما قال أحد سلفنا الصالح وهو الزبيري رحمه الله لما أتاه بعض المبتدعة يجادله في العقيدة قال:

    أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني

    فما عوض لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمين

    صلى الله عليه وسلم، فيصبرون على سلوك طريق الحق، ويستمرون عليه، وهم بذلك يعلمون أنهم سيتعرضون للكثير من الامتحانات، فقد قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523305

    عدد مرات الحفظ

    777118419