إسلام ويب

الاستخلاف في الأرضللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل جعل الإنسان خليفة في هذه الأرض، واصطفى منهم الأنبياء والصالحين ليقيموا أمره ويجتنبوا نهيه، وجعل لهم فرصاً في الاستخلاف؛ منها الحياة الدنيا، وتعمير الإنسان، والنعم المسخرات له، فعند استغلال هذه الفرص يصل الإنسان إلى الصلاح والإصلاح في كل المجالات، العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية .. الخ، ومن مقتضيات الإصلاح الرحمة واللين والعمل المستمر المتراكم والتكاملي، والسعة في النظر وعدم الضيق في الأفق

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهدية، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى هو أحكم الحاكمين، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، وقد شاء بحكمته أن يجعل هذه الدنيا مسرحاً للصراع بين الحق والباطل، ومن أجل ذلك خلق النار وخلق لها أهلها، وخلق الجنة وخلق لها أهلها، وأهبط آدم و حواء و إبليس إلى الأرض، ومنذ إهباطهم إلى الأرض بدأ الصراع، وكانت الدنيا مسرحاً لهذا الصراع، ولا يمكن أن يحسم الصراع فيها إلا بنهايتها؛ لأنه لو توقف التدافع لحظة واحدةً لفسدت الأرض، كما قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ[البقرة:251]، وذلك أنه لو تغلب الحق على الأرض فلم يبقَ للباطل فيها وجود لنزح أهل الأرض حينئذٍ جميعاً، واستحقوا أن ينتقلوا عن دار الفناء والأوساخ والأقذار إلى دار البقاء والاستقرار، ولو تغلب الباطل على الأرض فلم يبقَ عليها إلا شرك أو معصية أو فجور لحق على أهل الأرض سخط الله ومقته وعذابه؛ فلهذا لا بد أن يبقى على الأرض الإيمان والكفر، ولا بد أن يبقى عليها الطاعة والمعصية، ولا بد أن يبقى عليها الظلم والاستبداد والجهاد، فلا بد أن يبقى عليها هذا الصراع بطرفيه.

    اصطفاء وتوفيق وعرقلة وتثبيط

    ويختار الله سبحانه وتعالى من كل جيل الذين يوفقهم لنصرة دينه وإعلاء كلمته، ويلهمهم رشدهم، فيعلي بهم الحق ويرفع بهم لواءه، ويخذل من كل جيل الذين لا يرتضي خدمتهم للدين، ولا يريد بهم الخير، فيكره الله سبحانه وتعالى منهم الطاعة كما يكره منهم المعصية، ولذلك قال الله تعالى: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46]، كره الله انبعاثهم في الخروج للجهاد في سبيل الله، فإذا كانت طاعتهم مكروهة مبغوضة لدى الله جل جلاله، فكيف بمعصيتهم وشركهم؟

    فالذين لا يرتضي الله خدمتهم للدين يضع في وجوههم العراقيل والعقبات، ويردهم على أدبارهم ويمنعهم من سلوك طريق الحق، كما قال الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا[الأعراف:146]، وقال الله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9]، أي: يصرف عن طريق الحق من علم الله صرفه وأراده به، وكما قال الله تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46]، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ[العنكبوت:10]، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ[الحج:11].

    أعظم كرامة

    ومن هنا كانت الاستقامة على منهج الله سبحانه وتعالى أعظم كرامة يكرم الله بها عبده، فيمكن أن يهتدي العبد هداية إرشاد، ولكنه لا يستقيم فيرجع على عقبيه كحال ثمود الذين قال الله فيهم: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى[فصلت:17]، ويمكن أن يمكث الإنسان مدة سالكاً لطريق الحق مستقيماً عليه، ثم يضيع في غيات الطريق فينحرف يميناً أو شمالاً، وحينئذٍ العبرة بخواتيم الأمور ونهاياتها، لا بمبادئها وابتداءاتها، فالذين يثبتهم الله بالقول الثابت ينالون الاستقامة على طريق الحق، فيكون يومهم خيراً من أمسهم، ويكون غدهم خيراً من يومهم، وكلما ازدادوا في العمر ازدادوا من الله قرباً، وكلما ازدادوا محبة وشوقاً إليه جل جلاله وأنساً به، فهم متقدمون على طريق الحق صابرون عليه حتى يلقون الله جل جلاله على هذا الطريق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088553162

    عدد مرات الحفظ

    777288052